مصر: سجلّ انتهاكات حريّة الصحافة... غير مسبوق

11 نوفمبر 2015
حسام بهجت (تويتر)
+ الخط -
البداية لم تكن أبدًا مع انتقاد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، للإعلام المصري والإعلاميين المصريين، في خطابه الأخير، في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، الذي قال فيه "مايصحش كدا"؛ بل كانت مع تهديد السيسي، للإعلامي المصري، إبراهيم عيسى، بقوله "مش هسمحلك تقول عسكر تاني"، خلال اللقاء الإعلامي الذي جمعهما في مايو/أيار 2014، أثناء فترة ترشحه للرئاسة.

على هذا المنوال، تمضي العلاقة بين الإعلام والنظام المصريين، في أعقاب الانقلاب، لا سيما بتطبيق تلك التصريحات للسيسي، مع التسريبات المنسوبة له منذ أن كان وزيرا للدفاع وقبل سيطرته على السلطة، والتي تحدث فيها عن "الأذرع الإعلامية الممتدة لمساعدة النظام في مصر الجديدة عقب الانقلاب على الإعلام".

كان السيسي حاسمًا في حديثه عن الإعلام والإعلاميين في خطابه الشهير بـ"مايصحش كدا"، حيث قال "فيه بعض الناس في الإعلام مش عارفة ولا فاهمة حاجة، حاطة ميكروفون قدامها وبتتكلم منه، إحنا مش بندوس على الزرار ونخلص، ونقول كل حاجة فيها كارثة، طيّب يعنى الإعلام ما فيهوش كوارث ولّا إيه... أنا هشتكي للشعب منكم".

تلك التصريحات الأخيرة للسيسي، هي في الأصل محاطة بهجمات شرسة استهدفت وسائل إعلامية وإعلاميين مصريين، لم تكن فريدة من نوعها، ولكنها تعد استمرارا لسلسلة هجمات مستمرة منذ نهايات 2013. حيث تضم قائمة الصحافيين المعتقلين 61 صحافيا وصحافية، بحسب توثيق "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، بينهم بهجت.

وهنا يمكن الوقوف أمام أربع هجمات متزامنة على الإعلام والإعلاميين المصريين، على مدار اليومين الماضيين فقط، بدأت في صبيحة الأحد الماضي، 8 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بواقعة القبض على رجل الأعمال المصري، ومؤسس وممول صحيفة "المصري اليوم" الخاصة، صلاح دياب، ونجله وآخرين، على خلفية اتهامات في قضايا فساد مالي، وحيازة سلاح.

اقرأ أيضاً: عكاشة شنّ هجوماً على صلاح دياب قبل تحريك قضيته

الواقعة الثانية في نفس اليوم، هي حبس الصحافي الاستقصائي والناشط الحقوقي، حسام بهجت، 4 أيام، عقب توجيه النيابة العسكرية له اتهامات بـ"نشر أخبار كاذبة من شأنها إلحاق الضرر بالصالح العام"، قبل أن يطلق سراحه، ظهر أمس الثلاثاء، بعد تنديد دولي، بلغ ذروته، بمطالبة الأمين العام للأمم المتحدة، السلطات المصرية، بإطلاق سراحه، وبعد ساعتين فقط من تعليق المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، الذي رفض تدخل بان كي مون.

الواقعة الثالثة التي تمت يوم الأحد، هي إصدار رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري "ماسبيرو"، عصام الأمير، قرارًا بإيقاف المذيعة عزة الحناوي، عن العمل بقناة "القاهرة الثالثة"، وإحالتها للتحقيق بمعرفة الشؤون القانونية في الاتحاد، بعد انتقادها في برنامجها "أخبار القاهرة"، السيسي والحكومة، على خلفيّة غرق إسكندريّة.

الواقعة الرابعة، والتي ربطها البعض بالقبض على صلاح دياب؛ وهي إيقاف مقال الكاتب الصحافي، جمال الجمل، في "المصري اليوم"، وهو ما كان يعتبره الجمل "آخر منبر يؤذن منه للحرية والمستقبل"، فيما بررت الصحيفة الواقعة باعتبارها "نقطة نظام، تعيد من خلالها الجريدة تقييم علاقاتها بالمصادر الصحافية ومؤسسات الدولة"، بحسب ما أعلنه القائم بأعمال رئيس التحرير، محمد السيد صالح.



تلك الوقائع الأربع، سبقها مباشرة، وعلى مدار أسابيع قليلة ماضية، وقائع أخرى متتالية، بدأت بمداهمة قوات الأمن المصرية، مؤسسة مدى للتنمية والإعلام، المسؤولة عن موقع "أون إسلام"، واعتقال هشام جعفر الكاتب الصحافي وعضو نقابة الصحافيين ورئيس مجلس أمناء المؤسسة وكبير خبراء المركز الإقليمي للوساطة والحوار، في 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وبعد اختفاء جعفر لعدة أيام قسريا، قررت نيابة أمن الدولة العليا المصرية، حبس هشام 15 يومًا على ذمة التحقيقات، لاتهامه بالانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون، الغرض منها تخريب مؤسسات الدولة، وتلقي رشوة دولية.

