بدأ الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي، رسمياً بتنفيذ مخطط "تفخيخ" مجلس النواب المقبل، المفترض إجراء انتخاباته قبل نهاية العام الحالي، بما يعرّض البرلمان عقب تشكيله لشبح الحل في أي وقت. وأصدر السيسي قراراً بقانون يسمح بتعديل بعض أحكام المحكمة الدستورية العليا، وتقضي التعديلات بعدم إلزام المحكمة بمدى زمني محدّد للبتّ في الطعون المقدمة في قوانين الانتخابات أو أي من الإجراءات المتبعة في ذلك.
ويأتي قرار السيسي الجديد في إطار تعديل ما أصدره الرئيس المؤقت السابق عدلي منصور، الذي تولّى الحكم في مرحلة انتقالية عقب الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي، بضرورة البتّ في دستورية قوانين الانتخابات، خوفاً من حلّ البرلمان في أي وقت. ويخشى السيسي من تشكيل مجلس النواب المقبل، خوفاً من أن يأتي بأغلبية لا تدين بالولاء الكامل له، في ظلّ السلطات الكبيرة الممنوحة لهذا المجلس في ضوء التعديلات التي أُدخلت على الدستور عقب عزل مرسي.
كما يرغب في عدم إتمام انتخابات مجلس النواب، نظراً لتصدّر فلول نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك المشهد السياسي والانتخابي الحالي، في ظلّ دفع مبالغ طائلة من قبل رجال أعمال على الدعاية واستقطاب مرشحين سابقين على قوائم الحزب الوطني المنحل في انتخابات 2005 و2010.
ويقضي القرار الجديد بإمكانية حل مجلس النواب حتى عقب تشكيله وعدم تحصينه من الحل في أي وقت، إذا أقدم أحد المتضررين بطعن على سير العملية الانتخابية أو أحد القوانين التي تجري وفقاً لها الانتخابات. ولا تكون المحكمة الدستورية العليا المصرية ملزمة بالبتّ في الطعون في مدة محددة مثلما كان الوضع حين قرّرت تأجيل انتخابات مجلس النواب، قبل بضعة أشهر، لعدم دستورية قانون تقسيم الدوائر.
ويواجه النظام المصري أزمة حقيقية في عدم القدرة على تأجيل الانتخابات مدّة أطول، والتي كان مقرراً لها خلال 60 يوماً من انتخاب رئيس الجمهورية، أي تشكيل مجلس النواب بحد أدنى في أغسطس/ آب العام الماضي.
وأقدمت لجنة الإصلاح التشريعي والحكومة، ومن بعدهما السيسي، على إصدار قوانين خاصة بالانتخابات "معيبة" دستورياً، وسط تجاهل للتحذيرات التي أطلقتها يومها غالبية القوى السياسية فضلاً عن الفقهاء الدستوريين، من عدم دستورية هذه القوانين.
وكانت النتيجة قبول المحكمة الدستورية الطعن المقدّم على قوانين الانتخابات، وتأجيل موعد إجراء الانتخابات إلى أجل غير مسمى، إلى حين تعديل قانون تقسيم الدوائر، بما يتناسب مع التمثيل السكاني العادل في المجلس المقبل.
ويحاول السيسي التحايل على تشكيل مجلس النواب، وبقاء قرار الحل في "درج مكتبه"، ليخرج به في أي وقت، حال حدوث خلاف كبير مع المجلس الجديد المقرر تشكيله في نهاية العام الحالي.
اقرأ أيضاً: السيسي يرث "مستقبل" مبارك لتكوين "جيل" السلطة
في المقابل، يواجه الرئيس المصري الحالي ضغوطاً كبيرة على المستويين الدولي والداخلي، لتشكيل مجلس النواب في أقرب وقت ممكن، وخصوصاً أنّه تأخر إلى أحد أنه فتح المجال وسط مؤيديه للحديث عن التلاعب بخارطة الطريق، واتهامات للنظام الحالي بعدم الجديّة في تنفيذها.
