أثار حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن استخدام "القوة الغاشمة" في الردّ على مجزرة مسجد الروضة التي أودت بحياة 309 مصريين وإصابة العشرات، يوم الجمعة الماضي، حالة من القلق في أوساط أهالي سيناء من أن يدفعوا فاتورة الانتقام. وتجدّد القلق أمس الأربعاء، مع دعوة السيسي رئيس أركان القوات المسلحة، الفريق محمد فريد حجازي، لـ"استعادة الأمن والاستقرار في سيناء خلال 3 أشهر". وتوجّه السيسي، في كلمته باحتفال مصر بذكرى المولد النبوي الشريف، الذي أقامته وزارة الأوقاف بقاعة مؤتمرات الأزهر، لحجازي، قائلاً: "أنت مسؤول خلال 3 أشهر عن استعادة الأمن والاستقرار في سيناء، بالتعاون مع وزارة الداخلية".
وكان السيسي قد قال في كلمة بثها التلفزيون المصري بعد ساعات من وقوع المجزرة، الأسبوع الماضي، إن "القوات المسلحة والشرطة المدنية سيثأران لشهدائنا خلال الفترة القليلة المقبلة، وسنردّ بقوة غاشمة على هؤلاء الشرذمة المتطرفين التكفيريين"، مضيفاً أن "ما يحدث في سيناء انعكاس حقيقي للجهود التي نبذلها في مواجهة الإرهاب. نحن صامدون وسنتصدى (للإرهاب) ولن يزيدنا إلا إصراراً".
وبدأ الجيش المصري حملة عسكرية واسعة النطاق، تمثلت بشنّ غارات مكثفة، وإغلاق مناطق جنوب مدن العريش والشيخ زويد ورفح. وشملت إجراءات الجيش منع دخول أي مصري لمحافظة شمال سيناء لا يحمل بطاقة المنطقة أو لديه عمل في المحافظة، ومن المتوقع وصول المزيد من الإمدادات العسكرية والآليات خلال الأيام المقبلة.
بدوره، ذكر أحد شيوخ سيناء، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ما أوصلنا لمرحلة المجازر، والقتل المعتاد يومياً، هو القوة الغاشمة التي بدأها الجيش منذ أربعة أعوام في سيناء. نحن لم نعرف هذه المشاهد الدموية إلا في عهد الرئيس السيسي". وأضاف أن "تهديد السيسي موجّه للشعب في سيناء لا للإرهابيين، وإن الدولة لو كانت تستطيع القضاء عليهم باستخدام القوة لما انتظرت وقوع مجزرة مسجد الروضة".
وأشار إلى أن "توعّد السيسي باستخدام القوة الغاشمة يزيد الأزمة ولا ينهيها، على أساس أن المعالجة الأمنية لما يجري في سيناء هو ضرب من الخيال، فالجماعات المسلحة تزداد قوةً، بينما يدفع المواطن السيناوي فاتورة الهجمات التي ينفذها تنظيم (ولاية سيناء) الموالي لتنظيم (داعش)"، مؤكداً في الوقت نفسه أن "أهالي سيناء كانوا ينتظرون قرارات تنهي أزماتهم، وتنهي اعتقال العشرات من أبنائهم، وتعيد الحياة لسيناء، بدلا من زيادة منسوب الموت الذي لا يتوقف".
من جهته، أكد جهاد سلمان، الذي فقد عدداً من أفراد عائلته، على أنه "نحن نريد الأمن والأمان وليس مزيداً من الحروب والدمار. الحل في سيناء يكمن في تحقيق مطالب السكان، واحتضان المواطنين، وإشعارهم أن الدولة تعتني بأمورهم كبقية سكان الجمهورية". وأضاف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "صحيح أننا مكلومون بفقد العشرات من أبنائنا وأهلنا في مجزرة المسجد، لكننا في الوقت نفسه لا نريد أن تفتح أبواب عزاء جديدة في سيناء بسبب ما حصل في المسجد. على الدولة المصرية أن تعيد حساباتها في التعامل مع ملف سيناء خلال المرحلة المقبلة، هذه الرسالة كتبناها بدم أبنائنا".
وشنّت قوات الأمن المصرية حملات مداهمة واسعة في مدينتي العريش وبئر العبد على مدار الأيام الماضية، اعتقلت خلالها عشرات المواطنين بشكل عشوائي وزجت بهم في السجون. وعلى الرغم من حالة الاستنفار الأمني التي فرضتها قوات الأمن في سيناء، إلا أن اعتداءات تنظيم "ولاية سيناء" ما زالت مستمرة، إثر تبنيه هجمات عدة في مدينتي العريش ورفح خلال الأيام التي تلت المجزرة. كما خاض اشتباكات على مدار يومين متتاليين خلال تصديه لأعمال الجيش المصري في تنفيذ المرحلة الثالثة من المنطقة العازلة على الحدود مع قطاع غزة. وفي نهاية المطاف، تبدو تخوفات أهالي سيناء منطقية بالنظر إلى طبيعة التعامل التي ينتهجها النظام المصري في سيناء، والتي أدت على مدار الأعوام الأربعة الماضية، إلى مقتل وإصابة واعتقال المئات من سكان سيناء.