انتظمت في السودان في الثلاث سنوات الأخيرة مشاريع ريادة الأعمال للشباب، بدأت في دوائر ضيقة سرعان ما اتسعت لتشمل قطاعات أكبر من الشباب الذين يسعون إلى الاستفادة من هذه المشاريع، لتطوير أفكار خاصة وإنشاء أفكارهم على أرض الواقع.
أطلق المجلس الثقافي البريطاني والسفارة البريطانية في الخرطوم وأمانة شباب الأعمال باتحاد أصحاب العمل السوداني مسابقة "مشروعي" في عام 2013، والتي تهدف إلى نشر فكرة الريادة بين الشباب وتسليط الضوء على الفرص العظيمة التي يمكن أن توفرها الريادة للشباب. ورعت المسابقة شركة "سوداني" للاتصالات وبنك المال المتحد وشركة كوفتي وسي تي سي.
يتنافس في المسابقة 122 شاباً وشابة في برنامج تلفزيوني لتقديم أفضل الأفكار التي يمكن أن تتحول إلى مشاريع، ويتم تطوير هذه الأفكار وتنقيحها من قبل لجنة من رجال الأعمال الذين يقدمون النصائح المهنية للمتسابقين، ويتم اختيار ستة مرشحين من قبل لجنة التحكيم، وبعدها خمسة منهم من خلال تصويت يشارك فيه الجمهور؛ لتكون لهم فرصة ربح إحدى الجوائز الثلاث المطروحة بقيمة 200 ألف جنيه و150 ألف جنيه و100 ألف جنيه.
وتقول الشابة ميسون مطر، إحدى رائدات الأعمال، والتي تم اختيارها سفيرة السودان لرائدات الأعمال، بأنها شاركت في مسابقة "مشروعي"، لكنها لم تفز بالجوائز الثلاث المقدمة، مضيفةً بأن شركة "سوداني" قدمت للحاصلين على المركزين الرابع والخامس مبلغ 50 ألف جنيه كمساعدة ليست ضمن المسابقة.
وتوضح بأن هذا المبلغ كان كافياً لبدء مشروعها "دور الفن في المجتمع" الذي يطلق عليه "فندورا" اختصاراً، حيث يعملون في الأنشطة المجتمعية ومجال حماية البيئة، بهدف رفع الوعي البيئي و"تمليك" الحرفة اليدوية لإعادة تدوير المخلّفات في أعمال فنية، بجانب صنع مواد فنية ومستلزمات زينة من المواد المحلية (قش، "زعف"، أخشاب) وصنع حقائب وأدوات ديكور.
تتابع ميسون بالقول إنهم نظموا مهرجان "أسرار الكوشة" عن الفنون المصنوعة من إعادة التدوير. وعن النواحي المالية، تشير إلى أن المشروع لم يحقق مردوداً مالياً لكنه مستقر، موضحةً بأنهم تحاشوا أخذ قروض بنكية خشية التعثر في السداد، ما قد يعرض المشروع لمخاطر هم في غنى عنها، ومقر مشروع "فندورا" يقع بالخرطوم ضاحية الرياض.
تخرجت مطر من جامعة الخرطوم كلية العلوم قسم الفيزياء وحائزة على درجة الماجستير في الفيزياء النووية من دولة جنوب أفريقيا، عملت لفترة كمعلمة لتتركها لتنخرط في العمل النسوي وتؤسس مشروعها الخاص "فندورا".
في عام 2010، بدأ معهد غوته الثقافي، تحت رعاية مديرته السيدة ليلي كوبلر والسينمائي طلال عفيفي، مشروعا لتدريب الشباب على صناعة الأفلام عن طريق ورش عمل مكثفة في كيفية صناعة الفيلم، الإخراج والمونتاج والتصوير. وبعد نجاح الورشة الأولى، تم تأسيس مشروع "سودان فيلم فاكتوري" الذي كان يتخذ من المعهد مقراً له.
وكان "غوته" يوفر المعدات السينمائية، من كاميرات وأجهزة مونتاج، ويستجلب مدربين وخبراء من مصر والعراق وسورية لتدريب المشاركين في الورش السينمائية، وكان يتم إنتاج أفلام بصورة دورية مع كل نهاية ورشة تدريبية. وقد شاركت الأفلام المنتجة في العديد من المهرجانات السينمائية في العالم، مثل مهرجان الجزيرة للأفلام الوثائقية، ومهرجان الدوحة، ومهرجان الأقصر السينمائي الدولي. كما تم عرض الأفلام داخل السودان في المراكز الثقافية والمعاهد والجامعات. وتتعدد ورش التدريب التي نظمها "سودان فيلم فاكتوري" بين الورش العامة والمتخصصة لمراحل ما قبل الإنتاج وما بعده، وتضمنت سلسلة من كتابة السيناريو، الإخراج، التصوير السينمائي والمونتاج.
