مصر: إدارة استخباراتية جديدة ووحدة تصدير شائعات لمواجهة الانتقادات

21 سبتمبر 2018
يستخدم النظام الإعلام للسيطرة على المعلومات المنشورة (أحمد زكريا/الأناضول)
+ الخط -
كشفت مصادر مصرية مطلعة أن نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي قرر تغيير استراتيجية مواجهة الانتقادات الحادة التي تلاحق تحركاته، والقرارات والإجراءات التي يتخذها، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، على ضوء تفنيد مراقبين لتفاصيل تلك القرارات وكواليسها، وإثبات فشل الكثير منها، كونها اتُخذت بقرار من رئيس الدولة من دون دراسات جدوى وافية.
وقالت المصادر لـ"العربي الجديد"، إن السلطة الحاكمة اعتمدت عدداً من الإجراءات، التي من شأنها التصدّي للمعارضين والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتها، نشر مقالات لمجموعة من الكتّاب "الغامضين"، تحت أسماء مستعارة في وسائل الإعلام الموالية، للهجوم على أي من الرموز الإعلامية أو المعارضة، وتشويهها، وكيل السباب لها بغرض إرهابها، ودفعها للابتعاد عن انتقاد قرارات الرئيس والحكومة.

واستشهدت المصادر بنشر مقال يومي في صحيفة "روز اليوسف" اليومية، لأحد الأشخاص الذي يكتب باسم مستعار "رشدي أباظة"، مشيرة إلى أن هذا المقال هو باكورة تنفيذ ذلك التوجّه، إيذاناً بتوزيع عدد من المقالات اليومية على بعض الصحف التابعة للأجهزة الأمنية، تحت أسماء مستعارة متعددة، لمهاجمة كل من يريد التصدر لانتقاد سياسات النظام الحالي.
وأفادت المصادر بأن المقال الذي يُكتب في تلك الصحيفة الحكومية يأتي في صورة منشور، وعبارة عن مجموعة من الأفكار الرئيسية الواردة من إحدى الجهات الأمنية السيادية، وتتم إعادة صياغته وكتابته كمقال صحافي، ونشره، مشيرة إلى أن جهاز الاستخبارات العامة بات هو من يتولى الإشراف الكامل على ملف الإعلام برمته، سواء المقروء أو المسموع أو المرئي. وعلى مدار عام كامل، شرع ضابط الاستخبارات المنتدب حالياً في مؤسسة الرئاسة، المقدم أحمد شعبان، في نشر مقال يومي في صحيفة "اليوم السابع" التابعة للأجهزة الأمنية، تحت اسم مستعار هو "ابن الدولة"، والذي كان يتابعه كافة العاملين في الحقل الإعلامي كل صباح لمعرفة خطوط التحرك اليومي، كي لا يتجاوزها أي منهم، سواء في المواضيع المنشورة في الصحف، أو في محاور البرامج الحوارية "توك شو".

وحسب المصادر، فإن الخطة الخاصة بمواجهة عمليات الانتقاص مما يسمى بـ"المشروعات القومية"، وقرارات السيسي الخاصة بـ"الإصلاح الاقتصادي"، تستند إلى تعظيم مصطلح الشائعات في وسائل الإعلام، ولصقها دوماً بجماعة "الإخوان المسلمين" وأنصارها، مع تكريس بعض أجهزة وقطاعات الدولة للقيام بدور الرد على المعارضين، ووصف انتقاداتهم بـ"الشائعات التي تستهدف هدم الدولة المصرية".

وأضافت المصادر أن "الإدارة الاستخباراتية تبعث ببيانات لعدد من الجهات الدينية، وفي مقدمتها مرصد الفتاوى التابع لدار الإفتاء، لإضفاء نوع من القدسية على تلك البيانات الصادرة عنها"، وهو المرصد الذي أصدر بيانات عدة، قال فيها إن "على كافة فئات المجتمع المصري ضرورة الحيطة والحذر في التعامل مع المعلومات، والأخبار، التي تنشر على وسائل الإعلام، ومواقع الإنترنت، وصفحات التواصل الاجتماعي". ويكرر المرصد في فتاويه أن "التثبُّت من الأخبار يعد واجباً وطنياً ودينياً، على اعتبار أن المسلم مطالب بالتحقق من الأخبار والمعلومات التي تصله قبل أن ينشرها، وعدم الخوض في ما لا يعلم، علاوة على عدم التهاون والتساهل في أمر الشائعة، والنظر إليها على أنها أمر عظيم، وإحدى أدوات الحروب الجديدة، وسبل هدم وتدمير الدول والمجتمعات".

وحدة خاصة
وكشفت المصادر المصرية أن هناك إدارة في جهاز الاستخبارات العامة تُغذّي بشكل دوري مركز المعلومات في مجلس الوزراء ببيانات دورية، تتناول العديد من القضايا والرد عليها بشكل أسبوعي، تحت زعم الرد على الشائعات، لافتة إلى أن الإدارة لا يقتصر عملها على متابعة الأجهزة الحكومية، والوسائل الإعلامية المختلفة، بل تعمل على توظيف المؤسسات الدينية، لتحقيق أهدافها.


