شهدت الفترة الأخيرة تزايداً ملحوظاً في عدد الدعاوى القضائية المقامة من بعض المؤيدين أو المحسوبين على النظام المصري ضد معارضي الانقلاب بتهمة دعم الإرهاب، تهديد الاستقرار الوطني أو الانضمام إلى جماعة محظورة.
وتخصّص محامون في تقديم مثل القضايا وملاحقة أي فرد ينشر رأيه وموقفه السياسي باتهامات مرسلة وفضفاضة، بهدف إسكات وتخويف جميع المناهضين لحكم العسكر ومساندة أجهزة الأمن في إلقاء القبض عليهم.
فخلال الأسبوع الحالي فقط، تنظر محاكم في مختلف المحافظات المصرية، في 8 دعاوى رفعها محامون مصريون ضد عدد من الدول والحركات والأحزاب السياسية الرافضة لحكم العسكر تحت زعم اشتراكهم أو دعم الإرهاب.
وتنظر محكمة الإسكندرية للأمور المستعجلة في دعوى لإدراج حركة 6 إبريل ضمن المنظمات الإرهابية، وأخرى تطالب بحظر أنشطة "تحالف دعم الشرعية" و"حماس"، وإدراجهما ضمن المنظمات الإرهابية، وتم تأجيل هذه الدعاوى إلى جلسة 10 مارس/آذار المقبل، وأرجأت المحكمة نفسها دعاوى تطالب باعتبار دولتي تركيا وقطر ضمن الدول الداعمة للإرهاب إلى جلسة 29 مارس/آذار المقبل للنطق بالحكم.
كما بدأت نيابة الإسكندرية تحقيقاتها في البلاغ المقدم من رئيس ما يُسمى ائتلاف المحامين الثوريين بالإسكندرية، الذي يطالب بمحاسبة المرشد العام لجماعة "الإخوان المسلمين"، محمد بديع، حول الجرائم التي ارتكبها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ضد المصريين في ليبيا.
وسبق أن رفض القضاء المصري دعاوى مماثلة لإدراج "الجماعة الإسلامية" و"السلفية" وحركة "حماس" في لائحة الإرهاب لعدم الاختصاص، إلا أن عدة محاكم أصدرت أحكاماً تعتبر جماعة "الإخوان المسلمين" وتنظيم "داعش" وكتائب القسام الجناح العسكري لـ "حماس" منظمات إرهابية.
واللافت أن أغلب هذه القضايا رفعها محامون على الرغم من انتماءاتهم السياسية المختلفة إلا أنهم غير معروفين، وتُعتبر هذه الدعاوى هي التي أبرزتهم في أوساط المحامين والمحاكم، فأحدهم قدّم 68 دعوى قضائية بصفته الأمين العام لـ "ائتلاف دعم صندوق تحيا مصر"، ومحامٍ آخر كان يقوم بالدور نفسه أواخر حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك ضد النشطاء السياسيين.
كما يتنافس آخرون في ملاحقة ومقاضاة غالبية قيادات جماعة "الإخوان" و"تحالف دعم الشرعية" المقبوض عليهم أو المطاردين في الداخل والخارج بديع، ونائبه خيرت الشاطر، وعصام العريان، بل إن بعضهم حرك دعاوى قضائية ضد عدد من الإعلاميين المعروف بمعارضتهم للنظام الحالي وطالب بإسقاط الجنسية عنهم.
اقرأ أيضاً: هنية: أطراف فلسطينية تزجّ بـ"القسام" في الشأن المصري
وعلّق الناشط الحقوقي هيثم أبو خليل على تكرار هذه البلاغات، معتبراً أنها "تأتي في إطار السياسة التي تتبعها السلطات الحالية بالزج بالقضاء وتوريطه في الصراعات السياسية، الأمر الذي يستوجب التدخل لوقف هذه المهزلة والتي تنال من هيبة القضاء وتحوّله إلى ما يشبه محاكم التفتيش في الضمائر والأفكار".
