02 يونيو 2024
مصالحة موسكو والتشرذم الفلسطيني
تلقى الفلسطينيون، أخيراً، الأنباء من موسكو بشأن المصالحة الفلسطينية وآفاق حكومة الوحدة الوطنية بكثير من الشك، فقد سئموا من اجتماعاتٍ لا تُفضي إلا إلى مزيدٍ من التشرذم والفُرقة الفلسطيني، خصوصاً بين حركتي فتح وحماس اللتين أهلكتا المشروع الوطني الفلسطيني في السنوات العشر الماضية، باقتتالهما على سلطة وهمية وانتفاعات فئوية نخبوية. فلا تملك الحركتان أي رغبةٍ (أو قدرة) بالتوصل إلى اتفاق مصالحةٍ حقيقيٍّ، قابل للتطبيق، لأن الحركتين منتفعتان من الواقع الراهن، خصوصاً في ظل غياب أشكال المحاسبة الشعبية والمساءلة المحلية أو تغييبها. فلا يعقل أن يعلن أحد المجتمعين في موسكو عن التوجه للرئيس الفلسطيني خلال 48 ساعة من الاجتماع، من أجل البدء بمشاورات لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية. ولكن، تمضي الأيام وكأن شيئاً لم يكن. هذا الاستخفاف بعقول ومشاعر الفلسطينيين ومشروعهم الوطني الجامع مؤشر إضافي إلى درجة بُعد القيادات الفلسطينية عن الشعب، ولعمق فجوة التمثيل والشريعة، ولاهتراء النظام السياسي الفلسطيني الذي لا يملك أي مقومات، أو ميكانيكيات، للمحاسبة والمساءلة.
ولكن، وفي الطرف الثاني من المعادلة، ثمّة متغيرات محلية وإقليمية ودولية، دفعت طرفي الانقسام والقيادات الفلسطينية الأخرى إلى التجاوب مع الدعوات المتعددة لمحادثات المصالحة خلال الشهر المنصرم. إذ صُدمت حركة حماس بالاحتجاجات الشعبية ضد أزمة الكهرباء وإنكار الحق الإنساني الأساسي في الحصول على الكهرباء في قطاع غزة، وشعرت بتهديد على الاستقرار المدفوع أمنياً وسلطوياً، والتي تقوم به. بينما كانت حركة فتح والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية عرضة لثلاثة ضغوط، تتمثل في نية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، نقل سفارة بلاده إلى القدس، وازدياد شعبية استراتيجية الضم والتوسع بين القيادات الإسرائيلية، بالإضافة إلى الرغبة الجامحة لدى قيادات السلطة الفلسطينية باستئناف المفاوضات مع إسرائيل، خصوصاً بعد انعقاد مؤتمر باريس للسلام.
وبالتالي، وفي غمرة أزمة التمثيل والشرعية التي يعاني منها النظام السياسي الفلسطيني، وفي ظل التغيرات والتطورات الإقليمية والدولية، يشعر القادة الفلسطينيون بضرورة الاستعداد
للحقائق الجديدة التي ستنشأ في النظام العالمي الجديد، ويشعرون بضرورة اقتناص الفرص السياسية الجديدة، ومواجهة التحديات الناشئة، خصوصاً أن عملية المصالحة الفلسطينية معادلة إقليمية ودولية بامتياز. وعليه، ظهور روسيا مجدداً، وفي هذه الحالة، لاعباً جديداً في أروقة السياسة الداخلية الفلسطينية، مؤشر على التغيرات التي تجري في النظام العالمي الجديد.
ولكن، من المهم التذكير بأن إعلان موسكو للمصالحة ولحكومة الوحدة الوطنية جاء بعد اجتماعاتٍ ومشاوراتٍ مكثفة، على مدى الشهر الماضي، في الدوحة وجنيف والقاهرة وبيروت، وأخيراً موسكو، فسلسلة اللقاءات المكثفة أوصلت المجتمعين إلى "لحظة الذروة" في موسكو، إلا أن جولة المحادثات، أخيراً، كانت قد بدأت قبل موسكو. ففي الاجتماعات غير الرسمية في جنيف، في يناير/ كانون الأول من العام الماضي، والتي قادها المجتمع المدني الفلسطيني، تم التوافق على حكومة وحدة وطنية، تتكون من الصف الأول لقادة الفصائل الفلسطينية، بما فيها حركة حماس. وتم التوافق أيضاً على الطبيعة السياسية لهذه الحكومة، بدلا من الطبيعية التكنوقراطية، والتي ستعمل على تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: توحيد المؤسسات العامة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، عنوانه المواضيع العاجلة، كالقطاع الأمني الفلسطيني وأزمة الكهرباء والموظفين وإعادة إعمار غزة، والتحضير لانتخابات فلسطينية محلية وتشريعية ورئاسية، ولانتخابات منظمة التحرير الفلسطينية أيضاً.