واستحدث رئيس جهاز الاستخبارات العامة، اللواء عباس كامل، وحدة التعامل مع الشائعات، فور أدائه اليمين أمام السيسي في نهاية يونيو/حزيران الماضي، منبهة إلى أنه استعان، إلى جانب ضباط في الجهاز، بخبراء متخصصين في مجال العلوم الاجتماعية، وعلم النفس، وما يُعرف بـ"حروب الشائعات"، على حد تعبير المصادر.
وأشارت كذلك إلى أن من ضمن خطط الوحدة التعامل بشكل استباقي مع الهجوم والنقد الذي يتعرض له النظام من معارضيه، عبر تشويههم تارة، أو تسريب وبث عدد من المعلومات والأخبار المغلوطة على مواقع التواصل، ثم نفيها ببيانات صحيحة ودقيقة، من جهات حكومية رسمية، وذلك لهز ثقة المواطنين في ما يتم نشره بشكل عام، وتداوله لاحقاً على "سوشال ميديا"، لزرع الشك لدى المواطنين، وتأهيليهم لتكذيب المعلومات الصحيحة.

تسريب معلومات وشائعات
وفي 25 أغسطس/آب الماضي، سرّب النظام معلومة عن شروع الاستخبارات في حملة اعتقالات لعدد من ضباط الجيش في مدينة نصر، ومصر الجديدة، شرقي العاصمة القاهرة، وهي المعلومة التي لم يتسن تأكيدها أو نفيها، وهدفت إلى إحداث حالة من الخوف لدى الضباط في المؤسسة العسكرية، خصوصاً في صفوف القيادات الوسطى، والتي قد يكون لديها اعتراضات على توريط النظام للمؤسسة في دهاليز السياسة، وما يطاولها من انتقادات من جراء ذلك.

وعلى الرغم من نفي الحكومة ما يتردد عن طرح شركة الحديد والصلب الحكومية للبيع أمام القطاع الخاص منذ خمسة أيام، لكن وزير قطاع الأعمال، خالد بدوي، أعلن قبل يومين، عن إغلاق شركة "القومية للإسمنت"، آخر شركة حكومية في القطاع، وبيع أراض تابعة لشركات الغزل والنسيج، و11 محلج قطن مقابل 27 مليار جنيه (نحو مليار ونصف مليار دولار)، ودراسة أوضاع 48 شركة حكومية أخرى، بهدف بيع جانب من أصولها، أو دخول القطاع الخاص كشريك لها، وإغلاق الخاسرة منها.

وصباح كل جمعة، يخرج مركز معلومات مجلس الوزراء، لينفي مجموعة من الشائعات التي جرى ترويجها على مدار الأسبوع، في تقرير مجمع له، ويكون من بينها "شائعات مختلقة" من النظام نفسه، لم يجر تداولها من جانب المعارضين أو من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي من الأصل، لجعل المواطنين حاضرين نفسياً لتكذيب أي إجراءات أو قرارات مرتقبة للنظام.

ونفت الحكومة المصرية أخيراً مجموعة من تلك الشائعات، من بينها ما أثير على المواقع الإلكترونية بشأن وقف صرف معاش التضامن الاجتماعي من خلال "كارت فيزا"، وهو الخبر الذي لم يثبت تداوله فعلياً على مواقع التواصل، وذلك للتغطية على حدوث عطل فني في منظومة صرف المعاش خلال شهر سبتمبر/أيلول الحالي، واستبعاد المئات من ذوي الإعاقة، بدعوى استخراجهم تقارير طبية غير صحيحة للحصول على المعاش.

وكذّب مركز معلومات مجلس الوزراء ما يتردد عن اتجاه الحكومة نحو خصخصة مرفق السكك الحديدية، بذريعة أنه مملوك للدولة، علماً بأن مجلس النواب وافق نهائياً في مارس/آذار الماضي، على تعديل بعض أحكام قانون إنشاء الهيئة القومية لسكك حديد مصر، والذي يقضي بإشراك القطاع الخاص في إدارة وتشغيل وصيانة مشروعات البنية الأساسية، وشبكات هيئة السكك الحديدية على مستوى الجمهورية.
ونفى أيضاً عدم حذف أي مواطن من البطاقات التموينية خلال المرحلة الحالية، بخلاف الأفراد المتوفين، والمسافرين، والأسماء المكررة على أكثر من بطاقة، في حين أن التصريحات الرسمية الصادرة عن مسؤولين في وزارة التموين، تؤكد اعتزام الوزارة حذف نحو 12 مليون مواطن مقيد على 3 ملايين بطاقة تموينية خلال الفترة المقبلة، في إطار منظومة تحديث بيانات البطاقات، والتي تنتهي مرحلتها الأولى في 8 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

المساهمون