مصر: فشل الامتحانات يعيد الحديث عن تعديل وزاري

23 مايو 2019
فشل تطبيق النظام الجديد لامتحانات طلاب الأول الثانوي(العربي الجديد)
+ الخط -
عادت التكهنات في الغرف المغلقة لدواوين الحكومة المصرية حول موعد ومحتوى تعديل وزاري مرتقب، لا سيما بعد الفشل الذريع الذي أصاب النظام الجديد لامتحان طلاب الصف الأول الثانوي إلكترونياً بواسطة أجهزة "التابلت"، وخروج تظاهرات عفوية أول من أمس الثلاثاء لطلاب المدارس أمام وزارة التربية ومديريات التعليم في مختلف المحافظات، وتدخّل قوات الأمن بالقوة لفضّ التظاهرات في معظم الأماكن. حتى أنّه في بعض المناطق، مثل الغربية والمنوفية والوادي الجديد، لجأ المحافظون إلى مقابلة الطلاب ومحاولة تهدئتهم، بدلاً من التعامل العنيف معهم، كما حدث في القاهرة، إذ تمّ تداول العشرات من الصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي لقوات الأمن، وهي تعتدي بالضرب على الطلبة والطالبات، فضلاً عن القبض على العشرات منهم قبل صرفهم.

وسبب عودة الحديث عن التعديل الوزاري إلى الواجهة، هو أن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي استدعى مساء الثلاثاء بشكل سري، وزيري التعليم طارق شوقي، والاتصالات عمرو طلعت، بحضور وزير الداخلية محمود توفيق وممثلين عن جهاز الاستخبارات العامة والرقابة الإدارية، إلى اجتماع في مقر مجلس الوزراء استمر لأكثر من 6 ساعات، تخلله تناولهم وجبة الإفطار، وعبّر مدبولي خلاله بشكل واضح عن عدم رضا القيادة السياسية، ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أداء شوقي خلال الفترة الماضية، وفشله في إدارة نظام الامتحانات المطور.

وبحسب مصادر في مجلس الوزراء المصري، فإنّ هذه المواجهة مع شوقي كانت مؤجلة منذ إدلائه بتصريحات للجنة التعليم في مجلس النواب عن مشاكل التمويل التي تعوق نجاح مشروع الدراسة والامتحانات عبر "التابلت". وكشفت عن أنّ هناك عبارة نقلت على لسان شوقي للسيسي أغضبته بشدة، كما أثارت حفيظة مدير الاستخبارات العامة، اللواء عباس كامل، بشكل شخصي، وهي "الجهات السيادية هي اللي عملت كده، حاسبوها مش تحاسبوني"، وذلك في معرض توضيحه للنواب أنّ تلك الجهات هي المسؤولة عن تحديد أوجه الإنفاق وإدارة التمويل الخاص بتأمين الامتحانات والمطابع منذ عامين، بتكليف مباشر من السيسي.

وأضافت المصادر أنّ شوقي، الذي يتميّز بحسن عرضه للبيانات في الاجتماعات الحكومية، ويحظى باحترام من السيسي وباقي المسؤولين بسبب خبرته العلمية الواسعة قياساً بباقي الوزراء وقدرته على الإقناع المنطقي، ردّد لرئيس الحكومة خلال اجتماع الثلاثاء معلومات مغايرة لما يشعر به المصريون جراء فشل نظام الامتحانات الجديد، إذ زعم أن "أغلبية كاسحة من الطلاب تتجاوز 95 في المائة استطاعت الدخول على النظام الإلكتروني واستخدامه". في المقابل، تشير المعلومات الواردة من غرف العمليات المركزية في المحافظات المختلفة، إلى أنّ معظم المحافظين في الصعيد والوجه البحري قرروا تجاوز الوزير، والعودة إلى نظام الامتحان الورقي حتى لا تصاب عملية إجراء الامتحانات بالشلل، لا سيما أنّ امتحانات هذا الصف تجري للمرة الأولى على المستوى القومي وعلى فترتين متتاليتين بالمدارس؛ صباحية ومسائية.

وذكرت المصادر أنّ المؤشرات تتجه إلى أن إدارة الامتحانات الحالية أو امتحانات الثانوية العامة المقبلة، ستكون المهمة الأخيرة لطارق شوقي، على الرغم من أنّ بعض الشخصيات الداعمة له تحاول ثني السيسي عن الإطاحة به، انتظاراً لتقييم التجربة بالكامل، وكذلك بحجة أن المشكلة الرئيسية التي تعرقل خطط شوقي التي كان السيسي يدعمها بشدة، هي ضعف تمويل الاحتياجات التقنية، وضعف الخبرة الفنية للقائمين على التعامل مع النظام الجديد بالمديريات التعليمية المختلفة. وهي حجة تبدو في الواقع تبريراً للفشل، نظراً لأن شوقي كان قد تعهّد للسيسي بإنجاح التجربة في ظلّ الظروف الحالية للموازنة والبيئة التقنية.

