مصر: حكم قضائي يلزم الداخلية بالبحث عن المختفين قسرياً

21 اغسطس 2020
يؤكد القرار ضرورة كشف مصير المختفين قسريّاً بدل نفي وجودهم في السجون (Getty)
+ الخط -

في حكم هو الأول من نوعه، حصلت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان -منظمة مجتمع مدني مصرية- على حكم قضائي بإلزام وزارة الداخلية المصرية بالبحث والكشف عن مصير المختفين قسريًا، وعدم الاكتفاء بنفي وجودهم في مقار الاحتجاز والسجون.
ونصّ الحكم على أنه "ينبغي على المسؤولين بوزارة الداخلية الامتثال لحكم القضاء الإداري وأن تقوم بدورها المحدد دستوريا وقانونيا وتأديته على الوجه اﻷكمل، ومن أهم تلك الواجبات العلم بمكان وجود أي مواطن وإقامته ما دام حيا، وأن تقوم بما تملكه من أجهزة بالبحث والتحري عن مكان أي مواطن يختفي، وأن تحدد مكانه أو تبين مصيره، ولا يجوز لها اﻷكتفاء بذكر أن المواطن غير موجود بالسجون وإلا اختل اﻷمن والنظام في المجتمع وسادت الفوضى والاضطرابات وأضحى التزام وزارة الداخلية وواجبها في المحافظة على أرواح المواطنين ليس إلا تسجيلا في سطور ومدادًا على ورق دون أدنى فائدة ترجى منه".


ولا يزال التعذيب في مصر سياسة منهجية تستخدمها قوات الأمن لنزع الاعترافات أو للترهيب والإرشاد، أو لتصفية حسابات سياسية، ومن أجل هذا سارت مصر في اتجاه تقنين الاختفاء القسري بإصدارها قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015. وسمحت المادة 40 من هذا القانون لقوات الأمن بالقبض على الأشخاص وحبسهم لمدة تزيد عن 7 أيام قبل التحقيق، كما أتاحت المادة 41 منه أن يكون الحبس بمعزل عن العالم الخارجي، إذ نصت على أنه من حق المقبوض عليه الاتصال بمحاميه أو ذويه دون أن يخل هذا الاتصال بمصلحة الاستدلال والتحقيق، ما يعطي ذريعة لقوات الأمن لعزل المقبوض عليه عن العالم الخارجي تمامًا.
وكانت الشبكة العربية قد أقامت الدعوى رقم 14612 لسنة 74 قضائية وطالبت فيها بإلزام وزير الداخلية بالكشف عن مصير المواطن المصري عاطف محمد راسم فرج، والذي قامت قوة أمنية بالقبض عليه بتاريخ الثاني من أكتوبر/تشرين الثاني عام 2018، ورغم إبلاغ وزير الداخلية والنائب العام إلا أن مصيره ما زال مجهولا، وقد أصدرت الدائرة اﻷولى بمحكمة القضاء الإداري حكمها المشار إليه في الشق العاجل من الدعوى.
وعادة ما يظهر المختفون قسرياً بعد فترات متباينة في تسجيلات مصورة أثناء اختفائهم تحت التعذيب أو الترهيب، يدلون فيها باعترافات بارتكابهم جرائم معينة، وتظهر في كثير من الأحيان على بعضهم علامات الإجهاد وآثار التعذيب. فمثلاً المحامي الحقوقي عزت غنيم، المدير التنفيذي للتنسيقية المصرية للحقوق والحريات -منظمة مجتمع مدني مصرية-، ظهر في تسجيل دعائي لوزارة الداخلية ضمن آخرين باعتباره مسؤولا عن المحور الحقوقي بتنظيم جماعة الإخوان المسلمين الذي تعتبره الدولة تنظيما إرهابيا. وفي حالات عدة -منها غنيم- يقرر القضاء إخلاء سبيل المتهمين، بينما يتم إخفاؤهم خلال إجراءات إخلاء السبيل في أماكن غير معلومة لمدد طويلة تصل لشهرين.
وطالبت الشبكة العربية وزارة الداخلية المصرية، وسائر سلطات الدولة، باحترام القانون وقواعده كون سيادة القانون يجب أن تكون أساس الحكم في الدولة والتعامل بجدية ومسؤولية في ملف الاختفاء القسري وعدم الاكتفاء بإعلان عدم وجوده بالسجون، ثم عدم إبداء أي حراك منها لجلاء مصير المختفين.

