"غودزيلا ناقص واحد": فيلمٌ ضعيف تقنياً ومُربح تجارياً

19 يوليو 2024
تاكاشي يامازاكي حاملاً مجسّماً صغيراً لغودزيلا (كيفن مازور/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **"غودزيلا ناقص واحد" (2023) لتاكاشي يامازاكي يستعرض لقاء غريبين في زمن الحرب والجوع في اليابان 1945، حيث يحاولان بناء علاقة في ظروف صعبة، ويطرح تساؤلات حول تحرر اليابان من قيم الساموراي الحربية.

- **الفيلم يعرض تأثير التسمم الإشعاعي الناتج عن تفجير قنبلة هيروشيما، مما يمنح حكاية غودزيلا آنية وحيوية، ويثير النقاش حول كيفية بدء الحياة مجدداً بعد حرب مدمرة.

- **رغم الفكرة الجيدة والبُعد البصري القوي، إلا أن التنفيذ متسرع وميزانية الفيلم ضعيفة، مما يجعله ضعيفاً تقنياً مقارنة بأفلام الـ"سوبر هيرو" الأمريكية، لكنه يبقى شاهداً على عصره.

غريبان يلتقيان في زمن الحرب والجوع في يابان 1945. لا يجمعهما شيء. يحاولان بناء علاقة سليمة في ظروف صعبة تزداد سوءاً، فأشباح الحرب لم تنقرض. يكتشفان من ماضيهما أنّ بينهما مشتركاً كبيراً: البؤس والغربة. بَصَمَت الحرب السابقة حياتهما إلى الأبد. هذا في "غودزيلا ناقص واحد" (2023) لتاكاشي يامازاكي.

"أين أمي؟". يتلقّى الرجل السؤال كصفعة. لا جواب للطفلة. من لا يفرح بما لديه يخسره. لذا، ينشأ تأنيب الضمير. يجلس الربّان الـ"كاميكاز" قبالة البحر ليرتاح، فيخرج الخطر أمامه. ينتظر اليابانيون سقوط قنابل أميركية، فيصعد غودزيلا من البحر.

هكذا تطوّر الحدث من التربة التي تقف عليها الشخصية. يشعر المتلقّي بتماسك الحكي زمكانياً. يتّصف السرد الحديث بتركيب من أنويات عدّة. "غودزيلا" نوع هجين بثلاثة أبعاد، يمتزج فيه التاريخي بالعلمي والعجائبي. تاريخياً، وُضعت الحكاية منذ البداية في حقبةٍ تفرض تفسير أسطورة غودزيلا في ضوء واقع تاريخي سياسي. هذا فيلمٌ لتعليم التاريخ المأساوي لليابان، من مدخل الـ"سوبر هيرو" المشوّق. هل يمكن أنْ تتحرّر اليابان من قِيَم الساموراي الحربية، بينما بحر الصين يغلي عام 2024؟

علمياً، يمنح استمرار تأثير التسمّم الإشعاعي، المترتّب عن تفجير قنبلة هيروشيما الذرّية، آنيّةً وحيوية لحكاية غودزيلا. عجائبياً، طفت تبعات التفجير النووي على شكل غول صناعي: أيقظ الانفجار أسماك الأعماق المختلفة. هذا موضوع يغري المُشاهدين.

"غودزيلا" عجائبيّ ومشحون بطاقة تخييلية متولّدة من سياق تاريخي، تُجسّم كوابيس الماضي. تسبّبت التفجيرات في تشكّل كائن عجيب من تفاعلات كيميائية. يخرج غودزيلا من البحر احتراماً لسُنَن متخيّل كوني يعتبر أنّ "البحر أم الكائنات الحية كلّها" (هرمن كلاتش، "النشوء والارتقاء"، ترجمة عصام الدين حنفي ناصف، "الوراق للنشر"، بغداد، 2015، ص 32).

وحشٌ ينفِّذ مهمة، ويعود إلى قاع البحر، ويتعافى من كلّ عنف، كغولٍ تنبت له رؤوس جديدة كلّما قُطع له رأس. يرى المشاهدون الفيزياء الحديثة في مواجهة قوى مجهولة. اليابان منزوعة السلاح تواجه غولاً. لا بدائل لديها. صار النقاش حول مشاركة اليابان في الحرب العالمية الثانية نقداً ذاتياً للبلد. كيف يبدأ بلد ما الحياة مجدّداً بعد حرب مُدمّرة؟ كيف يمكن التخلّص من كائن أسطوري يهجم على طوكيو، ويحطّم المباني العملاقة التي تُشكّل هوية المدن، ويتسابق السياح لالتقاط صُور فيها؟ هذا خطر داهم، لا يمكن للتكنولوجيا الحديثة إيقافه.

