مصر: المؤسسات الدولية تكشف عجز الاقتصاد

18 سبتمبر 2016
مناخ الأعمال غير مشجع للاستثمارات الأجنبية (بيتر ماكديرميد/Getty)
+ الخط -

تواترت التوقعات المتشائمة من جانب مؤسسات المال الدولية، بشأن مسار الاقتصاد المصري الذي يجره إليه النظام منذ أكثر من ثلاث سنوات، فحتى الإجراءات التقشفية التي جرت ممارستها ضد الشعب، لم تفلح، على قسوتها، في كبح جماح مستويات عجز الموازنة أو توفير سيولة لتحفيز الإنفاق العام الذي من شأنه تعزيز معدلات النمو.
ولا تصدر التكهنات المخيفة للمؤسسات الدولية بشأن الواقع، إلا مقرونة بتحذيرات من خطورة تفاقم هشاشة الوضع المالي خلال الفترة المقبلة، وانعكاس ذلك على تصاعد حدة التوتر السياسي والاجتماعي في مصر.

ودفع تراجع الاحتياطي النقدي للبلاد، نتيجة تراجع إيرادات قناة السويس والسياحة والصادرات وتحويلات المصريين في الخارج، إلى التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار يستهدف خفض عجز الموازنة وإعادة الاستقرار لسوق الصرف، فيما تعتزم الحكومة اقتراض 9 مليارات دولار من جهات أخرى، فهل سيغير ذلك شيئا في مؤشرات الوضع الاقتصادي خلال الفترة المقبلة؟

القروض والمساعدات

وكالة "بلومبرغ" الأميركية قالت إنه بالرغم من تلقي حكومات السيسي مساعدات سابقة من الخليج، فإنها لم تحسن من وضع الاقتصاد، معتبرة أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بدد حزم المساعدات على المشروعات الكبرى المشكوك في أهميتها، والتي تشمل التوسع الضخم في قناة السويس"، مما قلل من فرص الإنفاق على البنية الأساسية الحيوية في البلاد.

وترى "بلومبرغ" أن مسؤولي صندوق النقد يقرون بأن حزمة المساعدة الجديدة لمصر هي بدرجة كبيرة أشبه بأدوات التجميل، وتمثل مساعدة ضرورية للاقتصاد في ظل ما يعانيه من تباطؤ وارتفاع لمعدلات البطالة والتضخم.



بينما اعتبرت مؤسسة، كابيتال ايكونوميكس البحثية ومقرها لندن، أن اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي فشل في تهدئة مخاوف قطاع الأعمال، مشيرة إلى أن التراجع في مؤشر مديري المشتريات في مصر خلال الشهر الماضي، يؤكد ذلك.

التضخم والفائدة

ومن ناحيتها، حذرت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني من ارتفاع معدل التضخم في البلاد، مؤكدة أن إقرار قانون ضريبة القيمة المضافة مع المناقشات الجارية حاليا حول خفض سعر الصرف سوف يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم المتصاعدة بالفعل.
في حين توقعت مؤسسة كابيتال إيكونوميكس، أن البنك المركزي المصري قد يكون مضطرا لرفع أسعار الفائدة إلى مستويات 12.25%"، بواقع 50 نقطة أساس في الاجتماع المقبل المقرر انعقاده في 22 سبتمبر/أيلول الجاري، مؤكدة أن مستويات التضخم في مصر من غير المرجح أن تشهد تحسنا في الوقت القريب، وسط توقعات بحدوث مزيد من الارتفاع على مدى الـ 12 شهرا المقبلة.

وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قد كشف أن الرقم القياسي لأسعار المستهلكين (التضخم) ارتفع خلال شهر أغسطس/آب إلى 16.4% على أساس سنوي.
واعتبرت "بلومبرغ" وصول معدل التضخم السنوي في مصر إلى 16.4% في أغسطس الماضي، يعد الأعلى مستوى منذ سبعة أعوام، مدفوعا بإضعاف العملة المحلية وارتفاع أسعار الكهرباء.
ونقلت الوكالة عن ريهام الدسوقي، كبير المحللين الاقتصاديين في بنك "أرقام كابيتال" الاستثماري في دبي قولها، إن معدل شهر أغسطس كان الأعلى منذ أن بدأت "بلومبرغ" في تعقب البيانات بداية من 2009.

