يمكن أن نسقط مقولة المتنبي الشهيرة: "مصائب قوم عند قوم فوائد"، على ما يحدث اليوم للصحف والقنوات التلفزيونية مع التزايد الكبير لعدد مستخدمي الإنترنت يوميًا، حسب إحصاءات ودراسات متخصّصة، تشير أيضًا الى تراجعٍ كبيرٍ في حجم الإنفاق الإعلاني في هذه الوسائل.
نزلت مصيبة وسائل التواصل الاجتماعي مدويّة على رأس وسائل الإعلام التقليدية التي تراجع عدد الموالين لها، فاستحوذت وسائل التواصل الحديثة (فيسبوك، إنستغرام، تويتر، سناب شات)، على الجزء الأكبر من المتابعين ثم على الجزء الأهم من "كعكة الإعلانات".
فاليوم، يندر جدًا في منطقتنا العربية والعالم، أن تجد شخصًا ليس لديه حساب على مواقع التواصل الاجتماعي، وكثير من الدراسات والأبحاث تؤكد أن 90٪ من مستخدمي الإنترنت وعددهم بالملايين يستخدمون هذه المواقع.
وفي الفترة الأخيرة، أصبحت هذه الوسائل من أهم الخيارات التسويقية الأكثر نموًا، وبسبب ذلك برز من يطلق عليهم اليوم مسمى "مشاهير السوشيال ميديا"، والذين استثمروا في إمكاناتهم الشخصية للترويج بطريقة جذابة ولافتة لمنتجاتهم، بتقنيات سهلة وفي متناول الجميع مثل الهواتف الذكيّة.
ليس هذا فحسب فقد أصبح هؤلاء المشاهير أصحاب تجارة رابحة قد تدرّ على بعضهم مبالغ شهرية من الإعلانات تصل إلى 100 ألف دولار أميركي وربّما أكثر من ذلك.
عربيًا، يعتبر "مشاهير السوشيال ميديا" في دول الخليج، وتحديدًا الكويت والسعودية، الأكثر تأثيرًا وفعالية في هذه التجارة الجديدة، ورغم أن كثيرًا منهم يرفضون ويخفون قيمة ما يتلقونه لقاء عملهم كمروّجين للمنتجات عبر وسائل التواصل، إلا أن كثيرًا من هذه المعلومات يتسرّب بين الحين والآخر بين المهتمين والمتابعين لهم.
فقد سبق للإعلامية نهى نبيل أن أعلنت في إحدى المقابلات التلفزيونية أنها تتلقى مقابل الإعلان الواحد الذي تنشره كـ"بوست" أو "فيديو" على إنستغرام، مبلغًا ماليًا قدره (2000 دينار كويتي)، أي ما يعادل (6300 دولار)، وقس على ذلك بقية المشاهير، مثلًا في السعودية قد يصل سعر الإعلان الواحد الى مبلغ 25 ألف ريال سعودي، بحسب ما يتمّ تداوله بين المتابعين والمهتمين.
وعلى الرغم من أن البعض يرى أن أسعار الإعلانات التي يطلقها هؤلاء المشاهير باهظة نوعًا ما، إلا أن هذه الأسماء تعتبر أوراقًا رابحة قادرة على تسويق منتجاتهم بنجاح كبير يدر عليهم فوائد معتبرة.
هذا ما يؤكّده عبدالرزاق المطوع، صاحب مؤسسة "غالية"، والتي تعمل كوكيلٍ إعلاني بين المعلن والمشاهير، إذ يرى أن أسعار إعلانات مشاهير "السوشيال ميديا" الذين نطلق عليهم اليوم اسم "المؤثرون"، هي أسعار رخيصة مقارنة بالفائدة التي تتحقّق للمعلن، ويدلّل المطوّع على ذلك، بأن أغلب الدراسات تؤكد أن مواطني الكويت والسعودية يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي من 8 إلى 12 ساعة يوميًا، بينما في أميركا معدل الاستخدام عندهم لا يزيد عن 4 ساعات يوميًا، ويرتبط ارتفاع أسعار الإعلان بعدد زوار الموقع.
ويضيف المطوّع في لقاء تلفزيوني مع إحدى القنوات: "سابقًا، وفي أوجّ انتشار الصحف، كان الإعلان في أكثر الصحف توزيعًا يصل إلى 12 ألف دولار أميركي على الصفحة الأولى، بمعدل توزيع للصحيفة يصل إلى 70 ألف نسخة، بينما اليوم لدينا مثال "فيصل البصري" من الكويت؛ أحد "المؤثرين" في وسائل التواصل الاجتماعي، لديه أكثر من مليون متابع على الإنستغرام والسناب شات، وقد يصل سعر الإعلان عنده إلى ستة آلاف دولار فقط مع وصول رسالته الإعلانية الى أكثر من مليون شخص، هذا يعني أن الفائدة التي يجنيها المعلن من نشر رسالته الإعلانية عن طريق هؤلاء أكبر بكثير من إعلانه في الصحف".
من جهتها تقول خبيرة التجميل فوز الفهد، إن إعلانات "السوشيال ميديا" تجارة مربحة بدليل أن كثيرًا من الشباب الخليجي هجر الدراسات الأكاديمية، وتوجّه لكل ما يتصل بهذا العمل الجديد، وتستشهد الفهد على قولها بسرعة نمو هذه التجارة، بأنها بدأت قبل عام واحد بإعلان حصلت من خلاله على 247 دولارًا فقط، أما اليوم فيصل سعر المنشور الواحد على الإنستغرام إلى أكثر من 2500 دولار.
وتؤكد فوز الفهد في لقاءات تلفزيونية أن "المهم عند المعلن ليس فقط عدد متابعينا ولكن مدى تأثيرنا عليهم، في جانب آخر نحرص نحن كمؤثرين على أن نلتزم بمصداقية إعلاناتنا عن المنتجات، ولا نخدع متابعينا لكي لا نخسر تأثيرنا عليهم وبالتالي نخسر قيمتنا كمؤثرين".
يبدو أن هناك توجهًا واضحًا من قبل الشباب الخليجي لخوض هذه التجربة المربحة، وفي السنتين الماضيتين، زاد عدد مشاهير "السوشيال ميديا" بشكل كبير واحتدمت المنافسة بينهم وصاروا يغرون المعلنين بعروض إعلانية تساعدهم على زيادة معدّلات إعلاناتهم الشهرية، فهل يستمر هذا "البزنس" الجديد الذي ربّما "يوكل عيش أكثر من مجال الفن"؟