في الفيلم نصف ساعة توثيق لمخلّفات الحرب، و90 دقيقة تخييل، تكشف تمظهرات الفزع من الحرب وردّ الفعل المقاوم. يبدو أنّ وحش غودزيلا في اليابان قضية دولة وشعب. ظهر الفيلم الأول منذ 70 سنة، زمن الحرب الباردة. تناول تحدّيات كيفية مواجهة اليابان غودزيلا، مع أنّها مهزومة ومنزوعة السلاح. كلّ استخدام للسلاح سيُفسَّر من الاتحاد السوفييتي كإعلان حرب.

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

الفكرة جيّدة، وبُعدها البصري قوي. لكنّ التنفيذ متسرّع مقارنة مع "حرب العوالم" (2005) لستيفن سبيلبيرغ. تملك اليابان تاريخاً عريقاً في رسوم الـ"مانغا" وقتال الساموراي. لكنْ، لميزانية الإنتاج أثرها على جودة الأفلام.

ميزانية "غودزيلا" ضعيفة. الممثلون ذوو مواهب متواضعة. لا يخفي هذا التقييم الفني الحقيقة التالية: هذا فيلم ضعيف تقنياً، مقارنةً بأفلام الـ"سوبر هيرو" الأميركية. لكنّ هذا "العمل الفني شاهد على عصره" (جورج لوكاش). غودزيلا بطلٌ خارق طويل العمر، لا يشيخ. الدليل: هذا فيلم تجاري، له مشاهدون ينتظرونه دائماً، كأنّه سلسلة. يصدر فيلم عن غودزيلا كلّ سنتين تقريباً، منذ 1954، لأنّ الشركة المنتجة واثقة من الربح، لا من العبقرية الفنية للمخرجين. صار الفيلم الأول نموذجاً تجري محاكاته. عام 2024، يُعرض فيلمان عن غودزيلا في الصالات العالمية: "غودزيلا ناقص واحد" وGodzilla x Kong: The New Empire، لآدم وينغِرد، عن صراع غودزيلا مع كينغ كونغ. يبدو أنّ المنتجين وقعوا على عرق الذهب، لإنتاجهم أفلاماً جديدة عن غودزيلا، فالربح مضمون.

لعرق الذهب هذا جذر تاريخي. بالنسبة إلى مجتمع الساموراي، البطولة حرب. الشرف أنْ تموت في الحرب. هذا براديغم الحرب اليابانية. كلّ شخص عاد من الحرب حيّاً جبانٌ، يتعرّض للتشكيك بشرفه. بسبب انسحاب ونزول بطولي مشكوك به، تعرّض الربان الـ"كاميكاز" للعار. يُغيّر الفيلم الجديد هذا البراديغم المميت. يتحرّك غودزيلا، فتصعد أسماك من القاع إلى سطح البحر. يطفو ماضي اليابان على شاطئ طوكيو. يقصده الطيار واثقاً من النصر والبقاء حيّاً. تمّ تغيير براديغم الحرب اليابانية.

كائن وحيد يحتلّ الشاشة. إنسان ووحش، وجهاً لوجه. تُسحِر الجاذبية البصرية للمواجهة بين المتناهي الصغر والمتناهي الكبر. غودزيلا في البحر شكل محدّد واضح، وبعيد عن الزحام، يحيط به فراغ لانهائي. من سينتصر؟ يقول منطق الحرب، بحسب كلاوزفيتز: "ألق بخصمك أرضاً قبل التحدّث معه" ("عن الحرب"، ترجمة سليم شاكر الإمامي، "المؤسّسة العربية للدراسات والنشر"، بيروت، الطبعة الأولى، 1997، ص 103). طبعاً، عندما تلقي خصمك أرضاً، ينتهي الكلام. لا ضرورة للمفاوضات. تمّ الانتقال من "قاتل لتموت وتحصل على الشرف" إلى "قاتل لتنتصر وتبقى حيّاً".

الحياة أولاً: هذه ثورة ذهنية في منطق شعب الساموراي.

المساهمون