مشاهد من يوم الاستفتاء التركي الطويل

إسطنبول

باسم دباغ

avata
باسم دباغ
17 ابريل 2017
40F38EAC-D3C5-4037-A91C-80578A63C757
+ الخط -
تسير الحياة هادئة في مدينة إسطنبول التي خلت ساحاتها من معظم ملصقات ولافتات الحملات المؤيدة والموالية للتعديلات الدستورية التي جرى الاستفتاء عليها أمس الأحد، في ما يمكن اعتباره واحداً من أهم الاستفتاءات السبعة التي عرفها تاريخ الجمهورية التركية منذ تأسيسها عام 1923. تعديلات دستورية إن وافقت عليها الغالبية البسيطة من الملايين الـ55 ممن يحق لهم التصويت، فستكون نقطة تحول بالغة الأهمية، من النظام البرلماني الذي تتجمع فيه السلطات التنفيذية بيد رئيس مجلس الوزراء، إلى النظام الرئاسي لأول مرة في تاريخ الجمهورية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك.

في منطقة أيوب التي تعتبر أحد أهم المزارات السياحية للمحافظين الأتراك بمسجدها التاريخي الذي يضم قبر الصحابي أبي أيوب الأنصاري، تم إخلاء الساحة القريبة من جميع الحملات، إثر الدخول في فترة الصمت الانتخابي في الساعة السادسة من مساء السبت. ثلاث خيم لحملة العدالة والتنمية وخيمة واحدة لحزب الحركة القومية المؤيدَين للتعديلات الدستورية خاوية، بينما تمت إزالة خيمة حملة الشعب الجمهوري (الكمالي) وكذلك إحدى الخيم التابعة لجهة أخرى معارضة، كذلك تم إنزال جميع اللافتات الكبيرة، حتى أن عمال البلدية قاموا، ليلة السبت، بتنظيف الأرض من الملصقات وقصاصات الأوراق المؤيدة والمعارضة، بينما تنتصب صورة كبيرة للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بعد أن نزع منها كلمة "نعم" بينما بقيت كلمته: "القرار والكلام للأمة".


تتجه العائلات إلى الحدائق المترامية على ضفتي الخليج (القرن الذهبي). علي يبدأ بإحراق الخشب مع الفحم لشيّ اللحوم، ويؤكد لـ"العربي الجديد" أنه توجه إلى مركز الاقتراع منذ الصباح الباكر برفقة زوجته للإدلاء بصوتيهما، قبل استكمال الحياة الطبيعية كأي يوم عطلة، مضيفاً: "لا أشعر بالقلق، ليست المرة الأولى التي نعيش فيها انتخابات، جذوري من قونيا، وبطبيعة الحال صوتّ بنعم، عند السابعة مساء سنعود للمنزل لنتابع إحصاء الأصوات على التلفاز"، لتقاطعه زوجته توركان مبتسمة: "حاول أن يجعلني أصوّت بنعم، لكني صوتّ بالرفض، نكاية به، وببهجلي"، في إشارة إلى دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية اليميني المتطرف.


جرى الاقتراع في أجواء أمنية مستقرة وهادئة، باستثناء عراك عائلي جرى في مركز اقتراع تابع لإحدى القرى في ولاية دياربكر، وأدى إلى مقتل شخصين وجرح ثالث. ولم تختلف مواكبة الإعلام التركي للاستفتاء عن التغطيات التي تمت خلال الانتخابات السابقة، بالقصص الاعتيادية ذاتها، وبمواد عن كيفية الاقتراع الصحيح وبمشاهد صارت كليشيهات تتكرر في كل مكان وزمان: رجل يحمل أمّه المسنة على ظهره في ولاية هكاري (شرقي البلاد) للإدلاء بصوتها. مواطن آخر من ذوي الاحتياجات الخاصة، يصعد السلم على يديه، في أحد مراكز الاقتراع في مدينة إسطنبول، لعدم وجود مصعد، طالباً من المعنيين المزيد من الاهتمام بسبل تسهيل حياة ذوي الحاجات الخاصة، تغطية قيام المشاهير والفنانين بالإدلاء بأصواتهم، ثم إغلاق أحد مراكز الاقتراع في منطقة دميرجي في ولاية مانيسا (غرب) بشكل مبكر جداً، بعد أن قام جميع المسجلين فيه، وهم فقط 12 شخصاً، بالتصويت خلال الساعات الأولى من الصباح قبل التوجه إلى أعمالهم في الحقول. كذلك، أغلق صندوق اقتراع آخر بشكل باكر، في إحدى القرى التابعة لمدينة باتمان (شرقي البلاد)، ذلك أن المصوّت الوحيد كان مختار القرية، بينما يقيم باقي سكان القرية ممن يحق لهم التصويت، في أوروبا.