وحاول مقرّبون من مؤسسة الرئاسة إنقاذ السيسي من مأزق إتمام الانتخابات وتشكيل برلمان قد يأتي بأغلبية غير متوافقة معه، إذ طرح بعضهم إمكانية إدخال تعديل على خارطة الطريق، بمدّ تأجيل الانتخابات لمدة عامين أو ثلاثة على أقل تقدير، بحجة عدم الرغبة في تشكيل مجلس نواب يعرقل سياسات الرجل.
في المقابل، ذهب بعض المقربين من السيسي إلى إمكانية تشكيل مجلس استشاري أشبه بمجلس النواب، يشكل من أعضاء كل المحافظات. لكن كل هذه الدعوات لم تجد صدى لدى القوى السياسية والفقهاء الدستوريين.
وتضغط قوى داخلية على رئاسة الجمهورية من أجل الإسراع في إجراء الانتخابات، نظراً للحاجة الماسّة إلى هيئة رقابية وتشريعية، وخصوصاً أنّ السيسي يسيطر على السلطتين التنفيذية والتشريعية، وسط غياب لأي دور رقابي على مؤسسات الدولة المختلفة. ولكن الضغوط الأبرز والأهم، تكمن في محاولات دول خارجية الضغط على مصر لإجراء الانتخابات، بشكل يسمح بإتمام خارطة الطريق، باعتبارها شرطاً لتحسين العلاقات بين البلدين، عقب الانقلاب.
ويقول الخبير السياسي محمد عز لـ"العربي الجديد"، إن "التعديلات الجديدة على بعض أحكام المحكمة الدستورية تتضمن خللاً رهيباً في منظومة الانتخابات، وخصوصاً أنّها تسهّل من إمكانية حلّ مجلس النواب بعد انعقاده في أي وقت". ويضيف عز، أن التعديلات ليست جديدة على الحالة المصرية، إذ تمكن المجلس العسكري من خلالها من حلّ مجلس الشعب عقب ثورة 25 يناير، واستغلها مبارك في حلّ مجلسين في فترة حكمه.
ويشير إلى أنّ النظام الحالي يحاول اللعب بورقة الضغط على مجلس النواب المقبل بالشكل الذي يجبره على الانصياع لأوامره، وإلا يتم حل مجلس النواب، بما تم إنفاقه من مبالغ طائلة ومجهود وعمل طويل. ويؤكد عز أنّ السيسي يسير على خطى مبارك والمجلس العسكري، وسيؤدي هذا الأمر إلى نتائج سيئة خلال الفترة المقبلة، متسائلاً عن "مدى خوف السيسي من مجلس النواب ما دام أنّ لديه شعبية ورؤية مثلما يردد مؤيدوه".
ويرى عز أن السيسي يخشى إلى درجة كبيرة من فلول نظام مبارك، وخصوصاً أنّ هناك صراعاً مكتوماً بين الطرفين ورجال الأعمال من ناحية، كما أنّ السيطرة على مجلس النواب تقلل من صلاحياته، بعدما تعوّد على أن يكون مصدر كل شيء، من ناحية أخرى.
من جهته، أبدى القيادي في حزب "الكرامة"، محمد بسيوني، رفضه للتعديلات الجديدة، باعتبارها عودة إلى الوراء. ويقول بسيوني لـ"العربي الجديد"، إن "الأزمة تكمن في أنّ النظام الحالي يصرّ على العمل على خطى سياسات مبارك، وهو أمر سيقلل الثقة به". ويشير إلى أنّ النظام يتعمّد وضع قوانين "مفخخة" دستورياً لتأجيل الانتخابات، كما أنّ التعديلات الأخيرة "تضع رقبة مجلس النواب المقبل في يد السيسي".
ويعتبر بسيوني أن السيسي يريد السيطرة على المشهد السياسي الحالي، وسط تخوّفات غير مفهومة من مجلس النواب المقبل، وخصوصاً أنّ مصر تحتاج إلى برلمان قوي لديه صلاحيات واسعة وقدرة على الرقابة والتشريع، بما يضمن الاستمرار في نهج الثورة.
اقرأ أيضاً: السيسي يصدر قانوناً يسمح بحلّ البرلمان بعد انعقاده