وأكدت الوكالة أن سياسات السيسي كان لها دور رئيسي في الضغوط التي يعاني منها الاقتصاد المصري في الوقت الحالي، نافية أن تكون الحوادث الإرهابية التي ضربت قطاع السياحة هي وحدها المسؤولة عن مشاكل الاقتصاد.

عجز الموازنة

وعلى صعيد عجز الموازنة، توقعت مؤسسة "موديز" للتصنيف الائتماني فشل الحكومة المصرية في تحقيق مستهدف العائدات وعجز الموازنة في العام المالي الحالي؛ حيث ترى الوكالة أن مصر سوف تسجل عجزا بنسبة 12% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017، مقابل مستهدف حكومي يبلغ 9.9%.
وتشير موديز إلى أن توقعاتها للعجز تأتي في ظل صعوبات محتملة في زيادة الإيرادات الحكومية خلال العام المالي الجاري الذي تتوقع ألا يزيد فيه معدل النمو الاقتصادي على 3.5%.


وبالفعل، قال مسؤول في وزارة المالية بمصر، لـ "العربي الجديد"، إن حسابات البيان الختامي لموازنة السنة المالية 2015-2016 التي انتهت في يوليو/تموز، تكشف تراجعاً كبيراً في حجم الإيرادات العامة، عما قدرته الحكومة في مشروع الموازنة، ما أسفر عن تفاقم العجز. 
وحسب المسؤول، حصلت الحكومة إيرادات تقترب من 525.1 مليار جنيه (59 مليار دولار)، مقابل تقديرات بتحصيل نحو 622.27 مليار جنيه، ما يعني فارقا يتجاوز المائة مليار جنيه (11.26 مليار دولار) بين الرقمين الفعلي والتقديري. ومع تراجع الإيرادات، زاد عجز الموازنة في السنة المالية الماضية إلى 11.5%، مقابل عجز متوقع عند 9.8%.

وقالت موديز إن انخفاض سعر ضريبة القيمة المضافة إلى 13% وارتفاع عدد السلع والخدمات المعفاة يقلل العوائد المنتظرة من تطبيقها بنحو 12 مليار جنيه، وهو ما يعادل ثلث المبلغ الذي كانت تتوقعه الحكومة في موازنة العام الحالي.
كما توقعت وكالة "ستاندرد أند بورز" أيضا، أن يتسع العجز المالي في مصر بمعدل 4.8% من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة من 2016 إلى 2019، وضعف في إيرادات الصادرات والسياحة.

سعر الصرف

قالت مجلة فوربس إن مصر تتجه إلى مزيد من خفض قيمة الجنيه وتقليل الدعم، استجابة لشروط صندوق النقد الدولي، ونقلت المجلة عن مراقبين أن السعر الرسمي -بعد التخفيض المحتمل- يمكن أن يستقر بين 11.50 و12 جنيها للدولار على مدى العام المقبل.
بينما تعتقد مؤسسة كابيتال ايكونوميكس البحثية، أن سعر الصرف يمكن أن يهبط إلى 13.5 جنيها للدولار بحلول نهاية عام 2018.



وأشارت فوربس إلى أن ثمة ميزات وعيوبا في مثل هذا الخفض الكبير في قيمة الجنيه، فمن الناحية السلبية، سيؤدي إلى ارتفاع في التضخم أكثر مما هو عليه، حيث ستصبح الواردات أغلى، ما يضر المستهلكين الذين أعيتهم بالفعل، إجراءات كخفض الدعم وضريبة القيمة المضافة، كما أشارت إلى أن تكلفة عدم التحرك ربما تفوق ذلك.
ونقلت المجلة عن جيسون تيفي، المحلل الاقتصادي المختص بالشرق الأوسط في كابيتال ايكونوميكس، قوله إن الوضع الصعب لميزان المدفوعات المصري يعني أن من المستبعد أن يرضى المستثمرون بأي شيء أقل من خفض حاد يجعل الجنيه أقرب إلى سعر السوق السوداء، وإدخال مرونة أكبر على سعر الصرف.

ولفت تقرير لمؤسسة كابيتال إيكونوميكس، إلى أن الحكومة المصرية ستضطر لإجراء مزيد من خفض الدعم والجنيه كجزء من اتفاق صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 12 مليار دولار، وتوقع التقرير خفض قيمة الجنيه المصري 25% أمام الدولار الأميركي بنهاية العام المقبل.