ولكن، وفي حال المضي في إنشاء حكومة وحدة وطنية فلسطينية، عليها التغلب على عقبتين رئيسيتين في المدى المنظور: أن تنجح في امتحان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأن تواجه الضغط الدولي والإسرائيلي. فمن غير الواضح إن كان عباس يرغب في إعطاء الضوء الأخضر لحكومة وحدة وطنية، أم أنه سيصر على أن أي حكومة فلسطينية هي حكومة الرئيس تلتزم برؤيته وبرنامجه السياسي. ولكن، يتعرّض عباس لضغط متزايد، خصوصاً في مرحلة دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. كذلك أعلن مسؤول ملف المصالحة في حركة فتح، عزام الأحمد، في أكثر من مناسبة وآخرها في موسكو، عن قطع العلاقات مع اللجنة الرباعية الدولية كجسم سياسي. ومع أنه لم يذكر اشتراطات هذه الرباعية بحد ذاتها، ولكن الإشارة إلى موتها سياسياً مهمة، خصوصاً للدور المدّمر الذي لعبته في ملف المصالحة الفلسطينية.
وكذلك وعلى قدر عالٍ من الأهمية، أعلنت "حماس" في اجتماعات جنيف، أنها أنهت تحضير
ميثاق جديد للحركة، وقد تمت الموافقة عليه في كل الأطر القيادية والحزبية، وأنه سيرى النور قريباً وفي الوقت المناسب. هذا الإعلان المهم، على الرغم من غياب التفاصيل عن فحوى هذا الميثاق الجديد، إلا أنه يشكل مدخلاً جديداً للمجتمع الدولي، وفرصةً أخرى يؤمل توظيفها بحكمة.
ولكن، على الرغم من هذه التطورات، يدرك عموم الفلسطينيين تماماً أن الوحدة الحقيقية ليست قريبة، وأن جسْر الانقسام لن يتم بسرعة، وخصوصاً أن قنوات المحاسبة والمساءلة الشعبية غير متوفرة، وتطبيق الاتفاقات الجديدة معرّض لمخاطر وعقبات واجهتها كل الاتفاقات السابقة على مدى السنوات العشر الماضية. وبالتالي، فضمان وحدة حقيقيةٍ ذات معنى تقتضي إعادة بناء، بل وإعادة خلق النظام السياسي الفلسطيني وهياكله ومؤسساته. وهذا يعني، فيما يعنيه، الاتفاق على برنامج سياسي وأدوات نضالية وأهداف مرحلية، تكون تشاركية ووحدوية في طبيعتها.
وإذا ما استمرت حالة التغييب للشعب الفلسطيني في نظامه السياسي، وفي حال استمر قمع أدوات المحاسبة والمساءلة الشعبية، سيبقى الفلسطينيون يواجهون كابوس الانقسام. الطريق إلى الوحدة الفلسطينية واضحة المعالم، لكنها تتطلب إرادة سياسية وتضحيات، والسؤال الذي يبقى برسم الإجابة: متى ستصبح الإرادة الشعبية الفلسطينية أقوى من إرادات النخب السياسية ومصالحها الفئوية الضيقة؟ ومتى ستتم محاسبة قيادات حركتي فتح وحماس على كل الهلاك الذي تسببانه للمشروع الوطني الفلسطيني، وللحق الفلسطيني في الحرية والعدالة وتقرير المصير.
ولكن، وفي الطرف الثاني من المعادلة، ثمّة متغيرات محلية وإقليمية ودولية، دفعت طرفي الانقسام والقيادات الفلسطينية الأخرى إلى التجاوب مع الدعوات المتعددة لمحادثات المصالحة خلال الشهر المنصرم. إذ صُدمت حركة حماس بالاحتجاجات الشعبية ضد أزمة الكهرباء وإنكار الحق الإنساني الأساسي في الحصول على الكهرباء في قطاع غزة، وشعرت بتهديد على الاستقرار المدفوع أمنياً وسلطوياً، والتي تقوم به. بينما كانت حركة فتح والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية عرضة لثلاثة ضغوط، تتمثل في نية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، نقل سفارة بلاده إلى القدس، وازدياد شعبية استراتيجية الضم والتوسع بين القيادات الإسرائيلية، بالإضافة إلى الرغبة الجامحة لدى قيادات السلطة الفلسطينية باستئناف المفاوضات مع إسرائيل، خصوصاً بعد انعقاد مؤتمر باريس للسلام.