وفي اليوم التالي لاقتحام مؤسسة "مدى للتنمية"؛ اقتحمت قوات الأمن المصرية، منزل الصحافي حسام السيد، وألقت القبض عليه، وظل أيضا في حالة اختفاء قسري إلى أن تم التحقيق معه أمام نيابة أمن الدولة المصرية، يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، باتهام الانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون، من دون حضور محام عنه.

وقبل القبض على حسام السيد، كانت قوات الأمن المصرية، قد استوقفت الصحافي المصري محمود مصطفى، في مطار القاهرة، أثناء سفره إلى العاصمة البريطانية لندن، يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وظهر مصطفى في نيابة أمن الدولة في 27 من نفس الشهر مع السيد.

تلك الوقائع، تمت خلال الأسابيع القليلة الماضية فقط، على الرغم من تصريحات السيسي، خلال لقاء مصور مع قناة "سي إن إن" في 28 سبتمبر/أيلول الماضي، قال فيها نصا "مصر تشهد حرية إعلام غير مسبوقة، ولا يوجد أي ضغوط تمارس على حرية الفكر والتعبير، مفيش حد في الإعلام أو الصحافة أو التليفزيون يمكن أن يتم الحجر على رأيه، ولم يحاسب أي صحافي أو إعلامي على رأيه منذ اعتلائي السلطة في مصر".

ويعجّ أرشيف قمع الحريات والأصوات المعارضة في مصر، على مدار العامين الماضيين، بعشرات الوقائع المماثلة، وثّقها تقرير بعنوان "تلفون من جهة سيادية"، صادر عن "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، حصر وقائع مصادرة الصحف ووقف المقالات والبلاغات المقدمة ضد الصحافيين.

فمصادرة الصحف، بدأت في 6 فبراير/شباط 2014، بصدور قرار بإيقاف طباعة عدد جريدة "الوطن"، لنشرها تقريرا يتضمن معلومات حول "الذمة المالية للسيسي". كما تم وقف طباعة صحيفة الوادي في 4 مارس/آذار 2014. ومصادرة جريدة "وصلة" الصادرة عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في 14 يونيو/حزيران 2014، ومصادرة عدد جريدة صوت الأمة في 28 أغسطس/آب و2 سبتمبر/أيلول 2014، لاحتوائها على تحقيق صحافي عن فساد أحد رجال الأعمال المرتبطين بجهة سيادية.

وفي 30 سبتمبر/أيلول 2014، تمت مصادرة عدد صحيفة "المصري اليوم"، لاحتوائه على "الحلقة الثامنة من سلسلة مذكرات رجل المخابرات الراحل، رفعت جبريل الملقب بالثعلب". وفي 13 ديسمبر/كانون الأول 2014، تم تعطيل طباعة عدد جريدة "المصريون".

وفي 11 مارس/آذار 2015، أمرت جهات أمنية بإيقاف طباعة عدد من جريدة الوطن في مطابع الأهرام، بسبب تحقيق صحافي تناول امتناع 13 وزارة وجهة سيادية عن دفع الضرائب المُستحقة عليها خلال السنوات الماضية. وفي 18 مايو/أيار 2015، صادرت قوات الأمن صحيفة البيان، وألقت القبض على رئيس التحرير، واتهمته بـ"نشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام، وإلقاء الرعب بين الناس، وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة". وفي 14 أغسطس/آب 2015، قامت قوات الأمن بسحب أعداد صحيفة "صوت الأمة"، ومنع طباعة صحيفة "الصباح"، يوم 22 أغسطس/آب 2015، لتضمنها مقالًا عن محمد بدران، أحد الوجوه المقربة من السيسي، ومنع طباعة صحيفة "المصريون" في 24 أغسطس/آب 2015، بسبب اعتراضات على مقال رئيس تحريرها بعنوان "لماذا لا يتوقف السيسي عن دور المفكر الإسلامي". فضلا عن تأخير طبع مجلة "عالم الكتاب" في 15 أغسطس/آب 2015.

التقرير ذاته وثّق ثلاثة بلاغات مقدمة من وزارة الداخلية المصرية ضد ثلاث صحف مصرية. كما وثّق حالات تضييق على الكُتاب، منها: منع الكاتب فهمي هويدي من السفر في 23 مايو/أيار 2014، في مطار القاهرة"، ومنع نشر مقالات نادر الفرجاني في جريدة الأهرام، في 25 مايو/أيار 2014، ومنع مقالات بلال فضل من جريدة "الشروق" في 2 فبراير/شباط 2014. وتوقف علاء الأسواني عن كتابة مقاله في المصري اليوم، للتضامن مع فضل في 23 ديسمبر/كانون الأول 2014. وحجب صحيفة الأهرام مقالا لأسامة الغزالي حرب بعنوان "لا للبشير" في مايو/أيار 2015. ومنعت صحيفة الوطن مقالا للكاتب والأكاديمي، محمد فتحي، في 29 مايو/أيار 2014.


اقرأ أيضاً: السيسي غاضب من الإعلاميين: للإطاحة بالطاقم القديم
المساهمون