مصر: بلاد قتل الصحافيين... أوطاني

19 اغسطس 2014
والدة الصحافي الشهيد الحسيني أبو ضيف (فرنس برس/GETTY)
+ الخط -
أربعون شهراً أقرب إلى الجحيم. أربعون شهراً ذاق فيها الصحافيون في مصر كل أنواع الاضطهاد: من القتل، إلى التعذيب إلى الاعتقال وصولاً إلى الرقابة المباشرة وغير المباشرة على كل ما ينشرون ويكتبون ويصوّرون. لكن لعلّ نسبة موت الصحافيين خلال هذه الأشهر الاربعين هي الأعلى منذ سنوات طويلة في مصر. إذ كشف جمال عيد، مدير "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، أن أحد عشر صحافياً قتلوا في مصر منذ 28 يناير/كانون الثاني 2011، يومها، حين سقط شهيد الصحافة الأول، الصحافي في مؤسسة "الأهرام" أحمد محمود، وصولاً إلى 28 مارس/آذار 2014، حين سقطت آخر شهيدة للصحافة، الشابة ميادة أشرف.

الإفلات من العقاب

في حديث خاص لـ"العربي الجديد" يكشف جمال عيد، أن "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" تعتزم إصدار تقرير كامل خلال الشهر الحالي عن شهداء الصحافة المصرية منذ ثورة 25 يناير 2011، وحتى مذبحتي رابعة العدوية والنهضة، تحت عنوان "الافلات من العقاب". من جانبه، أصدر مرصد "صحافيون ضد التعذيب" ـ مبادرة حقوقية مصرية ـ تقريراً بعنوان "في ذكرى فض اعتصام رابعة وتوابعه، ما زالت التحقيقات غامضة وحقوق الصحافيين المهدرة في مهب الريح". جاء فيه ما يلي: مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لفض اعتصام رابعة العدوية، ما زالت التحقيقات مبهمة في واقعة مقتل ثلاثة صحافيين من بين مئات الأشخاص القتلى خلال عملية فض الاعتصام التي نفذتها قوات الشرطة المصرية، بالاستعانة بقوات من الجيش المصري. لم تُوجَّه أية اتهامات من الجهات المعنية بالتحقيق لأشخاص أو جهات بشأن قتل الصحافيين الثلاثة.

وانتقد المرصد خلو تقرير لجنة تقصي الحقائق التابعة لـ"المجلس القومي لحقوق الإنسان المصري"، والذي صدر في أبريل/نيسان الماضي، من أية تفاصيل أو معلومات بشأن مقتل الصحافيين أثناء تأدية عملهم ونقل الحقيقة من داخل اعتصام رابعة العدوية. يذكر أن ثلاثة صحافيين لقوا مصرعهم في مذبحة رابعة العدوية في 14 أغسطس/آب من العام الماضي، أثناء فض قوات الشرطة والجيش المصريين، اعتصامي أنصار الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي، في ميداني رابعة العدوية والنهضة. والشهداء هم: مصور قناة "سكاي نيوز"، مايك دين، والصحافي في جريدة "الأخبار" المصرية وقناة "مصر 2"، أحمد عبد الجواد، ومصور "شبكة رصد الإخبارية"، مصعب الشامي. ومن بعدها لقيت الصحافية في جريدة "غولف نيوز" الإماراتية، حبيبة عبد العزيز مصرعها أيضاً.

يضيف المرصد "قُبض على عدد من الصحافيين أثناء تأدية مهماتهم الميدانية خلال واقعة فض الاعتصامين وتوابعهما في مختلف المحافظات، وتم إطلاق سراح غالبيتهم خلال فترات متعاقبة من دون توجيه تهم لهم، مما جعلهم في وضع أشبه بالاعتقال، من بينهم مراسل قناة الجزيرة القطرية، عبد الله الشامي، الذي ظل رهن الاحتجاز التعسفي أكثر من 300 يوم، من دون تهم أو تحقيق فعلي حتى تم الإفراج عنه بقرار مباشر من النائب العام. ومازال هناك المصور الحر، محمود عبد الشكور أبو زيد الشهير بـ(شوكان) قابعاً في ظلمات السجن من دون اتهامات حقيقية مصحوبة بأدلة أو شهادات منذ عام كامل".

وابل من الانتهاكات

وبالفعل، فمع غياب الشفافية والمحاسبة في تلك الجرائم، فُتح الباب على مصراعيه أمام وابل من الانتهاكات ضد الصحافيين بمختلف صورها من قتل واعتداء بدني ونفسي واحتجاز وتهديد ومنع "بل ووصل الأمر إلى صدور أحكام بالإدانة في قضايا متعلقة بالعمل الصحافي، مما شكّل خرقاً بالغاً للمعاهدات والمواثيق الدولية التي وقّعت عليها مصر، ولاسيما المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان. بل ويعد ذلك خرقاً للدستور نفسه الذي تم تمريره بأغلبية ساحقة في يناير/كانون الثاني الماضي، فأصبحت البلاد خلال عام واحد تمر بأسوأ فترات حرية الصحافة والتعبير منذ عقود عديدة"، بحسب تقرير المرصد. وطالب المرصد بالإفراج الفوري عن محمود أبو زيد وباقي الصحافيين المحتجزين على خلفية تهم تتناقض وطبيعة مهنة الصحافي وحتمية تواجده في مسرح الحدث مع تقديم التعويض المناسب لهم عن فترات تقييد حريتهم. وشدد المرصد على أهمية تشكيل لجنة مستقلة من نقابة الصحافيين المصرية ومنظمات المجتمع المدني، تُوفَر لها كل الصلاحيات في جمع المعلومات وتقصي الحقيقة، مما يضمن تحقيقاً محايداً وشفافاً بشأن وقائع القتل والتعدي على الصحافيين خلال الفترات الأخيرة. كما يدخل ضمن اختصاصاتها تقديم التعديلات التشريعية لكفالة حق عدم الإفلات من العقوبة لكل من ينتهك حرية الصحافة.
كذلك طالب المرصد نقابة الصحافيين المصرية بتقديم آلية محددة وواضحة لحماية الصحافيين أثناء تأدية واجباتهم ميدانيّاً وتوفير الضمانات كلها من أجل حفظ أمنهم وسلامتهم.
المساهمون