وأوضح أبو خليل أن "هذه البلاغات أو الملاحقات تتميز بالانتقائية في استهداف المتهمين، والدليل على ذلك بأننا لا نسمع عنها شيئاً في حالة الانتهاكات التي يقوم بها الانقلاب والمؤيدون له".
من جهته، وصف عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين في الإسكندرية أحمد محمد، مقدّمي هذه البلاغات بـ "أحد أذرع النظام للتنكيل بالمعارضين، كونها تصدر عن أشخاص معروف انتماؤهم أو تبعيتهم لجهات أمنية أو سياسية، لا تقوم بمثل هذه الخطوات إلا بتوجيهات أو خدمة لمصالحها".
واعتبر أن "هؤلاء الأشخاص لم يجدوا مكاناً لأنفسهم وسط أهل السلطة المغتصبين للحكم في مصر، فلجأوا إلى هذه المحاولات للظهور والاستعراض الإعلامي باستخدام دعاوى قضائية مكتوبة وجاهزة دائماً، لإحكام القبضة على مناهضي الانقلاب خصوصاً بعد إدخال تعديلات على القانون لتسهيل مهمتهم".
أما الناشط في حركة "طلاب ضد الانقلاب"، عادل السيد، فانتقد "استخدام حق التقاضي سياسياً في التضييق على الحريات، وتقييد حرية الرأي والتعبير بعد أن تحوّلت مهمة القضاء في عهد الانقلاب من الدفاع عن المظلومين إلى سيف مسلط على رقاب الجميع، وملاحقة أي فرد ينشر رأيه وموقفه السياسي".
وأشار إلى أن "تكرار تقديم مثل هذه القضايا ينبئ بالخطر ليس فقط على الحريات واستخدام القضاء في الخصومة السياسية، وإنما على مستقبل البلاد بالتمادي في هذه التصرفات الخاطئة ومعاقبة المنتقدين بدلاً من محاسبة المخطئين والمقصرين".
كما أعرب الناشط الحقوقي محمود رضوان، عن اندهاشه مما أسماه بـ "تسخير محامين أنفسهم في خدمة "أذى" الآخرين، لمجرد محاولتهم نيل رضا السلطات الانقلابية عليهم، لعلها تُلقي إليهم بالفتات من المنافع والمكاسب غير المشروعة، على حد قوله".
وأضاف رضوان: "الفكرة واضحة وجليّة، وهي استخدام المحاكم والملاحقات القضائية لإسكات معارضي الانقلاب العسكري ومنتقديه، فضابط أمن الدولة يتلقى من رؤسائه أمراً بتقديم بلاغ في حق شخص أو حزب أو دولة، فيقوم بدوره بتوجيه أوامره إلى محامين ارتضوا لأنفسهم دور "المحلل" في المحاماة، ليتقدموا بتلك البلاغات، لإصباغ اعتقال مؤيدي الشرعية بصبغة قانونية قضائية".
كما لاقت هذه الدعاوى إدانات من منظمات حقوقية ونشطاء، فانتقدت اللجنة التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، ما وصفته بـ "إساءة استخدام حق التقاضي في خدمة الانقلاب وأهدافه، منذ أحداث 30 يونيو 2013 بعد أن تبدلت الأوضاع وتغيرت المفاهيم".
وقالت اللجنة، في بيان، إن "الخصومة السياسية أصبحت جريمة يُعاقب عليها النظام القائم معارضيه، فيطلق العنان لأجهزته المختلفة لتنكل بهم بما يتنافى مع آدمية الإنسان وكرامته، ولم تقتصر الأمور على ذلك، بل راح يزيل تلك الفواصل بين السلطات القائمة في الدولة ويتدخل في أعمالها، ويصدر أوامره بشأنها مما أُهدرت معه كافة الضمانات المعول عليها حفاظ حقوق الأفراد وحمايتهم من العبث والجور الذي قد يطال أحدهم".