فشعار مراكز المدن هو: "لا حياة في هذا القطر إلا للتقدم والاشتراكية". في سورية مثلاً، لم يكن سوى يافطة تخفي حقيقة ما عاشه شعب أرياف البلد تعليماً وصحة وكهرباء، ونشراً متعمداً للتجهيل، وتسليط العصا الغليظة، الضاربة على رؤوس البشر باسم الوطنية و"الخيانة"، وخلق مزيد من التخلف والأمية.
لا يختلف خطاب عبد الفتاح السيسي الشعبوي، مستعيناً بتربية وثقافة من سبقه في إدارة مصالح الأوليغارشية عن الفقر والعوز، عن خطابات عربية أخرى معممة لشعار "اللهم أعز ولاة أمرنا"؛ باعتبار كل حق طبيعي وبسيط "نعمة" كهبة من "القائد الإله".
يغضب الديكتاتور متنمراً إذا ما اهتزت مشاريع خلق سلالة وراثية حاكمة، ويشهر عصاه الغليظة إن سقط قناعه، فيحول الأوطان إلى معتقلات كبيرة، يفتش فيها عسكره حتى عن النيّات. بالطبع الأمر ليس محصوراً بشخص السيسي، بل بمرضٍ عربي أشمل. فالاعتقالات الأخيرة في مدن مصر هي مسطرة الديكتاتورية العربية إن ضاقت ذرعاً حتى بأقرب الناس في محيط هوائها الفاسد، أو من اعتاش على فتات شعارات "محاربة الإسلام السياسي" كتعبير عن جبنٍ ظاهري وخفي.
بين صورة الديكتاتور محلياً، ودونيته أمام الغرب تملقاً وطلب شرعية وحماية، لا يستوعب الحكام المحتقرون لشعوبهم أن تلك المسطرة جُربت قبلاً في هذا العالم، ولكنها في نهاية المطاف لم تنفع. مصر اليوم، التي لا يراها الحاكم سوى قصور وسجون ونهب وتوطئة توريثية، وبحاشية طفيلية تصفق له، بدروشة دينية وثقافية، تحولها الأوليغارشية إلى نموذج واقعي، لا افتراضي، لكل معاني الانفجار، الذي هو بالمناسبة ليس استثناءً فقد مرت به شعوب أخرى غير عربية، وبالأخص حين تصير البلاد أضيق من الزنازين ومن أوهام انقلابي ظن أنه "قائد باختيار إلهي".