الحوثيون يفرضون وصايتهم على المنظمات الدولية في اليمن

26 يوليو 2024
مسلحون حوثيون في صنعاء، 7 يونيو 2024 (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -

تستمر جماعة الحوثيين بتضييق الخناق على المنظمات الدولية في اليمن في إطار استهداف الجماعة للعمل المدني والمجتمعي، ومحاولة توظيفه لخدمة أجندتها. وكشفت وثيقة صادرة عن "المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي" التابع للحوثيين، أخيراً، عن قيود إضافية على عمل المنظمات الإنسانية في مناطق سيطرة الجماعة.

وتُطالب الوثيقة، التي تمّ توجيهها إلى ممثلي المنظمات الدولية في اليمن بتقديم المنظمات معلومات مفصلة عن هيكلها الوظيفي، بما في ذلك أسماء الموظفين ومسمياتهم الوظيفية. كما تشترط على المنظمات الدولية في اليمن الحصول على إذن مسبق من الجماعة، ممثلة بالأمانة العامة للمجلس الأعلى، قبل استكمال إجراءات توظيف أي كوادر محلية أو أجنبية بحسب احتياجات المنظمة ومتطلبات مشاريعها أو أنشطتها. وأشارت الوثيقة إلى اتفاقية موقّعة بين حكومة الحوثيين والمنظمات تتضمن قيام المنظمة بتوظيف كوادر محلية أو أجنبية بحسب احتياجاتها وأنشطتها، وذلك بالتشاور مع الحكومة ممثلة بالأمانة العامة للمجلس الأعلى والحصول مسبقاً على موافقتها.

صلاح أحمد غالب: سياسة جماعة الحوثي قائمة على الإحلال الوظيفي لعناصرها على حساب الناس الآخرين

وكانت جماعة الحوثيين قامت مطلع يونيو/حزيران الماضي باختطاف أكثر من 50 من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات المحلية والدولية، بينهم نساء، في أربع محافظات واقعة تحت سيطرتها، هي صنعاء وصعدة وعمران والحديدة. ودهمت الجماعة عبر مسلحين تابعين لها بعض منازل الموظفين، وقامت باختطافهم، كما اختطفت البعض الآخر من أماكن عملهم وفي نقاط تفتيش تابعة لها. واتهمت الجماعة المختطفين بتهم، أبرزها التخابر لصالح جهات خارجية، حيث ترافقت هذه الاختطافات مع زعم الجماعة الكشف عن خلية تجسس لصالح أميركا وإسرائيل وفقاً لما أعلنه الإعلام الأمني التابع للجماعة.

وقال الناشط الحقوقي اليمني المحامي صلاح أحمد غالب، لـ"العربي الجديد"، إن "سياسة جماعة الحوثي قائمة على الإحلال الوظيفي لعناصرها على حساب آخرين. وبدأ هذا الأمر منذ انقلاب الجماعة على الدولة في سبتمبر/أيلول 2014".

تمكين الحوثيين في المنظمات الدولية في اليمن

وأضاف غالب أن "الحوثيين يريدون الآن تمكين عناصرهم في المنظمات الدولية في اليمن بعد أن اختطفوا العشرات من العاملين في المنظمات الدولية والمحلية، ووجهوا لهم تهم العمالة والجاسوسية، فهم يريدون تمكين عناصرهم عبر الضغط بالرقابة على الهيكل الوظيفي، وهذه الإجراءات ستحد من عمل المنظمات الدولية والمحلية التي تأبى على نفسها أن تكون مطية لجماعة طائفية تتحكم بعملها ومشاريعها". وأشار غالب إلى أن "استمرار اختطاف العشرات من الموظفين العاملين في المنظمات الدولية في اليمن يُعد جريمة بحق هؤلاء الأشخاص، وبحق القوانين والعدالة والإنسانية، وجريمة بحق المجتمع الذي كان يستفيد من عمل هذه المنظمات التي تحاول أن تخفف المأساة في المجتمع اليمني، وهي المأساة التي صنعتها جماعة الحوثي بحروبها، وبتدمير الاقتصاد، ونهب المال العام، ونهب الرواتب وغيره".

