أحدثت زيارة الرئيس السوداني، عمر البشير، الأسبوع الماضي، إلى أوغندا، العدو التاريخي للسودان، جدلاً كبيراً، لا سيما بعد انسحاب السفراء الغربيين من حفل تنصيب الرئيس الأوغندي، يوري موسفيني، لولاية خامسة احتجاجاً على انتقادات وجّهها الأخير للمحكمة الجنائية الدولية، في محاولة لإرضاء نظيره السوداني الذي حل ضيفاً عليه بعد نحو عشرة أعوام من المقاطعة، لا سيما أن الجنائية الدولية أصدرت في العام 2009 مذكرة توقيف بحقه، لاتهامه بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور.
الإعلام الرسمي السوداني أشار إلى أن زيارة البشير إلى كمبالا، كانت مقررة لمدة يومين لعقد سلسلة مباحثات مشتركة مع نظيره الأوغندي، حول علاقات البلدين فضلاً عن ملف دولة جنوب السودان إضافة لقضايا إقليمية تهم الدولتين. لكن قبيل سفر البشير إلى كمبالا بما يزيد عن 24 ساعة، قُلّصت الزيارة إلى ساعات بسبب تقديرات أمنية، كما تكشف مصادر حكومية، مؤكدة أن زيارة البشير إلى كمبالا خضعت لترتيبات لما يزيد عن الشهر اطمأن خلالها الجانب السوداني إلى سلامة الخطوة في حال تنفيذها، واستعرض كافة الاحتمالات الخاصة بها بعد مباحثات أمنية رفيعة بين الدولتين.
ووصل البشير إلى كمبالا باكراً وعقد مباحثات قصيرة مع نظيره الأوغندي فور وصوله، وأعقبها بمباحثات ثنائية عقب حفل التنصيب، ركزت وفق مصادر، على قضية جنوب السودان بشكل أساسي إضافة إلى ملف الحركات المسلحة السودانية التي يتخذ بعض أعضائها من كمبالا مقراً لهم، كما تتهم الخرطوم كمبالا بتقديم الدعم لهم.
ويرى مراقبون أن دولاً أوروبية أسهمت بشكل فاعل في إعادة علاقة السودان بأوغندا باعتبارها أساساً لاستقرار جنوب السودان وتخفيف حدة تأثير الدولتين في جوبا وتضارب مصالحهما، ما جعل الدول الغربية تعمد إلى تنظيم اللقاءات المتبادلة بين رئيسي الدولتين، إذ زار موسفيني الخرطوم، العام الماضي، ومنح الرئيس الأوغندي الضوء الأخضر لاستقبال البشير من دون أن يواجه الأخير أي إجراء ضده باعتبار أن أوغندا وقّعت على ميثاق الجنائية الدولية، الأمر الذي يجعلها ملزمة بتسليم البشير إلى لاهاي.
ويرى مراقبون في انسحاب السفراء الغربيين من احتفال التنصيب الرئاسي لموسفيني، مجرد احتجاج على تجاوزات الأخير بانتقاد المحكمة الجنائية في حضورهم باعتبار أنهم يقفون خلفها، بينما يشكّل وجودهم في الاحتفال تأكيداً على مباركة زيارة البشير لكمبالا.
ويقول المحلل السياسي، علاء الدين بشير، إن كمبالا كانت واعية تماماً عند دعوتها البشير لما ستنتجه هذه الخطوة وعلى دراية أن ما سينتج عنها لن يتعدى التصريحات الرافضة سواء داخلياً أو خارجياً، فضلاً عن أنها لن تسهم في قطع علاقات أوغندا مع الدول الغربية باعتبار أن ميزان المصالح المادية هو الأقوى في العالم. ويرى أن "مصالح أوغندا من دعوة البشير أكبر من التزاماتها نحو المحكمة الجنائية، وبالتالي فإن موسفيني يدرك تماماً حدود السخط الغربي"، معتبراً أن زيارة البشير إلى كمبالا وانتقاد موسفيني للجنائية في حفل تنصيبه منح الرئيس السوداني دفعة كبيرة، فمجرد حضور البشير لمناسبة في دولة موقّعة على الجنائية يمثّل دفعة سياسية له، وهي خدمة سياسية كبيرة قدمها موسفيني للبشير".
اقــرأ أيضاً
وسبق أن تلقى السودان طلباً غربياً للعب دور في استقرار الأوضاع بدولة جنوب السودان، التي عانت من حرب أهلية لما يزيد عن العامين، انتهت بتوقيع الفرقاء الجنوبيين على اتفاقية سلام هشة، تواجه الآن عثرات جمّة أمام تنفيذها.
ويرى محللون أن زيارة البشير إلى كمبالا مثّلت تحوّلاً كبيراً على مستوى العلاقات بين البلدين، أملته التغييرات على المستوى الإقليمي والعالمي، وبروز أزمة القيادة في جنوب أفريقيا وطموحات موسفيني في قيادة ذلك الدور في ظل انشغال دول كجنوب أفريقيا ونيجيريا، بمشاكلها الداخلية، فضلاً عن تنافسه مع أديس أبابا لقيادة ذلك الدور.
