مصر: مزارعو الأرز يتوقعون أوقاتاً عصيبة بسبب سد النهضة الإثيوبي

23 ابريل 2018
صعوبات كبيرة يضعها سد النهضة في وجه المزارعين (Getty)
+ الخط -

تجاهل مزارعو الأرز في قرية كفر زيادة في دلتا النيل في مصر لسنوات قيوداً على الزراعة تهدف لادخار المياه، واستمروا في زراعة هذا النوع من الحبوب الذي تكاد لا تخلو منه مائدة الطعام في العالم العربي.

لكن قراراً على بعد آلاف الكيلومترات إلى الجنوب من البلد العربي الأكثر سكاناً يوشك على أن يغير هذا الوضع، في مثال آخر على ما يفرضه القلق بشأن المياه من تغييرات في قوانين الزراعة بل حتى الدبلوماسية الدولية.

وبعيداً في أعلى النهر إلى الجنوب، بالقرب من أحد منابع النيل، تتأهب إثيوبيا لملء الخزان خلف سدها الجديد (سد النهضة الكبير) البالغة قيمته 4 مليارات دولار... وقد يحدث هذا في العام الجاري.

وقد تكون لسرعة ملء الخزان آثار مدمرة على المزارعين الذين يعتمدون منذ الأزل على نهر النيل في زراعة المحاصيل المختلفة للسكان في مصر البالغ عددهم 96 مليون نسمة، والذين من المتوقع أن يصلوا إلى 128 مليوناً بحلول 2030.

وتتصدر حماية حصة مصر من مياه النيل، التي تعتمد عليها البلاد في الصناعة وفي توفير مياه الشرب وأيضاً مياه الري، جدول أولويات الرئيس عبدالفتاح السيسي، بينما يبدأ فترة حكمه الثانية.

وفي الوقت ذاته، تتصدى السلطات أخيراً لمشكلة الانتشار غير القانوني لزراعة الأرز، وهو محصول كثيف الاستهلاك للمياه، مظهرة اهتماماً ملحاً بعد أن فشل تغير المناخ والنمو السكاني السريع في إذكائه.

ويقول تجار إن هذه الحملة تعني أن مصر ستصبح على الأرجح بلداً مستورداً للأرز في عام 2019، بعد أن ظلت لعقود أحد كبار المصدرين.

وأصدرت القاهرة قراراً يسمح بزراعة 724 ألف فدان من الأرز هذا العام، وهي مساحة تشير تقديرات التجار إلى أنها أقل من نصف المساحة التي زرعت في 2017 والبالغة 1.8 مليون فدان، والتي زادت بدورها كثيراً عن المساحة المخصصة رسمياً والبالغة 1.1 مليون فدان.

مداهمات

وبدأت الشرطة بمداهمة منازل فلاحين واحتجازهم، حتى يسددوا غرامات متأخرة تعود إلى سنوات مضت.

وقال محمد عبد الخالق، وهو مزارع في قرية كفر زيادة الواقعة على بعد نحو 125 كيلومتراً شمال القاهرة في محافظة البحيرة: "الشرطة جاءت إلى منزلي في الثالثة صباحاً واقتادوني إلى قسم الشرطة لأسدد الغرامة. حتى لو كانت الغرامة جنيهاً واحداً (خمسة سنتات أميركية)، فإنهم سيأتون إلى منزلك".

وتحدث 3 فلاحين آخرين عن تعرضهم لنفس الموقف وقالوا إنهم لن يزرعوا الأرز هذا العام.

وقال رضا عبدالعزيز (50 سنة) إن أهالي القرية أصبحوا يخافون من أن يغادروها. وأردف قائلاً: "إذا كنت مسافراً وأخذوا بطاقة الهوية منك ووجدوا أن هناك غرامة مستحقة عليك، فإنهم سيحتجزونك".

وكان عبدالخالق قد أعلن عبر مكبر الصوت في مسجد القرية، الشهر الماضي، أن الحكومة ستضاعف الغرامة على زراعة الأرز غير المصرح بها لتصل إلى 7 آلاف و600 جنيه للفدان.

ويقول مصطفى النجاري رئيس لجنة الأرز في المجلس التصديري للحاصلات الزراعية، إن مصر ستضطر على الأرجح إلى استيراد ما يصل إلى مليون طن من الأرز العام القادم إذا تمسكت الحكومة بالنهج الجديد.

وأضاف قائلاً: "السد فتح الباب أمام زيادة الوعي بقضايا شح المياه، لكن مصر تحتاج منذ وقت طويل إلى مراجعة سياسة تخصيص المياه".


استعدوا للتأقلم

قالت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، إن مصر تحتاج إلى استجابة "سريعة وكبيرة"، من أجل ضمان الأمن الغذائي في السنوات القادمة لعدد من الأسباب من بينها شح المياه والتطور الحضري وآثار تغير المناخ.

وتعثرت المباحثات بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن السد في أوائل إبريل/ نيسان، بسبب ما وصفه وزير خارجية السودان بأنه مسائل فنية. ولم يتحدد بعد موعد للجولة المقبلة.

وقالت آنا كاسكاو، وهي باحثة مستقلة في السياسات المائية المرتبطة بالنيل: "ملء سد النهضة الإثيوبي الكبير هو القضية الأكثر إلحاحاً للدول الثلاث التي يتعين عليها اتخاذ قرار بشأنها الآن، وقبل الشروع في الملء".

وأضافت قائلة: "أي استراتيجية عادلة ومنصفة للملء يجب أن تضع في الاعتبار السيناريوهات المختلفة بشأن المناخ وتغير معدلات الأمطار. فإذا كانت (الاستراتيجية) تتعلق بحالة جفاف، عندئذ ستكون الدول الثلاث مستعدة للاتفاق على ملء أبطأ".

ويقول مزارعو الأرز، الذين اعتادوا البدء في زراعته في نهاية إبريل/ نيسان، إنهم قد يتركون أراضيهم بوراً في ظل صعوبة التحول السريع إلى محاصيل صيفية أخرى مثل القطن والذرة، التي تحتاج إلى تقنيات وآلات مختلفة.

وأبلغ وزير الري محمد عبد العاطي "رويترز" أن الوضع يشكل تهديداً كبيراً للمحاصيل وسبل العيش وحتى الاستقرار السياسي، إذا فشلت جهود التنسيق. وأضاف قائلاً: "تخيل إلى أي مدى سيصبح هؤلاء الناس معرضين للخطر".

(الدولار= 17.64 جنيهاً مصرياً)

(رويترز)

المساهمون