من جهته، قال الصحافي صامد السامعي، لـ"العربي الجديد"، إن "جماعة الحوثيين تحاول فرض كامل سلطتها على منظمات المجتمع المدني الدولية والمحلية، وإذا كان أخذ موافقة مسبقة من الجماعة قبل استكمال إجراءات توظيف أي كوادر محلية أو أجنبية يعني شيئاً فهو يعني أنه تم ضرب العمل المدني نهائياً". وأضاف: "هذه سلطة ليس لها ميثاق، ذلك أنها تخالف الدستور والقانون بشكل فجّ، فكيف يمكن الوثوق بها بعد الممارسات القمعية والعنفية واعتقال وإخفاء العشرات من موظفي المنظمات الدولية والمحلية، وهذا هو المسمار الأخير الذي تدقه الجماعة في جسد المجتمع المدني، وهي أصلاً لا تريد مجتمعاً مدنياً ولا تريد أي صوت آخر غير صوتها".

صامد السامعي: جماعة الحوثيين تعمل على ضرب العمل المدني

واعتبر السامعي أن "الحوثيين لا يريدون أن يكون للعمل المجتمعي وللمجتمع المدني صوت ودور في مناطق سيطرتهم، لذلك طالما بقيت هذه الجماعة لن يكون هناك مستقبل للمجتمع المدني، ليس للمنظمات وحسب، بل حتى الأحزاب السياسية والفعاليات المدنية والنقابات والاتحادات". وأضاف: "من البديهيات والمسلمات أن الدول تقوم على عقد اجتماعي متمثل بالدستور والقانون اللذي تنجم عنهما مؤسسات وسيطة بين الدولة وبقية الكيانات والأفراد، أما الحوثي فهو لا يعترف بهذا العقد الاجتماعي من أساسه، ولا يحترم الدستور ولا القانون ولا يضع لهما اعتباراً، يتعامل كما لو أنه في غابة ويمتلك السلاح لقمع كل من يعارضه ويفرض ما يريده هو لذلك. على المجتمع المدني أن يستعيد مضامين النضال ضد هذه الجماعة التي لا تقبل بالآخر".

سلوك إقصائي

من جهتها، قالت الناشطة السياسية أحلام عبدالله، لـ"العربي الجديد"، إن "جماعة الحوثيين تكشف عن سلوكها الإقصائي الهادف لبسط سيطرتها على كل المؤسسات في مناطق سيطرتها، وتسخيرها لخدمة أجندتها بما فيها منظمات المجتمع المدني والمنظمات الإغاثية. وتريد الجماعة أن تبسط نفوذها على هذه المنظمات من خلال الإشراف التام على عملها وصولاً إلى اختيار العاملين فيها، وهذه مقدمة لفرض المشاريع والأنشطة عليها. وهذا السلوك امتداد للسلوك الذي تنتهجه الجماعة منذ انقلابها في تسخير مؤسسات الدولة لصالحها، وإحلال أعضاء الجماعة بديلاً عن موظفي القطاع العام".

ورأت عبدالله أن "جماعة الحوثيين من خلال التضييق على المنظمات العاملة في مناطق سيطرتها تريد القضاء على كل أشكال العمل المدني، بعد أن قضت على الأحزاب السياسية في مناطق سيطرتها، وكبّلت عمل النقابات والجمعيات، وحولتها إلى أدوات لخدمة مشروعها، وهذا الأمر خطير جداً لأن من شأنه العودة بالبلاد إلى ما قبل قيام النظام الجمهوري، من خلال القضاء على كل مكتسباته". وأشارت إلى أن "استمرار اختطاف العشرات من موظفي المنظمات الدولية في اليمن بدون محاكمة يؤكد السلوك المليشياوي لجماعة الحوثي، وهو سلوك لا يمت للدولة بصلة، فقد تم اختطاف الموظفين بدون أوامر من النيابة، وبدون تهم محددة، والقانون اليمني يجرّم ذلك".

وتابعت: "تهدف جماعة الحوثيين من خلال هذا السلوك لابتزاز المنظمات الدولية في اليمن واتهام العاملين فيها بالعمالة والتجسس لصالح قوى خارجية، بهدف إلهاء الشعب بقضايا خارجية، بحيث تتهرب الجماعة من التزاماتها الداخلية وفي مقدمتها صرف الرواتب. فهي تريد أن تقول للشعب: لا يمكنك المطالبة بحقوقك ونحن نواجه العملاء والجواسيس ومن خلفهم أميركا وإسرائيل".

المساهمون