مصر تتنفس تحت الماء... وتُغرق المواطن والاقتصاد

08 ديسمبر 2014
أزمة الطرقات تلف جميع المناطق(خالد الدسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
شللٌ مُروري يضرب شوارع القاهرة طوالِ يومين، إثر هطول كثيف ‏للمطر. خبر عادي واعتيادي بالنسبة لسكان العاصمة، وخبر يشي بفاجعة بالنسبة لسكان القرى المصرية، الذين تفتقر طرقاتهم إلى الحد الأدنى من المعايير المطلوبة. ومع كل "شتوة"، لا يتذكر المصريون سوى أغنية العندليب عبد الحليم حافظ: "إني أتنفس تحت الماء، إني أغرق أغرق أغرق". ولا ينحصر غرق المصريين ببحيرات المياه في الطرقات التي يعاني 75% منها من مشكلات تستلزم صيانة عاجلة، وإنما يمتد إلى غرق اقتصادي. والنوع الأخير من الغرق ناتج عن نفقات الحكومة على شفط المياه من الطرقات، بدلاً من وضع معايير للمقاولين تلزمهم بإنشاء مصارف للمياه. 

بحيرات في الشوارع
إذ تجد في شوارع مصر الكثير من الحفر، التي تتحول حين هطول المطر إلى بحيراتِ فعلية. أطنان من الطينِ تفترش ‏الطرقات، أحذية المارة تكتسي بطبقةٍ من هذا الطين. كُل ذلك قد يكون ‏هيناً أمام انهيار البيوت القديمة في العشوائيات والأحياء الشعبية. ‏
وقد كان بيت مكون من ثلاثة أدوار في شارع نعمان الأعصر في مدينة المحلة الكبرى، بطل المشهد هذه المرة. فقد انهار المنزل مع هطول ‏المطر وشدة الرياح الناتجة عن سوء الأحوال الجوية في 22 نوفمبر/تشرين الثاني ‏الماضي.‏
‏"ساعتان كاملتان استغرقت رحلتي في قطع طريق صغير"، هذا ما يقوله الموظف محمد أحمد عن المعاناة التي يواجهها حين يهطل المطر خلال توجهه إلى العمل. ويضيف أن "الزحام سمة طبيعية في الطريق من مكان سكني في الهرم ‏إلى مقر عملي في الدقي، أما حُفرات المياه فتحوّل الزحام إلى شللٍ ‏مروري تام".‏
أما المحامية جنى حسن، فقد آثرت السلامة وفضلت البقاء في المنزل بدلاً من ‏الذهاب إلى عملها في "الشتوة" الأخيرة، وتؤكد أن "الغريب في الأمر هو تكرار ذات الموقف سنوياً بنفس ‏ملامحه. شوارع غارقة في المياه، أطنان من الطين، تكدُّس مروري وحوادث ‏مروعة. وفي المقابل ثبات سياسة الحكومة القائمة على الإهمال وعدم تجهيز ‏الطرق لتفادي هذه المأساة".‏
إذ تكتفي الحكومة كل مرة، بارسال ‏سيارات شفطّ المياه من الشوارع، لتُكبد ميزانية الدولة مصروفات يمكن ‏تفاديها في حالة بناء شوارع مُصممة طبقاً للمعايير الحديثة التي تمكنها من ‏تصريف المياه عبر شبكات مخصصة لذلك الغرض.‏
فقد بلغت مصروفات شفطّ حصيلة يوم واحد من المطر 90 ألف دولار، فما ‏بالنا بحجم المصروفات التي تتكبدها الدولة حين يطول هطول ‏المطر لعدة أيام؟ ‏
يؤكد رئيس مجلس إدارة البيت الاستشاري لتخطيط ‏النقل وهندسة المرور، الدكتور خالد عبد العظيم، أن شبكة البنية التحتية في مصر تحتاج إلى إعادة ‏هيكلة شاملة. ويلفت لـ"العربي الجديد" أنه ينبغي أن تنطلق خطة ترتكز على تقييم ‏حالة الطرق والجسور لتحديد أي منها يحتاج إلى صيانة عاجلة. ‏كذلك، يجب، وفق عبد العظيم، التدقيق في خطة إطلاق الحكومة شبكة ‏طرق جديدة بطول 4 آلاف كيلومتر خلال 4 سنوات. ويعتبر أن ارتفاع عجز الموازنة يفرض على الحكومة وضع خطة مُحكمة تقوم على تجهيز الطرق بشبكات مخصصة لصرف مياه ‏المطر.‏
فيما يشير استشاري تمويل مشروعات البنية التحتية، الدكتور نادر إبراهيم، ‏إلى أن الشلل المُروري الناتج عن هطول المطر يسبب توقف عربات ‏نقل الخضروات خشية من الحوادث. ما يؤدي بدوره إلى قلة المعروض في ‏الأسواق وارتفاع الأسعار سريعاً.‏ ويضيف إبراهيم أن موازنة الدولة مُرهَقة، ولن تستطيع تحمل تكاليف تطوير ‏شبكة البنية التحتية بمُفردها، إذ تحتاج إلى عشرات المليارات من الجنيهات ‏لترميمها وبناء طرق جديدة.
إلا أنه برغم التحليل، يبقى الواقع هو الأقوى. واقع يقول إن المعضلة ستستمر في ظل سيطرة الهيئة الهندسية للقوات ‏المسلحة على تنفيذ أغلب شبكات الطرق والجسور، وفق آليات لا تضع المواطن والاقتصاد كأولوية في تنفيذ أي مشروع.
دلالات
المساهمون