13 يونيو 2021
مصر والسودان.. ماذا بعد؟
أثار استدعاء السودان أخيرا سفيره في مصر للتشاور تساؤلات عدة بشأن أسبابه وتوقيته، ورد الفعل المصري بشأنه، ومآلات الأزمة بين دولتي وادي النيل، والآخذة في التصاعد منذ الانقلاب في مصر في يوليو/ تموز 2013. ووفق المعلن، جاءت الخطوة السودانية بعدما نشرت صحيفة إثيوبية مستقلة، (وليست مصادر رسمية)، طلب مصر من أديس أبابا، في زيارة وزير الخارجية سامح شكري لها أخيرا، أن تكون المحادثات ثنائية، وبإشراف البنك الدولي بخصوص سد النهضة . صحيح أن مصادر سودانية قالت إن لديها معلومات استخباراتية أيضا في هذا الخصوص، إلا أن عدة ملاحظات تبرز هنا. أولها أن الاعتماد فقط على مصادر إعلامية في اتخاذ خطوة كهذه محفوف بالمخاطر، لمآلاته على العلاقات بين أي دولةٍ وأخرى. وثانيها يتعلق بمصدر المعلومة "إعلام إثيوبيا"، فهو يتطلب أيضا ضرورة أخذه بحذر وحيطة، لا سيما في ظل سعي إثيوبيا إلى الوقيعة بين مصر والسودان، واللعب على الخلافات بينهما لصالحها. وثالثتها أنه كان يمكن للخارجية السودانية الاكتفاء بنفي الخارجية المصرية، أو استدعاء السفير المصري لدى الخرطوم لمزيد من التوضيح بشأن المسألة، لا سيما وأن الخرطوم تدرك جيدا أنه ليس لمصر، بموجب القانون الدولي، اتخاذ خطوات مباشرة مع إثيوبيا بخصوص سد النهضة، بسبب اتفاقية إعلان المبادئ الموقعة بين الأطراف الثلاثة في الخرطوم في مارس/ آذار 2015، ولأن السد يؤثر أيضا على السودان، سلبا وإيجابا، كما أن البنك الدولي لا يمكن أن يتدخل وسيطا في ظل إطار قانوني ناظم للعلاقة بين الدول الثلاث من ناحية، ولبروز الخلافات بينها من ناحية ثانية. وكان البنك قد رفض تمويل السد بسبب الرفض المصري.
يطرح القرار السوداني تساؤلات عن توقيته أيضا. وهل فعلا كان المناسب استدعاء السفير بسبب ما يتداول في الإعلام الإثيوبي، أم كان الأنسب سحبه في مايو/ أيار الماضي، بعدما خرج رأس الدولة السودانية، في حينه، ليعلن وجود أدلة قاطعة على دعم مصر متمردي إقليم دارفور. وما يزيد من حالة الغموض عدم تقديم الخرطوم تبريرات رسمية لقرارها، ما يفتح الباب للتحليلات والتكهنات التي تتطلب ردا رسميا لإماطة اللثام عنها.
ربما يكون نظام الخرطوم يسعى إلى إرسال رسائل إلى الرأي العام الداخلي أنه لا يقبل التفريط في قضاياه الأساسية، وهذا من حقه تماما، كما كان يرغب في إرسال رسائل خارجية إلى كل من مصر والسعودية والولايات المتحدة قبلها بأيام، عبر دعوته الروس إلى إقامة قواعد عسكرية في بلاده على البحر الأحمر. وربما لم يخرج عن هذا الإطار أيضا تسليمه جزيرة سواكن لتركيا لإعادة ترميمها، لا سيما وأن الاتفاق العسكري بشأن إقامة قاعدة عسكرية فيها يكتنفه الغموض. ويبدو أن مصر، في المقابل، تدرك هذا جيدا، والملحوظ وجود تباين بين الموقف الرسمي المصري الذي لا يدعو إلى التصعيد، والموقف الإعلامي الذي ربما يتم استخدامه لكبح السودان الذي بات يطالب، من وجهة نظره، بأمور ليست من حقه. وبالتالي من المتوقع ألا تقوم مصر بإجراء مماثل، لإدراكها أن سحب السفير لا يعني قطع العلاقات، كما يبدو أن الرئيس عبد الفتاح السيسي لا يسعى إلى فتح جبهة ثانية مع السودان، في ظل اشتعال أزمة سد النهضة، وفشل المفاوضات الفنية بشأنها. ويبدو أن تحريك مصر قوات عسكرية صوب إرتيريا يأتي في إطار إرسال رسائل إلى أديس أبابا وليس السودان، وإلا لكان الجيش المصري قد أرسل تعزيزاتٍ إلى حدوده الجنوبية مع السودان، بدلا من إرسال قوات على نقاط التماس مع الشرق السوداني.
