مصر: "مواجهة الإرهاب" التفاف على أزمات الداخل

17 فبراير 2015
لا يستبعد محللون استغلال السيسي الوضع لتسويق نفسه(فرانس برس)
+ الخط -

بات التدخل العسكري المصري في ليبيا أمراً واقعاً، يُغلق الباب تماماً على تحليلات استمرت أشهراً عدّة، حول رغبة النظام المصري في توجيه ضربة للمجموعات المسلحة في ليبيا، لصالح الطرف الآخر، المتمثّل بعمليّة الكرامة وحكومة عبد الله الثني ومجلس النواب المنعقد في طبرق. ولم يجد النظام صدى دولياً للتدخل عسكرياً في ليبيا، وهو أمر لم تتضح ملامحه بعد، على الرغم من مقتل 21 مصرياً على يد "داعش"، وتوجيه مصر ضربات عسكرية جويّة ضدّ معاقل للتنظيم في مدينة درنة.
وقدم "داعش" مبرراً قوياً للنظام المصري والرئيس عبد الفتاح السيسي، لتوجيه ضربات عسكرية إلى الداخل الليبي، وهو ما يراه بعضهم أشبه بحلّ ربّما يبدو "سحريّاً" لأزمات داخلية كثيرة ومآزق تتصاعد وتيرتها يوماً بعد يوم، مع غياب حلّ قريب في الأفق. وتتجسّد أبرز أزمات الداخل بالمعارضة المستمرّة للإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي عن سدة الحكم في 3 يوليو/تموز 2013، وظهور فلول الحزب الوطني المنحلّ وعودتهم للعمل العام والسياسي مرة أخرى، فضلاً عن الأزمة الأمنية الكبيرة في سيناء والإسكندرية، والأزمات المعيشية والاقتصادية والاجتماعية. وكلّها أزمات تدفع بعضهم إلى الحديث عن احتمال تأجيل الانتخابات المقررة في شهر مارس/آذار المقبل.

ويرى مراقبون أنّ تصدير فكرة مواجهة الإرهاب في ليبيا، يُعد سبباً وجيهاً لدى نظام السيسي، لوأد أي حراك بأي طريقة، بذريعة أنّ البلاد تواجه خطراً أكبر وتحتاج إلى تضافر كل الجهود. وفي هذا السياق، يقول الخبير السياسي أمجد الجباس، لـ "العربي الجديد"، إنّ "الوضع الآن مع ليبيا، بات يُنذر بتصدير الأزمات الخارجية لاحتواء أزمات داخل مصر".

ويرى أنّ "نظام السيسي يسعى للتخلّص من بعض الأزمات الداخليّة التي تواجهه جراء الأزمات الاقتصادية واتساع رقعة المعارضين له، بالبحث عن عدو خارجي لمواجهته". ويوضح أنّ "تصدير وجود عدو خارجي أمر معروف في تعامل أنظمة الدول مع الأزمات الداخليّة".

ويواجه النظام الحالي، وفق الجباس، أزمات اقتصادية كبيرة، ويمكن له، من خلال توجيه ضربات عسكرية على ليبيا، أن يخفّض من حدّة الانتقادات له"، معرباً عن اعتقاده بأنّ "نظام السيسي يبحث منذ فترة طويلة، عن مواجهات خارجية لوأد أيّ حراك وقيادة اصطفاف داخلي". ويقول إنّ "تنظيم داعش منح النظام الحالي فرصة كبيرة لتنفيذ رؤيته، التي حاول تنفيذها على مدار الأشهر القليلة الماضية، من دون أن ينجح".

ويعتبر الجباس أنّ "النظام الحالي وجد المبرّر لتوجيه ضربات عسكريّة على ليبيا لوأد الثورة، وخصوصاً أنّه معروف بدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، من دون باقي الأطراف داخل ليبيا". ولم يستبعد "وجود اتجاه إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية المقبلة، إلى وقت غير محدد، بفعل الانشغال في مواجهة الإرهاب في ليبيا".

يتفق الخبير السياسي مختار غباشي، مع الجباس، حول إمكانية تأجيل الانتخابات البرلمانية، بذريعة الحملة في ليبيا. ويقول غباشي لـ "العربي الجديد"، إنّ "الأزمة الحالية التي تمرّ بها مصر، في ظلّ عدم معرفة المسار الذي ستسلكه الأوضاع في الفترة المقبلة، تدفع باتجاه توقّف العملية السياسية في مصر حال تفاقم الأوضاع".

ويشّدد غباشي على أنّ مصر "تواجه خطراً حقيقياً لا محالة، ولكن لا بدّ ألا يكون ذلك مبررا لانتكاسة جديدة في الحريات والممارسة الديمقراطية"، لافتاً إلى أنّ "النظام الحالي سيستغلّ بلا شكّ الأحداث في ليبيا، لإعادة تسويق نفسه في الشارع المصري، لتعويض حالة تراجع التأييد للسيسي ونظامه بفعل الأزمات المتلاحقة".

وتتطلّب مواجهة تنظيم "داعش"، وفق غباشي، "تضافر الجهود"، وهو ما يصعّب من "إمكانية توجيه انتقادات للنظام الحالي بشأن الأوضاع المعيشية والاقتصادية، بسبب مواجهة مصر للإرهاب"، مضيفاً: "تحاول كل الأنظمة السياسية استغلال الأحداث الكبرى والأزمات التي تواجهها من الخارج لصالحها لا محالة".

المساهمون