ما زالت العلامات المرتفعة التي حصدها تلاميذ الثانوية العامة في الأردن، والتي أعلنت في 15 أغسطس/ آب الجاري، تشغل الرأي العام وتثير الشكوك، بعد حصول 78 تلميذاً على العلامة كاملة
في مخالفة للتوقعات، ارتفعت معدلات التلاميذ الناجحين في امتحان التوجيهي (الثانوية العامة) في الأردن، في الوقت الذي انخفضت فيه نسبة النجاح من 58.3 في المائة العام الماضي إلى 56.5 في المائة للعام الجاري. سجلت معدلات التلاميذ الناجحين ارتفاعاً كبيراً يعد الأول من نوعه على الإطلاق، إذ حصل آلاف التلاميذ على معدل يفوق 95 في المائة. وللتوضيح، فقد بلغ عدد الحاصلين على معدلات 100 في المائة في جميع الفروع 78 تلميذاً وتلميذة. وعلى مستوى الفرع العلمي بلغ عدد الحاصلين على 100 في المائة 71 تلميذاً وتلميذة، و99 في المائة فما فوق 912 تلميذاً وتلميذة، فيما كان عددهم العام الماضي 499، أما من حصلوا على 97 في المائة فما فوق فبلغ عددهم 4443 تلميذاً وتلميذة، فيما بلغ عددهم العام الماضي 2707، فيما بلغ عدد الحاصلين على 96 في المائة فما فوق 6329 تلميذاً وتلميذة، فيما كانوا 3974 العام الماضي، وبلغ عدد الحاصلين على 95 في المائة فما فوق 8015 تلميذاً وتلميذة، بعدما كانوا 5290 العام الماضي.
حديث الأردنيين يركز على أنّ هذه العلامات لم تظهر معدلات الذكاء والقدرات الحقيقية للتلاميذ، معتبرين أنّ هذه النتائج جاءت في محاولة وزارة التربية تجميل عملية التعليم عن بعد، ومحاولة لتجاوز ما أفرزته العلاقة غير المنسجمة بين وزارة التربية والتعليم ونقابة المعلمين الأردنيين، والتي ما زالت تشهد مزيداً من التصعيد حتى الآن، بالإضافة إلى التأثير على القبولات الجامعية وزيادة عدد المقبولين في الجامعات الخاصة.
وحول هذه النتائج، قال وزير التربية والتعليم الأردني تيسير النعيمي، في تصريحات صحافية، إنّ نتائج أيّ امتحان أو اختبار يجب أن تقرأ في سياقاتها والظروف التي رافقت العام الدراسي، مضيفاً أنّ "التوجيهي اختبار تحصيل يقيس المعارف والكفايات، وعلينا أن نعترف أنّه عبر السنوات الماضية كرّس قياساً لقدرة التلاميذ على الحفظ، وليس لما نعلنه من أهداف لنظامنا التعليمي في تنمية مهارات التفكير وحلّ المشاكل"، مشيراً إلى أنّ المعدلات المرتفعة التي حققها تلاميذ التوجيهي للعام الحالي لن تؤثر على القبولات الجامعية لجهة عدد المقبولين. ولفت النعيمي إلى أنّ طبيعة الأسئلة عامل مهم في تحديد من يصل إلى العلامة الكاملة، مشيراً إلى أنّ الأسئلة هذا العام كانت أكثر شمولية وتغطي المحتوى، كما أنّها تتيح التخمين كونها موضوعية، ما يرفع نسبة احتمال حصول التلميذ على علامة كاملة.
ومنذ لحظة إعلان النتائج، امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بتعليقات وتحليلات لهذه النتائج، تشير غالبيتها إلى نقد مرير ساخر، للنتائج ولوزارة التربية والتعليم. ويقول الخبير التربوي ذوقان عبيدات، لـ"العربي الجديد"، إنّ آراء المواطنين وتساؤلاتهم لها ما يبررها، خصوصاً أنّ وزارة التربية والتعليم خلال ما مضى من سنوات تعاملت مع امتحان التوجيهي كأسرار خطيرة تمس الأمن القومي، فلم يعرف أحد الإجراءات الفنية الخاصة بتنظيم الامتحان، وبتصحيح إجابات التلاميذ. ويضيف أنّ تعرض التلاميذ خلال العام الدراسي لنكسات شديدة من إضراب المعلمين إلى أزمة كورونا إلى ضعف التدريس عن بعد، حتم على الوزارة أن تقدم وتدير امتحاناً بشكل مقبول، مشيراً إلى أنّ نتائج الامتحان كانت معقولة لكنّها غير عقلانية، موضحاً أنّ الامتحان سهل، ومن الطبيعي أن ترتفع العلامات كثيراً، فالامتحان ونتائجه مقبولان إذا كان سهلاً، وبذلك فالنقد يوجه إلى مستوى الامتحان لا إلى مستوى النتائج. ويتابع أنّ عيوب النتائج هذا العام ليست في السهولة وارتفاع المعدلات فلم ينتبه أحد إلى زيادة نسبة الراسبين ونقص نسبة الناجحين، خصوصاً في التعليم المهني، إذ إنّ نسبة النجاح كانت نحو 30 في المائة هناك، وهو ما يعني حرمان المهنيين من الحصول على شهادة تسمح لهم بالعمل. ويوضح: "لا علاقة بين تحسن مستوى التعليم والنتائج، فالامتحان هذا العام قاس كمية قليلة جداً من المعلومات درسها التلاميذ، إذ إنّه قاس ما تعلموه خلال العام الدراسي، وهي كمية محدودة من المعلومات، فالمادة الدراسية كانت قليلة بسبب انتشار كورونا وإجراءاته وإضراب المعلمين، وكان هناك وقت طويل لمراجعة الدروس، بالإضافة إلى سهولة الامتحان نفسه. وإذا كان الامتحان يقيس ما حفظه التلاميذ ستكون هناك علامات كاملة، لكن إذا كان يقيس تفكيرهم ومهاراتهم فالأمر مختلف".
من جانبه، يقول منسق الحملة الوطنية لحقوق الطلاب "ذبحتونا" فاخر دعاس، لـ"العربي الجديد" إنّ المعدلات المرتفعة نتيجة طبيعية لآلية عقد الامتحان ونمط الأسئلة، مشيراً إلى أنّ الوزارة لم ترفع المعدلات أو تتلاعب بها، لكنّها بالتأكيد وضعت نمط أسئلة يؤدي إلى هذه النتيجة. ويؤكد دعاس أنّ من أهداف رفع المعدلات اعتبار امتحان التوجيهي ليس المعيار الوحيد للقبول الجامعي، وهو ما يتطلب إفقاد الناس الثقة بامتحان الثانوية العامة كمحدد رئيس في القبولات الجامعية. ويشدد دعاس على ضرورة عدم تجاوز التوجيهي كمعيار للقبول الجامعي، لصالح امتحانات القبول داخل الجامعات. ويقول إنّ امتحانات القبول الجامعية تعزز استقلالية الجامعات، وتفتح الباب واسعاً أمام خصخصتها وهذا أخطر ما في الملف.