في نهاية الأمر، ينبغي توضيح أمرين. الأول أن تعقد الأزمة بين القاهرة والخرطوم، لا سيما ما تردّد عن الرغبة في إشراك البنك الدولي في الإشراف على مفاوضات سد النهضة، يرجع إلى الانصياع المصري بعد الانقلاب للمطالب الإثيوبية، تحديدا بضرورة أن تكون اللجنة الفنية وطنية غير دولية. وبالتالي، تدفع مصر الآن ثمن قبولها هذا الأمر، خصوصا إذا كان هناك اتفاق سوداني إثيوبي عليها، وهو ما حدث أخيرا، وفق روايتها في ما يتعلق برفض الدولتين التقارير الأولية للمكتبين الاستشاريين الفرنسيين بخصوص دراسات السد. ومن هنا، لن يجد طلبها الآن بتدخل البنك الدولي سبيلا إلى التنفيذ، لا سيما أنها قيدت نفسها بذلك مرتين. الأولى عقب لقاء السيسي برئيس الوزراء الإثيوبي، هيلي ماريام ديسالين، على هامش القمة الأفريقية في مالابو في يوليو/ تموز 2014، وما تمخض عنها من تشكيل لجنة وطنية وليست دولية، وكانت هذه أول نقطة ضعف للموقف المصري في المفاوضات، وهو ما اتضح بعد ذلك. أما القيد الثاني فكان بتوقيع القاهرة اتفاق إعلان المبادئ الذي نص على اتخاذ القرارات عند الخلاف بالإجماع.
أما النقطة الثانية فتتعلق بماذا بعد؟ مصر تحتاج للسودان في هذه المرحلة الحرجة، وغيرها، سواء في ما يتعلق بسد النهضة، أو باعتباره خاصرة مصر الجنوبية. واستمرار عدم الالتفات إلى مطالب الخرطوم، خصوصا في ما يتعلق بموضوع حلايب، وإمكانية البحث عن حلول وسط، وافق عليها السودان، بل ومصر أيضا إبّان الرئيسين، حسني مبارك ومحمد مرسي، من تحويلها إلى منطقة تكامل، هذا الأمر قد يدفع الخرطوم، اضطرارا، إلى الارتماء في أحضان إثيوبيا، أو اتخاذ إجراءات عقابية ضد مصر، مثل حظر دخول بعض السلع والخضروات، أو فرض تأشيرات على المصريين أو غيرها. والعلاقات الدولية قائمة على فكرة المنافع والمكاسب المشتركة، وليس على فكرة المعادلة الصفرية.. لقد جربت مصر، طوال عقود سابقة، النمط الثاني مع إثيوبيا، ووصلت الأمور إلى ما وصلت إليه الآن. والخشية أن يتكرّر الأمر مع السودان، فتخسره مصر أيضا، على الرغم من الروابط والمصالح الحيوية بين الجانبين منذ أمد بعيد.
يطرح القرار السوداني تساؤلات عن توقيته أيضا. وهل فعلا كان المناسب استدعاء السفير بسبب ما يتداول في الإعلام الإثيوبي، أم كان الأنسب سحبه في مايو/ أيار الماضي، بعدما خرج رأس الدولة السودانية، في حينه، ليعلن وجود أدلة قاطعة على دعم مصر متمردي إقليم دارفور. وما يزيد من حالة الغموض عدم تقديم الخرطوم تبريرات رسمية لقرارها، ما يفتح الباب للتحليلات والتكهنات التي تتطلب ردا رسميا لإماطة اللثام عنها.