رغم ذلك، لم تتوقف قوات الأمن عن متابعة المطلوبين للعدالة من منتسبي حركة الخدمة بزعامة الداعية فتح الله غولن، المتهم الأول بإدارة المحاولة الانقلابية الفاشلة في منتصف يوليو/تموز الماضي، إذ ألقت شعبة مكافحة الجريمة المنظمة والتهريب في ولاية طرابزون، القبض على أحد منتسبي الحركة، بينما كان موجودا في أحد مراكز الاقتراع للإدلاء بصوته. لا يبدو أن نسب المشاركة ستختلف عن نظيرتها في الانتخابات السابقة، الأمر الذي أكده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال إدلائه بصوته في حي إوسكودار في القسم الآسيوي من مدينة إسطنبول، كما جرت العادة، بالقول: "إن التصويت الجاري اليوم، ليس تصويتاً اعتيادياً، لقد شهد تاريخ الجمهورية الكثير من الاقتراعات الخاصة بالنظام البرلماني، وأجرينا بعض الاستفتاءات، ولكن اليوم، فإن الاقتراع سيكون نقطة تحول في نظام إدارة البلاد، وأنا أؤمن بأن شعبنا سيصوت لصالح التنمية الأسرع". وأضاف أردوغان: "علينا أن نتخذ قراراً غير اعتيادي لتحقيق أهداف أتاتورك بالصعود إلى مستوى يفوق الحضارة المعاصرة"، وذلك بينما لم تخرج كلمة رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو وقيادات الأحزاب الرئيسية عن المعهود في تمني مصلحة الأمة، واحترام نتائج الاستفتاء أياً كانت.


في يوم الاقتراع ورغم الصمت الانتخابي، استمر تعليق بعض اللافتات الكبيرة التي تحمل صورة الرئيس التركي، في ساحة تقسيم في وسط بلدية بيوغلو في إسطنبول، بينما توزعت بعض اللافتات الكبيرة لحملة الرفض التابعة لحزب الشعب الجمهوري في أزقة حي جيهانغير قرب تقسيم، وكذلك في منطقة تارلاباشي قرب الساحة، وقرب مركز الشعب الجمهوري، في وسط شارع تقسيم، الكثير من اللافتات التابعة للحملة. سياح خليجيون وإيرانيون وأوروبيون يتنزهون في شارع الاستقلال. الحياة تبدو طبيعية، بينما تتوزع قوات الشرطة في مدخل الشارع وفي الساحة. المحال معظمها مفتوح، كأي يوم أحد. غولتن من ولاية طرابزون، طالبة جامعية وتعمل في أحد المقاهي في الشارع، تقول لـ"العربي الجديد": "لم أذهب لكي أصوت، لأن مكان إقامتي في طرابزون، ولم أتمكن من تغييره بعد لأصوت في إسطنبول، لم أذهب لطرابزون للإدلاء بصوتي، ولكن لو كنت هناك لصوتّ بلا".

أما كورشات أيضاً يعمل مثل غولتن فيقول: "سأذهب للتصويت بعد قليل، أنا كمالي متعصب، وسأصوت بلا". ويبدي أحمد، وهو سائح سعودي، قادم برفقة عروسه من مدينة الدمام لقضاء شهر العسل، دهشته من مدينة إسطنبول، فيقول: "من كثرة المطاعم التي تقدم الطعام التركي، شعرت بأن الأتراك لا يطبخون في منازلهم، المتدينون والعلمانيون يعيشون بهدوء إلى جانب بعضهم بعضاً، وهذا أمر جميل للغاية". وبينما يشرب القهوة مع عروسه في أحد المقاهي قرب شارع الاستقلال، يضيف أحمد: "قررت أن آتي لتمضية شهر العسل في إسطنبول، لم أكن أعرف بأن ذلك سيتزامن مع الاستفتاء، جلست مع أحد الإخوة الأتراك قبل القدوم، وحذرني من التجول في المناطق العامة والسياحية في يوم الاستفتاء، ذهبنا اليوم إلى منطقة السلطان أحمد وتجولنا في متحف الشمع، الأمور اعتيادية ولم ألحظ أي شيء مقلق".



ذات صلة

الصورة

سياسة

أعلنت وزارة الدفاع التركية، ليل أمس الأربعاء، قتل العديد من مسلحي حزب العمال الكردستاني وتدمير 32 موقعاً لهم شمالي العراق.
الصورة
احتجاج ضد مقتل الطفلة نارين غوران في تركيا، 9 سبتمر 2024 (فرانس برس)

مجتمع

لم تلق جريمة قتل بتركيا، ما لقيه مقتل واختفاء جثة الطفلة، نارين غوران (8 سنوات) بعدما أثارت قضيتها تعاطفاً كبيراً في تركيا واهتماماً شخصياً من الرئيس التركي
الصورة
عبد الله النبهان يعرض بطاقته كلاجئ سوري شرعي (العربي الجديد)

مجتمع

تنفذ السلطات التركية حملة واسعة في ولاية غازي عنتاب (جنوب)، وتوقف نقاط تفتيش ودوريات كل من تشتبه في أنه سوري حتى لو امتلك أوراقاً نظامية تمهيداً لترحيله.
الصورة
الشاب الفلسطيني بسام الكيلاني، يونيو 2024 (عدنان الإمام)

مجتمع

يُناشد الشاب الفلسطيني بسام الكيلاني السلطات التركية لإعادته إلى عائلته في إسطنبول، إذ لا معيل لهم سواه، بعد أن تقطّعت به السبل بعد ترحيله إلى إدلب..