تقول المديرة التنفيذية لـ"سودان فيلم فاكتوري"، المخرجة إيلاف الكنزي، إن نشاطات بناء القدرات والتدريب تشغل الحيّز الأساسي في خططهم المستقبلية، وأنهم مركز تنشيط ثقافي ومساحة للتفاعل والحوار ومكتبة وأرشيف للسينما السودانية والأفريقية.
وتوضح أن المشروع استمر لمدة ثلاث سنوات تحت رعاية معهد غوته قبل أن يفك ارتباطه عن المعهد ليكون مؤسسة مستقلة، واستأجر مقراً بالخرطوم. وعن كيفية تمويل الأنشطة السينمائية، تقول الكنزي إن التمويل ينقسم إلى شقين، أولهما الشق الخاص بتمويل مهرجانات السينما التي يقيمونها، والذي يتم عبر المؤسسات الوطنية التي تقدم دعما عينيا وخدمات تقوم بها تجاه المهرجان وضيوف المهرجان، مضيفة بأن المراكز الثقافية تقوم بتقديم قاعاتها أو دفع قيمة تذاكر السفر لضيوف المهرجان.
أما الشق الثاني، فيختص بتمويل الأفلام وورش العمل، يتم من مؤسسات خارجية، كالمعهد الألماني أو مؤسسة الأمير كلاوس الثقافية، الذين يقدمون دعماً مالياً يتم من خلاله إنجاز الأفلام وورش العمل.
في أيار/ مايو 2012، أطلقت جماعة عمل الثقافية في الخرطوم معرض "مفروش" لتبادل الكتب والمصنوعات اليدوية والفلكلورية والعروض التشكيلية والموسيقية، وكان المعرض يقام بصورة شهرية يوم الثلاثاء من أول كل شهر، بساحة "أتينيه" العريقة وسط السوق الإفرنجي في الخرطوم، كبازار ثقافي، وتم تمويل المشروع بصورة أهلية من خلال اشتراكات العضوية الخاصة بجماعة عمل إضافة إلى تبرعات زوار المعرض ورواده، حيث أعلنت جماعة عمل الثقافية في بيان لها، أنها لا تقبل التمويل من أي جهة ليست الثقافة أساس عملها، حيث يصبح الأمر كالقيام بالدعاية والعلاقات العامة لشركات ليست فوق مستوى الشبهات. ويقول عضو الجماعة السابق، الشاعر مأمون التلب، إن مشروع "مفروش" الذي استمر ثلاث سنوات كان يمول من التبرعات الأهلية، وقد توقف بسبب منع قيامه من السلطات السودانية صاحبة الاختصاص ممثلة في إدارة المصنفات الأدبية والفنية بولاية الخرطوم ومجلس المصنفات الأدبية والفنية الاتحادي، في خطوة وجدت استنكارا واستهجانا من الوسط الثقافي والاجتماعي بالسودان.
ومن المشاريع الثقافية التي لا تزال قيد التخلق، مشروع "الحجاي" للفنان محمد يحيى، والذي يهدف إلى نشر المعرفة بالتراث السوداني عن طريق القصص المصورة والمرسومة والأحاجي، التي تقدم للأطفال عبر الوسائط الجديدة: اليوتيوب والإذاعة والرسوم المتحركة وألعاب الحاسوب.
يقول محمد يحيى إن المشروع قُدم إلى مجموعة من الوزارات في عام 2006 كمشروع قومي، لكنه لم يجد اهتماماً يذكر، ما دفعه إلى تحويله لمشروع خاص وربحي، مشيراً إلى أنه فشل في الحصول على تمويل بعد مشاركته في مسابقة "مشروعي" ونال المركز الخامس، مضيفاً بأنه أنشأ حملة لطرح المشروع للتمويل الجماعي، موضحاً أن صيغة التمويل الجماعي مشهورة في العالم وغرضها دعم الفنانين بتمويل بعيد من مخالب الشركات وضغوط وقيود البيروقراطية.
(السودان)