التصنيف الائتماني

وعلى صعيد التصنيف الائتماني، ترى "موديز" أن صدور قانون ضريبة القيمة المضافة، خطوة مهمة لمصر من شأنها أن تدعم تصنيفها الائتماني، كما أنها ستساهم تدريجيا في زيادة عائدات الضرائب المنخفضة في مصر، بالإضافة إلى دعم جهود الحكومة في ضبط أوضاعها المالية.
وتعتقد موديز إن إقرار الضريبة سيفتح الباب أمام حصول مصر على تمويل من مصادر خارجية متعددة مثل البنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية، مؤكدة على إبقاء التصنيف لمصر عند B3 مع نظرة مستقرة.

وإلا أن الإبقاء على التصنيف الائتماني لمصر عند B3 يعكس التحديات المتمثلة في ضعف المالية العامة، وضعف السيولة الخارجية واستمرار المخاطر الأمنية على مناخ الاستثمار والأداء الاقتصادي، وفق "موديز" التي تشير إلى أن العوامل السابقة تلقي بظلالها على مناخ الاستثمار والأداء الاقتصادي لمصر.
بينما خفضت وكالة "ستاندرد أند بورز" التصنيف الائتماني السيادي طويل الأجل لمصر إلى سلبي، بعدما كان مستقرا، بسبب الصعوبات المالية التي تواجهها البلاد.

وجاء في بيان الوكالة: "النظرة السلبية تعكس تقديرنا بأن هشاشة الوضع المالي في مصر قد تتفاقم خلال 12 شهرا المقبلة. ونعتقد أن هذا يعطل تعافي اقتصاد البلاد، ويصعد التوتر السياسي والاجتماعي في البلاد".
وأبقت الوكالة على تصنيف الائتمان السيادي القصير الأجل بالعملة الأجنبية والمحلية لمصر في فئة B-.

أما وكالة "فيتش" للتصنيفات الائتمانية فاعتبرت أنه في حال توصلت مصر لاتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، فإن ذلك سينعكس إيجابيا على تصنيفها الائتماني، لكنها قالت إن البلاد ستظل تواجه عدة تحديات اقتصادية، ومنحت مصر تصنيفا ائتمانيا عند "B" مع نظرة مستقبلية مستقرة.

النمو والاستثمارات

توقعت كابيتال ايكونوميكس، استمرار ضعف النمو الاقتصادي في مصر على مدى العامين المقبلين، مع اتجاه الحكومة لتشديد السياسات المالية، وتراجع قيمة الجنيه.
وأشارت في تقرير حديث لها إلى أنه رغم ترحيب الأسواق المالية في مصر بإعلان التوصل لاتفاق بشأن الحصول على قرض من صندوق النقد، فإن قطاع الاستثمار لم يبد ترحيبا مماثلا.

وأعلن بنك الإمارات دبي الوطني، أن مؤشر مديري المشتريات الرئيسي (PMI) الخاص بمصر قد سجل هبوطاً من 48.9 نقطة في يوليو/تموز إلى 47 نقطة في أغسطس/آب الماضي، ليواصل الانكماش للشهر الحادي عشر على التوالي.
وأظهرت البيانات ارتفاع أسعار كافة المؤشرات، ما يشير إلى استمرار قوة الضغوط التضخمية في مصر، بحسب تقرير كابيتال ايكونوميكس.

وفي ذات السياق، تعتقد "بلومبرغ" أنه يجب على مصر أن تستثمر في بنية أساسية بسيطة مثل الطرق والمدارس ونظام توفير المياه، وتيسير توفير القروض البنكية للمشروعات المتوسطة والصغيرة، وكسر الاحتكارات الصناعية العسكرية في مختلف المجالات.
أما وكالة التصنيف الائتماني "فيتش"، فقالت إن تمويل قرض الصندوق الدولي لا يزال أقل من إجمالي الاحتياجات التمويلية لمصر التي تقدرها الوكالة بما يقارب عشرة مليارات دولار سنويا، "لكن من المرجح أيضا أن يحفز تقديم حزمة (تمويل) عودة بعض تدفقات استثمارات المحافظ على البلاد".مقابل عجز متوقع عند 9.8%.
وكانت الحكومة قد اتخذت إجراءات تقشفية عنيفة بحق المواطنين مع بداية السنة المالية الماضية، قالت إن غرضها خفض عجز الموازنة.



المساهمون