كما طالبت مجلس النواب المصري بسن تشريع مستقل لمجابهة ظاهرة الاختفاء القسري بدلا من تجاهلها، إذ باتت ظاهرة تهدد أمن واستقرار عدد من اﻷسر المصرية، وهو ما يمثل إخلالا بالتزامات مصر الدولية.
وكانت حملة أوقفوا الاختفاء القسري، قد أصدرت تقريرها السنوي الرابع تزامنًا مع اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري في 30 أغسطس/آب 2019، والذي وثق استقبال الحملة لـ336 شخصا تعرضوا للاختفاء القسري في 22 محافظة مصرية، ليصبح إجمالي ما وثقته 1856 حالة تعرض أصحابها للاختفاء القسري منذ عكفت الحملة على توثيق حالات الاختفاء ابتداء من أغسطس/آب 2015.
وأظهر التقرير أنه خلال هذه الفترة تم استخدام الاختفاء القسري كأداة قمع سياسي بحق المعارضين السلميين للسلطة، بما في ذلك المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين والمحامين والنشطاء السياسيين، وكذلك ضد المتهمين في قضايا تتعلق بالأمن الوطني على حد سواء.


كما رصد التقرير ظهور نمط من استهداف السيدات والأطفال من محافظات مختلفة وإخفائهم قسريًا، حتى وصل عدد النساء اللاتي تعرضن للاختفاء القسري إلى 28 سيدة و8 أطفال، عادة ما يكون استهدافهم كوسيلة للضغط على المطلوبين أمنيا أو الملاحقين قضائيا من خلال استهداف عائلاتهم.


بينما ورد لمركز الشهاب لحقوق الإنسان -منظمة مجتمع مدني مصرية-  اليوم الجمعة، خبر إخفاء قسري لأربعة مواطنين من كفر الدوار، محافظة البحيرة، وذلك منذ يوم الثلاثاء 18 أغسطس/آب 2020، ولم يستدل على مكانهم حتى الآن.

وفي بيان سابق بمناسبة اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، أكد المركز اختفاء ما يقرب من 6 آلاف مواطن خلال السنوات الست الماضية.
وتثير ظاهرة الإخفاء القسري واسعة النطاق للمعتقلين من قبل وزارة الداخلية والأمن الوطني والمخابرات العسكرية مخاوف كبرى بشأن تعرض المختفين للتعذيب ونزع الاعترافات بالقوة عن جرائم تصل عقوبتها للإعدام.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، في القضية 174/2015 عسكرية، وبعد القبض على 19 شخصًا بين 28 مايو/أيار و7 يونيو /حزيران 2015، اختفى المتهمون لـ46 يومًا -تبين بعدها أنهم كانوا بمقر للمخابرات العسكرية- ثم ظهروا في تسجيل دعائي للجيش يعترفون فيه بتخطيطهم لشن هجمات على مواقع عسكرية وأفراد من الجيش والشرطة، وحكمت المحكمة على 8 منهم بالإعدام، بينما صدر الحكم بالحبس بين 15 سنة ومؤبد على باقي المتهمين. وقد ذكر أحد المحكوم عليهم بالمؤبد (عمرو محمد علي)، لمنظمة العفو الدولية، أنه خلال فترة اختفائه تعرض للتعذيب بالصعق الكهربائي والجلد، وأنه أجبر على تصوير اعترافه.