وبالتالي، وفي غمرة أزمة التمثيل والشرعية التي يعاني منها النظام السياسي الفلسطيني، وفي ظل التغيرات والتطورات الإقليمية والدولية، يشعر القادة الفلسطينيون بضرورة الاستعداد
ولكن، من المهم التذكير بأن إعلان موسكو للمصالحة ولحكومة الوحدة الوطنية جاء بعد اجتماعاتٍ ومشاوراتٍ مكثفة، على مدى الشهر الماضي، في الدوحة وجنيف والقاهرة وبيروت، وأخيراً موسكو، فسلسلة اللقاءات المكثفة أوصلت المجتمعين إلى "لحظة الذروة" في موسكو، إلا أن جولة المحادثات، أخيراً، كانت قد بدأت قبل موسكو. ففي الاجتماعات غير الرسمية في جنيف، في يناير/ كانون الأول من العام الماضي، والتي قادها المجتمع المدني الفلسطيني، تم التوافق على حكومة وحدة وطنية، تتكون من الصف الأول لقادة الفصائل الفلسطينية، بما فيها حركة حماس. وتم التوافق أيضاً على الطبيعة السياسية لهذه الحكومة، بدلا من الطبيعية التكنوقراطية، والتي ستعمل على تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: توحيد المؤسسات العامة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، عنوانه المواضيع العاجلة، كالقطاع الأمني الفلسطيني وأزمة الكهرباء والموظفين وإعادة إعمار غزة، والتحضير لانتخابات فلسطينية محلية وتشريعية ورئاسية، ولانتخابات منظمة التحرير الفلسطينية أيضاً.
ولكن، وفي حال المضي في إنشاء حكومة وحدة وطنية فلسطينية، عليها التغلب على عقبتين رئيسيتين في المدى المنظور: أن تنجح في امتحان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأن تواجه الضغط الدولي والإسرائيلي. فمن غير الواضح إن كان عباس يرغب في إعطاء الضوء الأخضر لحكومة وحدة وطنية، أم أنه سيصر على أن أي حكومة فلسطينية هي حكومة الرئيس تلتزم برؤيته وبرنامجه السياسي. ولكن، يتعرّض عباس لضغط متزايد، خصوصاً في مرحلة دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. كذلك أعلن مسؤول ملف المصالحة في حركة فتح، عزام الأحمد، في أكثر من مناسبة وآخرها في موسكو، عن قطع العلاقات مع اللجنة الرباعية الدولية كجسم سياسي. ومع أنه لم يذكر اشتراطات هذه الرباعية بحد ذاتها، ولكن الإشارة إلى موتها سياسياً مهمة، خصوصاً للدور المدّمر الذي لعبته في ملف المصالحة الفلسطينية.
وكذلك وعلى قدر عالٍ من الأهمية، أعلنت "حماس" في اجتماعات جنيف، أنها أنهت تحضير
ولكن، على الرغم من هذه التطورات، يدرك عموم الفلسطينيين تماماً أن الوحدة الحقيقية ليست قريبة، وأن جسْر الانقسام لن يتم بسرعة، وخصوصاً أن قنوات المحاسبة والمساءلة الشعبية غير متوفرة، وتطبيق الاتفاقات الجديدة معرّض لمخاطر وعقبات واجهتها كل الاتفاقات السابقة على مدى السنوات العشر الماضية. وبالتالي، فضمان وحدة حقيقيةٍ ذات معنى تقتضي إعادة بناء، بل وإعادة خلق النظام السياسي الفلسطيني وهياكله ومؤسساته. وهذا يعني، فيما يعنيه، الاتفاق على برنامج سياسي وأدوات نضالية وأهداف مرحلية، تكون تشاركية ووحدوية في طبيعتها.
وإذا ما استمرت حالة التغييب للشعب الفلسطيني في نظامه السياسي، وفي حال استمر قمع أدوات المحاسبة والمساءلة الشعبية، سيبقى الفلسطينيون يواجهون كابوس الانقسام. الطريق إلى الوحدة الفلسطينية واضحة المعالم، لكنها تتطلب إرادة سياسية وتضحيات، والسؤال الذي يبقى برسم الإجابة: متى ستصبح الإرادة الشعبية الفلسطينية أقوى من إرادات النخب السياسية ومصالحها الفئوية الضيقة؟ ومتى ستتم محاسبة قيادات حركتي فتح وحماس على كل الهلاك الذي تسببانه للمشروع الوطني الفلسطيني، وللحق الفلسطيني في الحرية والعدالة وتقرير المصير.