ونظم عدد من جرحى قوات حفتر، مساء أمس الأحد، وقفة احتجاجية أمام مقرّ بلدية بنغازي، للمطالبة بإطلاق سراح زملائهم المعتقلين منذ السبت الماضي من قبل أجهزة أمنية في مدينة المرج، مقر معسكر حفتر الرئيسي.
وعبّر المحتجون عن استيائهم من إقدام أمن حفتر على اعتقال خمسة من زملائهم حضروا إلى مقر قيادة حفتر في المرج، السبت، للمطالبة بحقهم في العلاج بعد الإهمال الذي طاولهم لسنوات.
وأمس، ردّد المحتجون هتافات مستنكرة لأوضاعهم، كما رفعوا شعارات تتحدث عن أوضاعهم الصحية مندّدين بإهمالهم وعدم نقلهم إلى الخارج للعلاج. ويظهر بعضهم في صور نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وهم يسيرون على عصي بعدما بترت أرجلهم جراء الإصابات التي تعرضوا لها.
وحصل "العربي الجديد" على فيديو لـ"الجرحى والمصابين" الذين ظهروا أمام بوابة قيادة قوات حفتر التي أقفلت في وجههم، لكنهم كانوا مصرين على الاستمرار في طرق الباب، وترديد هتافات الاحتجاج.
Facebook Post |
ويؤكد أحدهم أنهم منذ سبعة أشهر وهم ينتظرون الاستجابة لطلبات علاجهم، لكنهم عندما حضروا إلى مقر قيادة حفتر "اقفلوا الباب ورفضوا الخروج إلينا"، مؤكداً أنهم انتظروا منذ السابعة صباحاً وحتى الرابعة مساء فتح البوابة المقفلة في وجوههم.
ويتحدث المحتجون عن معاناتهم "من شلل نصفي"، وأن أحدهم "يعاني شللاً رباعياً"، فيما يتساءل أحدهم "أين قيادة الجيش.. لا توجد قيادة!".
وفي هذا الإطار، حصل "العربي الجديد" على معلومات تؤكد أن حفتر أمر بشكل شخصي بإهمال إحصاء الجرحى منذ مطلع 2017.
وأكد مصدر وثيق الصلة بالملف الصحي في وزارة الصحة بحكومة مجلس النواب، في شرق ليبيا، أن منظومة مصابي الحرب توقفت عن التسجيل والإحصاء الرسمي، بسبب فوضى ملف العلاج والفساد المالي المستشري فيه.
وقال المصدر إن "الفساد حجة اتخذها حفتر ذريعة لإصدار أمره بوقف تسجيل المصابين وإحالتهم إلى العلاج، وتشكيل لجنة للتحقيق في الفساد"، لافتاً إلى أنها لجنة لم تجتمع إلا ثلاث مرات على مدار سنة كاملة.
لكن المصدر كشف لـ"العربي الجديد"، أثناء حديثه عن مصابي معارك حفتر، عن رقم صادم للقتلى.
واعتبر في هذا الشأن أن عدد القتلى "أمرٌ لا يمكن إخفاؤه، عكس المصابين والجرحى، فهناك إجراءات قانونية تترتب على الوفيات في السجل المدني وغيره، ولذا فهناك إحصاءات دقيقة"، مؤكداً أن قتلى قوات حفتر في بنغازي لوحدها في الفترة ما بين 14 مايو/ أيار 2015 وحتى ديسمبر/ كانون الأول 2017 عددهم 2365 قتيلا من أفراد نظاميين (أي عسكريين)، و18534 قتيلا من القوات المساندة (أي مسلحي المليشيات)، مضيفاً أن هناك معلومات أخرى لا يستطيع الكشف عنها، تتعلق بقتلى من قوات عربية وأجنبية.
وأوضح المصدر أن ملف الجرحى والمصابين تمّ نقل تبعيته مباشرة إلى حفتر منذ أغسطس/آب الماضي عبر تشكيل لجنة تعرف باسم "إدارة الخدمات الطبية العسكرية، يترأسها عسكري مقرب من اللواء المتقاعد، يدعى جبريل البدري، ويتلقى أوامره من الأخير شخصياً، وذلك بعد الفساد المالي الكبير إبان رئاسة الملف من قبل قريب حفتر الآخر، عبد الرزاق ادويك.
وتابع قائلاً إن "الفساد لم ينته، بل زاد بشكل كبير، فالعديد من المصحات في مصر والأردن وتونس طردت الجرحى والمصابين بعد أشهر من انتظار مستحقاتها المالية، التي يقوم البدري وشركاؤه بسرقتها ونقلها الى حساباتهم الخاصة"، مشيراً إلى أن حفتر أهمل بشكل كبير ملف الجرحى والمصابين في الآونة الأخيرة بسبب أزماته المالية المتراكمة.
وفي تصريح لافت، أعلن أحد الإعلاميين المقربين من حفتر، وهو محمود المصراتي، نهاية الأسبوع الماضي، عن عزمه على الكشف عن مسؤولين تابعين لحفتر متورطين في فساد مالي كبير في ملف علاج جرحى قوات حفتر في تونس.
واتهم المصراتي، في تدوينة على صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك"، كلا من فتحي المجبري، أحد نواب حفتر في المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، والنائبين في مجلس النواب، إدريس المغربي وفتح الله السعيطي، بجلب أقاربهم وأصهرتهم لتولي ملف الجرحى في تونس.
وكشف المصراتي أن هؤلاء الأقارب للمغربي والمجبري والسعيطي، يتلقون الرشاوى من المصحات وشركات الإقامة والإيواء في تونس. وكتب مهدداً بـ"الأسماء والوثائق والمستندات سننشر فضائحهم. المجبري وفتح الله السعيطي وإدريس المغربي، أبرز المتورطين".
وفي مؤشر إلى تزايد السخط من قبل جرحى قوات حفتر، فتح عدد منهم صفحات على مواقع التواصل للاحتجاج على أوضاعهم، تضمنت فيديوهات فاضحة تكشف عن مدى معاناتهم وتخلي حفتر عنهم، بل بات بعضهم ينشر الاحتجاجات على صفحته الرسمية وباسمه علناً.
وتكشف إحدى تلك الصفحات الوضع الصحي والمعيشي الذي بات يعيشه المعوقون من جنود حفتر.
وظهر عز الدين العقوري مثلاً في فيديو متداول، مبتور القدمين، على قارعة الطريق يبيع "القعمول"، وهو نبات شعبي رخيص الثمن يستعمل بشكل واسع في شرق البلاد للأكل أثناء التجول للتسلية. وأكد العقوري أن مطالبته بحقه في العلاج تمّ إهمالها، ولم يتمكن من الوصول إلى المسؤولين. وفي ظلّ عدم حصوله حتى على راتبه الشهري، اضطر للجلوس بحالته الصحية السيئة لـ"بيع القعمول" لإعالة أسرته.
وفي فيديو آخر ظهر عدد من الجرحى في وسطهم رجل مقعد، وهم يحتجون على إهمال علاجهم في دولة عربية، مؤكدين أنهم طردوا من مصحات العلاج وأنهم عالقون في أحد المطارات، مطالبين بتسهيل عودتهم لبلدهم، ومتوجّهين بتهم الفساد إلى مسؤول الملف الصحي جبريل البدري.