مصر: قرار من جهة مجهولة... "حرية الفكر والتعبير" عن حجب المواقع

11 يونيو 2017
(GETTY)
+ الخط -
بإضافة أربعة مواقع تابعة لشبكة "الجزيرة" الإعلامية إلى قائمة المواقع المحجوبة يصل عدد المواقع المحجوبة في مصر إلى 52. هذا ما خلص إليه تقرير مؤسسة حرية الفكر والتعبير، اليوم الأحد.


وقالت المؤسسة في تقريرها بعنوان "قرار من جهة مجهولة"، إنها رصدت خلال الفترة من 24 مايو/ أيار إلى 11 يونيو/ حزيران الجاري، حجب عدد من مواقع الويب في مصر. وقد طاول الحجب مجموعة من مواقع الصحف المصرية المُرخّص لها بالعمل في مصر.


وقد اعتمدت المؤسسة في رصدها على مجموعة من المعايير التقنية للتأكد من الحجب، إذ اعتمدت المؤسسة على أداة OONI التابعة لمشروع تور Tor Project) 2)، وهي عبارة عن مرصد وبرمجية حرة تعمل كشبكة لكشف الرقابة والمراقبة والتدخل في مرور البيانات بشبكة الإنترنت. تُتيح الأداة إجراء اختبارات للتأكد من حجب المواقع، بالإضافة إلى طيف آخر من اختبارات الشبكة. كذلك تُتيح نشر نتائج الاختبارات التي أجراها مستخدموها. وقد قامت المؤسسة بمقارنة النتائج التي حصلت عليها من خلال الأداة بنتائج الاختبارات الأخرى التي ينشرها المستخدمون من مصر.


وقامت المؤسسة باختبار إمكانية الوصول للمواقع المحجوبة عبر مجموعة مختلفة من مقدمي خدمات الإنترنت في مصر (تي إي داتا، فودافون، أورانج، اتصالات، لينك دوت نت، نور). وقد استخدمت المؤسسة متصفح تور وخدمات ومواقع بروكسي مختلفة وخدمة VPN، على الشبكات المذكورة، للتأكد من عمل المواقع من خارج مصر.


وتواصت المؤسسة مع مستخدمين، سواء بشكل مباشر أو عبر الشبكات الاجتماعية، من 6 شبكات اتصالات للتأكد من إمكانية وصولهم إلى المواقع المحجوبة. كذلك تابعنا منشورات المستخدمين، على شبكات التواصل الاجتماعي، والتي تُبلّغ عن عدم قدرتهم على الوصول لمواقع إلكترونية مُعيّنة.


وحتى صدور التقرير، أكدت المؤسسة أنه لم تصدر أي بيانات رسمية من قبل شركات الاتصالات المختلفة أو الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أو وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وبالتالي لم يتم الاعتماد على أي بيانات حكومية في تأكيد أو نفي الحجب، باستثناء بعض ما نُشر في الصحف وعلى المواقع الإلكترونية الإخبارية.


ولفت التقرير إلى أنه في بعض الأحيان اختلفت نتائج اختبار الحجب في حالة استخدام الطرق المختلفة في كتابة نطاقات المواقع المحجوبة (إضافة WWW وعدم إضافتها) أو باستخدام بروتوكول HTTPS من عدمه.


كذلك تواصلت المؤسسة مع خدمة عملاء خمس من الشركات المقدمة لخدمة الاتصالات والإنترنت في مصر؛ للسؤال عن وجود الحجب، وقد أرجعت الشركات عدم قدرة المستخدمين على الولوج للمواقع المحجوبة إلى وجود أعطال بالمواقع وليس قيامهم بحجبها. وهو ما نفته كل نتائج الاختبارات.


وبناءً على هذه المعايير، فقد رصدت المؤسسة حجب 52 موقعًا في الفترة من 24 مايو/ أيار وحتى 11 يونيو/ حزيران 2017، بالإضافة إلى حجب موقع (العربي الجديد) في نهاية سنة 2015.

وأكد التقرير أن الحجب الذي طاول بعض المواقع أثّر على المواقع الأخرى على نفس النطاق، على سبيل المثال لُوحظ أنه على خلفية حجب موقع قناة الجزيرة القطرية (الموقع العربي)  حُجبت عشرة مواقع أخرى تستخدم نطاقات فرعية من نطاق Aljazeera.net.


وبحسب التقرير، فقد لوحظ أن بعض المواقع تم رفع حجبها مؤقتاً خلال فترة الرصد، ثم عادت مرة أخرى للعمل مع شريحة واسعة من المستخدمين، ثم حُجبت مرة أخرى.


كما أن بعض المواقع المحجوبة هي مواقع تابعة لصحف حاصلة على ترخيص كجريدة دايلي نيوز إيجيبت والبورصة والمصريون، وبعضها يصدر عن شركات مسجلة بمصر كموقع مدى مصر ومصر العربية. كذلك يُلاحظ أن الدولة تعاملت بشكل طبيعي مع العديد من المواقع المحجوبة خلال فترات سابقة، على سبيل المثال كتب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مقالين نُشرا في جريدة دايلي نيوز إيجيبت، الأول في سنة 2014، والثاني في سنة 2015.