ربما يكون نظام الخرطوم يسعى إلى إرسال رسائل إلى الرأي العام الداخلي أنه لا يقبل التفريط في قضاياه الأساسية، وهذا من حقه تماما، كما كان يرغب في إرسال رسائل خارجية إلى كل من مصر والسعودية والولايات المتحدة قبلها بأيام، عبر دعوته الروس إلى إقامة قواعد عسكرية في بلاده على البحر الأحمر. وربما لم يخرج عن هذا الإطار أيضا تسليمه جزيرة سواكن لتركيا لإعادة ترميمها، لا سيما وأن الاتفاق العسكري بشأن إقامة قاعدة عسكرية فيها يكتنفه الغموض. ويبدو أن مصر، في المقابل، تدرك هذا جيدا، والملحوظ وجود تباين بين الموقف الرسمي المصري الذي لا يدعو إلى التصعيد، والموقف الإعلامي الذي ربما يتم استخدامه لكبح السودان الذي بات يطالب، من وجهة نظره، بأمور ليست من حقه. وبالتالي من المتوقع ألا تقوم مصر بإجراء مماثل، لإدراكها أن سحب السفير لا يعني قطع العلاقات، كما يبدو أن الرئيس عبد الفتاح السيسي لا يسعى إلى فتح جبهة ثانية مع السودان، في ظل اشتعال أزمة سد النهضة، وفشل المفاوضات الفنية بشأنها. ويبدو أن تحريك مصر قوات عسكرية صوب إرتيريا يأتي في إطار إرسال رسائل إلى أديس أبابا وليس السودان، وإلا لكان الجيش المصري قد أرسل تعزيزاتٍ إلى حدوده الجنوبية مع السودان، بدلا من إرسال قوات على نقاط التماس مع الشرق السوداني.
في نهاية الأمر، ينبغي توضيح أمرين. الأول أن تعقد الأزمة بين القاهرة والخرطوم، لا سيما ما تردّد عن الرغبة في إشراك البنك الدولي في الإشراف على مفاوضات سد النهضة، يرجع إلى الانصياع المصري بعد الانقلاب للمطالب الإثيوبية، تحديدا بضرورة أن تكون اللجنة الفنية وطنية غير دولية. وبالتالي، تدفع مصر الآن ثمن قبولها هذا الأمر، خصوصا إذا كان هناك اتفاق سوداني إثيوبي عليها، وهو ما حدث أخيرا، وفق روايتها في ما يتعلق برفض الدولتين التقارير الأولية للمكتبين الاستشاريين الفرنسيين بخصوص دراسات السد. ومن هنا، لن يجد طلبها الآن بتدخل البنك الدولي سبيلا إلى التنفيذ، لا سيما أنها قيدت نفسها بذلك مرتين. الأولى عقب لقاء السيسي برئيس الوزراء الإثيوبي، هيلي ماريام ديسالين، على هامش القمة الأفريقية في مالابو في يوليو/ تموز 2014، وما تمخض عنها من تشكيل لجنة وطنية وليست دولية، وكانت هذه أول نقطة ضعف للموقف المصري في المفاوضات، وهو ما اتضح بعد ذلك. أما القيد الثاني فكان بتوقيع القاهرة اتفاق إعلان المبادئ الذي نص على اتخاذ القرارات عند الخلاف بالإجماع.
أما النقطة الثانية فتتعلق بماذا بعد؟ مصر تحتاج للسودان في هذه المرحلة الحرجة، وغيرها، سواء في ما يتعلق بسد النهضة، أو باعتباره خاصرة مصر الجنوبية. واستمرار عدم الالتفات إلى مطالب الخرطوم، خصوصا في ما يتعلق بموضوع حلايب، وإمكانية البحث عن حلول وسط، وافق عليها السودان، بل ومصر أيضا إبّان الرئيسين، حسني مبارك ومحمد مرسي، من تحويلها إلى منطقة تكامل، هذا الأمر قد يدفع الخرطوم، اضطرارا، إلى الارتماء في أحضان إثيوبيا، أو اتخاذ إجراءات عقابية ضد مصر، مثل حظر دخول بعض السلع والخضروات، أو فرض تأشيرات على المصريين أو غيرها. والعلاقات الدولية قائمة على فكرة المنافع والمكاسب المشتركة، وليس على فكرة المعادلة الصفرية.. لقد جربت مصر، طوال عقود سابقة، النمط الثاني مع إثيوبيا، ووصلت الأمور إلى ما وصلت إليه الآن. والخشية أن يتكرّر الأمر مع السودان، فتخسره مصر أيضا، على الرغم من الروابط والمصالح الحيوية بين الجانبين منذ أمد بعيد.