وما زالت وسائل الإعلام الموالية للنظام تمتنع عن نشر اسم وصورة شوقي، كعقاب له على تصريحاته في مجلس النواب، بينما تنشر أسماء مساعدي الوزير ومسؤولي وزارة التعليم الآخرين، في مفارقة تكشف التحول الكبير الذي أصاب علاقة السيسي بشوقي بعدما كان أحد الوزراء المفضلين بالنسبة له. وترجح المصادر الحكومية أنّ "حساب شوقي سيكون عسيراً كذلك لتسببه في خروج تظاهرات الطلاب العفوية الثلاثاء، والتي لم يستطع النظام أمام انتشارها وعدم تنظيمها، الزعم في وسائل إعلامه بأنها منظمة من قبل "الإخوان" مثلاً، كما كان يحدث من قبل في التظاهرات المحدودة التي شهدها محيط وزارة التعليم في امتحانات التابلت التجريبية، واحتجاجات المعلمين على سوء تدريبهم على النظام التعليمي الجديد.

وإذا كان النظام التعليمي واحتمال الإطاحة بطارق شوقي الذي شغل البيوت المصرية طويلاً منذ تعيينه وزيراً في فبراير/شباط 2017، هو العنوان الأبرز لتكهنات التعديل الحكومي المرتقب، فإنّ الوزارات الأخرى تزخر بالشائعات والمعلومات المتداولة عن رحيل البعض وبقاء آخرين، بسبب غضب السيسي من أداء معظم الوزراء وإبداء استيائه من ذلك أكثر من مرة، علناً أو أمام مسؤولين مقربين منه.

وتحدّثت المصادر الحكومية عن ترجيح رحيل وزير التنمية المحلية محمود شعراوي، الذي كان قبل اختياره وزيراً في يونيو/حزيران 2018، قد أقيل من رئاسة جهاز الأمن الوطني على خلفية الفشل الذريع في التعامل مع العملية الإرهابية بمنطقة الواحات في أكتوبر/تشرين الأول عام 2017، وسوء التنسيق مع الجيش. وهي العملية نفسها التي أطاح السيسي على إثرها بأقرب مسؤول مصري له، وهو صهره وصديقه القديم، الفريق محمود حجازي، رئيس أركان الجيش السابق.

كما ترجّح المصادر أن تشمل التغييرات حقيبة سيادية واحدة على الأقل، والوزيران السياديان المرشحان للرحيل هما محمد معيط للمالية، وحسام عبد الرحيم للعدل. فالأول ثارت تكهنات برحيله نتيجة مشاكل في إعداد الموازنة العامة الجديدة وإبدائه معارضة لبعض توجهات السيسي أثناء التفاوض مع صندوق النقد الدولي، علماً بأنه امتنع لفترة عن إصدار بيانات صحافية باسمه أخيراً. أمّا الثاني، فرغم ما قدّمه للنظام من خدمات للسيطرة على القضاة، تبرز شائعات حول سوء حالته الصحية (يبلغ من العمر 74 عاماً)، وأنّ السيسي يرغب في الاعتماد على وزير للعدل أكثر قدرة ونشاطاً. وترددت في الهيئات القضائية أسماء جديدة لخلافة عبد الرحيم، لعلّ أبرزها النائب العام الحالي نبيل صادق (65 عاماً) والذي سيترك منصبه بحكم الدستور في سبتمبر/أيلول المقبل، بعدما قضى فيه 4 سنوات، فيما يبدو تعيينه وزيراً للعدل مكافأة مناسبة لنهاية مشواره القضائي، بدلاً من عودته قاضياً بمحكمة النقض.

وإلى جانب هؤلاء، تبدو وزيرة الصحة هالة زايد الأقرب للرحيل بسبب تصريحاتها الأخيرة في البرلمان، عن عجزها عن تطبيق قانون التأمين الصحي الجديد بسبب ضعف التمويل وسوء تخطيط الموازنة العامة للدولة. وهي التصريحات التي أثارت حفيظة السيسي وأصدر بعدها تعليمات بعدم نشر أي تصريحات لزايد بشكل خاص، وللوزراء بشكل عام، في كل وسائل الإعلام، علماً بأنها ألغت في الأسبوعين الماضيين عدداً من أنشطتها التي كانت تجريها بشكل يومي تحسباً للإقالة.

وكان آخر تعديل حكومي في مصر قد أجري في يونيو/حزيران 2018، وتضمّن تعيين مدبولي رئيساً للوزراء، واختيار وزراء جدد للداخلية والدفاع والمالية والصحة والبيئة والتنمية المحلية وقطاع الأعمال والاتصالات والصناعة والطيران والشباب. وفي فبراير/ شباط الماضي، تمّ تعيين وزير جديد للإسكان بدلاً من مدبولي الذي كان محتفظاً بهذه الحقيبة طوال ثمانية أشهر.

المساهمون