وحاولت أوغندا، منذ فترات سابقة، مغازلة السودان عبر الالتزام بتنفيذ شروط الأخيرة بإبعاد قادة الحركات المسلحة التي تقاتل الحكومة في إقليم دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان عن أراضيها، وزادت على ذلك أن قررت تصدير النفط الذي اكتشفته أخيراً، عبر تنزانيا، على الرغم من أن كينيا كانت تمثّل خياراً مناسباً لها وفق دراسات أوغندية، لكنها فضّلت تنزانيا لقطع الطريق أمام جوبا بإنشاء خط للأنابيب عبر كينيا لتصدير نفطها بدلاً من الخرطوم، باعتبار أن خطوة كمبالا ستجعل من خط الأنابيب الكيني غير ذي جدوى اقتصادية وبالتالي تستمر جوبا في تصدير النفط عبر الخرطوم.
ويعتقد المحاضر في جامعة هارفرد الأميركية، لوكا بيونق، أن التحوّل الكبير في علاقة الخرطوم وكمبالا تقف خلفه جملة من المصالح الخاصة بالبلدين، موضحاً أن "الخرطوم تسعى، من خلال ذلك، للحد من تأثير الحركة الشعبية التي تمثّل قوة سياسية تهدد الكيان السياسي في السودان، وهي تنتظر من كمبالا دوراً مهماً للحد من توسع الحركة". ويشير بيونق إلى أن "من مصلحة كمبالا إيجاد حكومة ضعيفة في جوبا، كما أنها غير راضية من معالجة جوبا ملف السلام، ما جعلها تشعر أن جوبا لم تعد شريكاً استراتيجياً لها يمكن أن يساعدها في قضاياها الاقتصادية، ما دفعها للنظر إلى الخرطوم كبديل أفضل، خصوصاً لجهة استقرار كمبالا ومحاربة جيش الرب"، لافتاً إلى أن "الأوغنديين يعملون في التأثير على جوبا في ما يتصل بالنفط وقضية الحدود التي تؤرق الخرطوم، فضلاً عن لعب دور حول السلام في السودان، إضافة للتعاون مع الخرطوم في حل مشاكل جوبا".
ويعتبر بيونق أن زيارة البشير إلى كمبالا مثّلت أهم حدث له باعتبارها قد حملت دلالات سياسية ودبلوماسية بدءاً من الاستقبال والاحتفاء به، وانتهاء بانتقاد موسفيني للمحكمة الجنائية، "ما جعل موسفيني يمنح البشير سنداً دبلوماسياً ودولياً مثّل إنجازاً كبيراً للرئيس السوداني".
وكانت الحكومة السودانية تصنّف أوغندا ضمن قائمة الدول التي لا يسافر إليها البشير، باعتبار أنها تمثّل خطراً عليه بالنظر إلى توقيعها على اتفاقية الجنائية الدولية، إضافة إلى علاقتها مع الدول الغربية. واتسمت علاقات الخرطوم وكمبالا في الفترة السابقة بالخصومة، إذ ظلّت الخرطوم تتهم الأخيرة بدعم حركات التمرد ضدها بدءاً بالحركة الشعبية بقيادة الراحل جون قرنق، وانتهاء بالحركة الشعبية بقيادة مالك عقار، التي تقود حرباً في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، فضلاً عن الحركات المسلحة التي تقاتل في دارفور، بينما تتهم كمبالا الخرطوم بدعم "جيش الرب" ضدها.
ووفقاً لتقرير نشرته وكالة "رويترز" في مارس/آذار الماضي، فإن الرئيس السوداني سافر في 74 رحلة جوية خلال الفترة التي أعقبت صدور قرار القبض عليه من المحكمة الجنائية الدولية، زار عبرها 21 دولة منها سبع دول موقّعة على اتفاقية الجنائية.
اقــرأ أيضاً
الإعلام الرسمي السوداني أشار إلى أن زيارة البشير إلى كمبالا، كانت مقررة لمدة يومين لعقد سلسلة مباحثات مشتركة مع نظيره الأوغندي، حول علاقات البلدين فضلاً عن ملف دولة جنوب السودان إضافة لقضايا إقليمية تهم الدولتين. لكن قبيل سفر البشير إلى كمبالا بما يزيد عن 24 ساعة، قُلّصت الزيارة إلى ساعات بسبب تقديرات أمنية، كما تكشف مصادر حكومية، مؤكدة أن زيارة البشير إلى كمبالا خضعت لترتيبات لما يزيد عن الشهر اطمأن خلالها الجانب السوداني إلى سلامة الخطوة في حال تنفيذها، واستعرض كافة الاحتمالات الخاصة بها بعد مباحثات أمنية رفيعة بين الدولتين.
ويرى مراقبون أن دولاً أوروبية أسهمت بشكل فاعل في إعادة علاقة السودان بأوغندا باعتبارها أساساً لاستقرار جنوب السودان وتخفيف حدة تأثير الدولتين في جوبا وتضارب مصالحهما، ما جعل الدول الغربية تعمد إلى تنظيم اللقاءات المتبادلة بين رئيسي الدولتين، إذ زار موسفيني الخرطوم، العام الماضي، ومنح الرئيس الأوغندي الضوء الأخضر لاستقبال البشير من دون أن يواجه الأخير أي إجراء ضده باعتبار أن أوغندا وقّعت على ميثاق الجنائية الدولية، الأمر الذي يجعلها ملزمة بتسليم البشير إلى لاهاي.
