لم تكن القاهرة كعادتها. أثقالٌ عديدة تُنهكها. متاعب وضغوط وشقاء. المدينة مُتْعَبة. يشعر الزائر بهذا، سريعاً. لم تكن القاهرة مُتْعَبة هكذا، سابقاً. تعيش لحظات قاسية، غالباً، لكنها لم تكن مُتْعَبة إلى هذا الحدّ. الزائر مُعتادٌ عليها، وعلى بهاءٍ يليق بها، وعلى مآسيها المتراكمة عليها منذ سنين بعيدة، التي تكافحها بنكاتٍ وسخرية ومواربة بديعة. مُعتادٌ على كيفية استقبالها إياه، وعلى إتقانها الجميل أن تكون سيدةً نبيلةً، وأن تُحوِّل الألم إلى ضحكةٍ.
اليوم، تبدو القاهرة مُتْعَبة، ومُتْعِبة أيضاً.
ليس الغلاء، الذي يُقابِله فقرٌ مُدقع وإضافيّ، سبباً وحيداً لهذا. اليوميّ يُشعِر المرءَ بكثافة الخراب، ويضع المقبل من الأيام أمام تحدٍّ، يتمثّل بكيفية صناعة مستقبل، في حاضرٍ واقِعٍ في جحيمٍ، أو في شبيهٍ للجحيم. المدينة محاصَرة بشتّى أنواع الخراب، والناس محتاجون إلى منفذٍ لخلاصٍ، وإنْ يكن مؤقتاً. الغلاء، الناتج من سياسات اقتصادية تنعكس سلباً على الناس، يمنع على المصريّ شيئاً من بهاء الحياة، مع أنه يحتال عليها، وإنْ عبثاً، أحياناً عديدة.
لكن الغلاء مرآة انهياراتٍ تُصيب الجوانب كلّها للعيش، من دون إلغاءِ وميضٍ يقول بعض حيوية وابتكار. الانهيارات تحضر في أفلامٍ سينمائيةٍ حديثة الإنتاج، مثلاً، يتشكّل فيها مزيج الواقع برغبة المعاينة، وخليط المتخيّل بحساسية اللحظة. مع هذا، لن تُنقِذ السينما بلداً، وشعباً، ومجتمعاً. هي تبوح بمكنوناتٍ، وتقول انفعالاتٍ وحالاتٍ وحكايات، وتروي فصولاً من العيش؛ لكنها تبقى انعكاساً، لا تحريضاً. وهذا جزءٌ من التباسها الجميل.
تبقى القاهرة شوقاً إلى تاريخٍ وحراكٍ وراهن. صُوَرها تملأ ذاكرةً، وتستعيد نبضاً لن يبلغ، بمريديه، مَطْلبهم في استقامةِ الأمور. سينماها استمرارٌ، متوتِرٌ وقَلِقٌ ومتناقض الأشكال، لمسارٍ لن يتوقّف عن إنتاجٍ، تتضارب فيه الأساليب، فتظهر محاولات جدّية للخروج على سلطة نظام إنتاجيّ، فإذا بنتائج الخروج بهيّة، لأنها تقول بتجديدٍ ومثابرة على مواجهة الفساد، الثقافي والبصري والمهنيّ، في السينما والفنون، كما في مرافق الاجتماع والسياسة والاقتصاد.
التناقض رهيبٌ. المدينة غارقة في شقاء اليومي، والسينما ساعيةٌ إلى التقاط الغرق هذا، وإعادة إنتاجه، بصرياً، في صُوَرٍ عديدة. المدينة مُتْعَبةٌ ومُتْعِبة، والسينما ـ أو بعضها الأهم على الأقلّ ـ تُصارع من أجل استكمال مشروعٍ، غامضٍ وملتبسٍ ومعلَّقٍ ربما، يريد نفاذاً من كلّ سلطة حاكمة، في الصناعة والتوزيع والإنتاج، فيصل حدّاً متقدّماً في مواجهة صارمة، بإنجازه أعمالاً لا تُهادِن، ولا تستلم، ولا تتوقف عن تحريضٍ سليمٍ لإنتاجِ صُوَرٍ سينمائية إضافية.