وأشار التقرير إلى أن بعض المستخدمين أبلغوا عن حجب موقع وكالة الأنباء القطرية، إلا أننا لم نستطع التأكد من ذلك، إذ إن إدارة الموقع قد أغلقته في نفس يوم البدء بحجب المواقع؛ بدعوى التعرض للاختراق.


كذلك أكد التقرير أنه في كثير من الأحيان جاءت نتائج اختبارات حجب المواقع مختلفة باختلاف الموقع واختلاف الشبكة التي يُجرى الاختبار من خلالها.


وعن قانونية الحجب في مصر، أكدت المؤسسة أن "ما حدث من حجب لمواقع مخالف للدستور المصري؛ إذ ينتهك الحجب حرية عمل وسائل الإعلام وعدم جواز وقفها أو مصادرة أعمالها، وحق الجمهور في المعرفة والوصول إلى المعلومات.


وأكدت المؤسسة أن المواقع المحجوبة في أغلبها مواقع إخبارية وهو ما يمثل اعتداء واضحاً وتقييداً لوسائل الإعلام، ويتعارض مع نص المادة 57 من الدستور، والتي تنص على: "…كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفي، وينظم القانون ذلك"، ويتعارض أيضا مع المادة 71 من الدستور "يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها فى زَمن الحرب أو التعبئة العامة".


كما أن عدم إفصاح الحكومة المصرية، حتى الآن، عن أي قرار قضائي أو إداري بحجب المواقع، سالفة الذكر، يُعتبر مخالفاً للمادة 68 من الدستور، والتي تنص على أن "المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمداً"، بحسب البيان.


أما عن الاحتمالات القانونية التي ربما استند إليها قرار الحكومة، إن وُجد، بحجب 52 موقعًا، فتوقعت المؤسسة أن يتم بموجب قانون مكافحة الإرهاب، لما له من طبيعة خاصة كونه يحمل صورا واسعة للتجريم وصلاحيات كبيرة ومتنوعة لمواجهة بعض الجرائم، ومنها ما يتعلق بإغلاق المواقع على شبكة الإنترنت.


أو بموجب قانون الطوارئ، بعد إعلان حالة الطوارئ، يوم 9 أبريل/ نيسان 2017، في جميع أنحاء الجمهورية لمدة ثلاثة أشهر بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة الحكومة المصرية، وعودة العمل بالقانون رقم 162 لسنة  1958 المعروف بقانون الطوارئ وينص القانون في المادة رقم 3 على: "لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يتخذ بأمر كتابي أو شفوي التدابير الآتية: وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور في أماكن أو أوقات معينة وكذلك تكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال. الأمر بمراقبة الرسائل أيا كان نوعها ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكل وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها". ما يعني أن إعلان حالة الطوارئ هو بمثابة تعطيل للضمانات الدستورية المتعلقة بالعديد من الحريات، فنص المادة ينصرف إلى كل وسائل التعبير والدعاية والإعلان، ما يفتح الباب أمام إمكانية حجب المواقع.


وجدير بالذكر أن صدور القرار استنادا إلى هذه المادة يثير إشكالية، فنصها يسمح بهذا الأمر شفاهة وهو ما يعني أن هناك صعوبة للتيقن من صدورقرار بهذا الأمر حتى يمكن الطعن عليه أمام محكمة القضاء الإداري بوصفه قراراً إدارياً.


كما أنه قانون تنظيم الاتصالات، يُعطي صلاحيات واسعة للحكومة المصرية للتحكّم بشبكات الاتصالات في مصر، والتي تصل إلى إخضاع إدارة شبكات الاتصال بشكل كامل دون الحاجة إلى إذن قضائي، إذ تنص المادة 67 من قانون تنظيم الاتصالات على أن "للسلطات المختصة في الدولة أن تخضع لإدارتها جميع خدمات وشبكات اتصالات أي مشغل أو مقدم خدمة وأن تستدعي العاملين لديه القائمين على تشغيل وصيانة تلك الخدمات والشبكات، وذلك في حالة حدوث كارثة طبيعية أو بيئية أو في الحالات التي تعلن فيها التعبئة العامة، طبقاً لأحكام القانون رقم (87) لسنة 1960 المشار إليه وأية حالات أخرى تتعلق بالأمن القومي"، وقد استُخدمت هذه المادة لقطع خدمات الاتصالات والإنترنت أثناء الثورة المصرية في يناير 2011، ومن الوارد استخدامها لمنع الوصول إلى بعض الخدمات والمواقع في الفترة الأخيرة.


وأوصت المؤسسة أنه "على الحكومة المصرية أن تحترم حرية الرأي والتعبير وأن توقف قرار حجب المواقع الصحافية والإعلامية التي حُجبت، وأن تتوقف عن استخدام النصوص القانونية غير المتناسبة مع الدستور في تقييد حرية التعبير وحرية تداول المعلومات".


وطالبت المؤسسة الحكومة المصرية بالإفصاح عن قرار الحجب أو النيابة العامة إذا كان القرار صادراً بناء على تحقيقاتها، فضلا عن مطالبتها بإفصاح شركات الاتصالات التي تزود المستخدمين بخدمة الإنترنت عن أسباب حجب المواقع والالتزام بمسؤوليتها تجاه عملائها. وقالت المؤسسة إنه على نقابة الصحافيين والمجلس الأعلى للإعلام أن يقوما بدورهما في مواجهة الاعتداء على حرية الصحافة وحماية حق الجمهور في المعرفة.

المساهمون