ويرى مراقبون في انسحاب السفراء الغربيين من احتفال التنصيب الرئاسي لموسفيني، مجرد احتجاج على تجاوزات الأخير بانتقاد المحكمة الجنائية في حضورهم باعتبار أنهم يقفون خلفها، بينما يشكّل وجودهم في الاحتفال تأكيداً على مباركة زيارة البشير لكمبالا.
ويقول المحلل السياسي، علاء الدين بشير، إن كمبالا كانت واعية تماماً عند دعوتها البشير لما ستنتجه هذه الخطوة وعلى دراية أن ما سينتج عنها لن يتعدى التصريحات الرافضة سواء داخلياً أو خارجياً، فضلاً عن أنها لن تسهم في قطع علاقات أوغندا مع الدول الغربية باعتبار أن ميزان المصالح المادية هو الأقوى في العالم. ويرى أن "مصالح أوغندا من دعوة البشير أكبر من التزاماتها نحو المحكمة الجنائية، وبالتالي فإن موسفيني يدرك تماماً حدود السخط الغربي"، معتبراً أن زيارة البشير إلى كمبالا وانتقاد موسفيني للجنائية في حفل تنصيبه منح الرئيس السوداني دفعة كبيرة، فمجرد حضور البشير لمناسبة في دولة موقّعة على الجنائية يمثّل دفعة سياسية له، وهي خدمة سياسية كبيرة قدمها موسفيني للبشير".
وسبق أن تلقى السودان طلباً غربياً للعب دور في استقرار الأوضاع بدولة جنوب السودان، التي عانت من حرب أهلية لما يزيد عن العامين، انتهت بتوقيع الفرقاء الجنوبيين على اتفاقية سلام هشة، تواجه الآن عثرات جمّة أمام تنفيذها.
ويرى محللون أن زيارة البشير إلى كمبالا مثّلت تحوّلاً كبيراً على مستوى العلاقات بين البلدين، أملته التغييرات على المستوى الإقليمي والعالمي، وبروز أزمة القيادة في جنوب أفريقيا وطموحات موسفيني في قيادة ذلك الدور في ظل انشغال دول كجنوب أفريقيا ونيجيريا، بمشاكلها الداخلية، فضلاً عن تنافسه مع أديس أبابا لقيادة ذلك الدور.
وحاولت أوغندا، منذ فترات سابقة، مغازلة السودان عبر الالتزام بتنفيذ شروط الأخيرة بإبعاد قادة الحركات المسلحة التي تقاتل الحكومة في إقليم دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان عن أراضيها، وزادت على ذلك أن قررت تصدير النفط الذي اكتشفته أخيراً، عبر تنزانيا، على الرغم من أن كينيا كانت تمثّل خياراً مناسباً لها وفق دراسات أوغندية، لكنها فضّلت تنزانيا لقطع الطريق أمام جوبا بإنشاء خط للأنابيب عبر كينيا لتصدير نفطها بدلاً من الخرطوم، باعتبار أن خطوة كمبالا ستجعل من خط الأنابيب الكيني غير ذي جدوى اقتصادية وبالتالي تستمر جوبا في تصدير النفط عبر الخرطوم.
ويعتبر بيونق أن زيارة البشير إلى كمبالا مثّلت أهم حدث له باعتبارها قد حملت دلالات سياسية ودبلوماسية بدءاً من الاستقبال والاحتفاء به، وانتهاء بانتقاد موسفيني للمحكمة الجنائية، "ما جعل موسفيني يمنح البشير سنداً دبلوماسياً ودولياً مثّل إنجازاً كبيراً للرئيس السوداني".
وكانت الحكومة السودانية تصنّف أوغندا ضمن قائمة الدول التي لا يسافر إليها البشير، باعتبار أنها تمثّل خطراً عليه بالنظر إلى توقيعها على اتفاقية الجنائية الدولية، إضافة إلى علاقتها مع الدول الغربية. واتسمت علاقات الخرطوم وكمبالا في الفترة السابقة بالخصومة، إذ ظلّت الخرطوم تتهم الأخيرة بدعم حركات التمرد ضدها بدءاً بالحركة الشعبية بقيادة الراحل جون قرنق، وانتهاء بالحركة الشعبية بقيادة مالك عقار، التي تقود حرباً في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، فضلاً عن الحركات المسلحة التي تقاتل في دارفور، بينما تتهم كمبالا الخرطوم بدعم "جيش الرب" ضدها.
ووفقاً لتقرير نشرته وكالة "رويترز" في مارس/آذار الماضي، فإن الرئيس السوداني سافر في 74 رحلة جوية خلال الفترة التي أعقبت صدور قرار القبض عليه من المحكمة الجنائية الدولية، زار عبرها 21 دولة منها سبع دول موقّعة على اتفاقية الجنائية.