لكن، إذْ يرضخ البعض لهزيمةِ انكسار حلم التغيير، مع أنه يعثر على منافِذ لإكمال العيش، وإنْ وسط خرابٍ لا يُحتمل، فإنّ البعض الآخر منصرفٌ إلى تبيان اللحظة وخللها، بهدف كشف المستور، على الأقلّ. وهذا ليس سهلاً، في بلدٍ يزداد وهناً، وتيهاً، وقسوةً.
اليوم، تبدو القاهرة مُتْعَبة، ومُتْعِبة أيضاً.
ليس الغلاء، الذي يُقابِله فقرٌ مُدقع وإضافيّ، سبباً وحيداً لهذا. اليوميّ يُشعِر المرءَ بكثافة الخراب، ويضع المقبل من الأيام أمام تحدٍّ، يتمثّل بكيفية صناعة مستقبل، في حاضرٍ واقِعٍ في جحيمٍ، أو في شبيهٍ للجحيم. المدينة محاصَرة بشتّى أنواع الخراب، والناس محتاجون إلى منفذٍ لخلاصٍ، وإنْ يكن مؤقتاً. الغلاء، الناتج من سياسات اقتصادية تنعكس سلباً على الناس، يمنع على المصريّ شيئاً من بهاء الحياة، مع أنه يحتال عليها، وإنْ عبثاً، أحياناً عديدة.
لكن الغلاء مرآة انهياراتٍ تُصيب الجوانب كلّها للعيش، من دون إلغاءِ وميضٍ يقول بعض حيوية وابتكار. الانهيارات تحضر في أفلامٍ سينمائيةٍ حديثة الإنتاج، مثلاً، يتشكّل فيها مزيج الواقع برغبة المعاينة، وخليط المتخيّل بحساسية اللحظة. مع هذا، لن تُنقِذ السينما بلداً، وشعباً، ومجتمعاً. هي تبوح بمكنوناتٍ، وتقول انفعالاتٍ وحالاتٍ وحكايات، وتروي فصولاً من العيش؛ لكنها تبقى انعكاساً، لا تحريضاً. وهذا جزءٌ من التباسها الجميل.
تبقى القاهرة شوقاً إلى تاريخٍ وحراكٍ وراهن. صُوَرها تملأ ذاكرةً، وتستعيد نبضاً لن يبلغ، بمريديه، مَطْلبهم في استقامةِ الأمور. سينماها استمرارٌ، متوتِرٌ وقَلِقٌ ومتناقض الأشكال، لمسارٍ لن يتوقّف عن إنتاجٍ، تتضارب فيه الأساليب، فتظهر محاولات جدّية للخروج على سلطة نظام إنتاجيّ، فإذا بنتائج الخروج بهيّة، لأنها تقول بتجديدٍ ومثابرة على مواجهة الفساد، الثقافي والبصري والمهنيّ، في السينما والفنون، كما في مرافق الاجتماع والسياسة والاقتصاد.
التناقض رهيبٌ. المدينة غارقة في شقاء اليومي، والسينما ساعيةٌ إلى التقاط الغرق هذا، وإعادة إنتاجه، بصرياً، في صُوَرٍ عديدة. المدينة مُتْعَبةٌ ومُتْعِبة، والسينما ـ أو بعضها الأهم على الأقلّ ـ تُصارع من أجل استكمال مشروعٍ، غامضٍ وملتبسٍ ومعلَّقٍ ربما، يريد نفاذاً من كلّ سلطة حاكمة، في الصناعة والتوزيع والإنتاج، فيصل حدّاً متقدّماً في مواجهة صارمة، بإنجازه أعمالاً لا تُهادِن، ولا تستلم، ولا تتوقف عن تحريضٍ سليمٍ لإنتاجِ صُوَرٍ سينمائية إضافية.
لكن، إذْ يرضخ البعض لهزيمةِ انكسار حلم التغيير، مع أنه يعثر على منافِذ لإكمال العيش، وإنْ وسط خرابٍ لا يُحتمل، فإنّ البعض الآخر منصرفٌ إلى تبيان اللحظة وخللها، بهدف كشف المستور، على الأقلّ. وهذا ليس سهلاً، في بلدٍ يزداد وهناً، وتيهاً، وقسوةً.