مسيح مخلّص أم مسيح دجال؟

16 أكتوبر 2018
+ الخط -
مع بدايات يوم السادس والعشرين من شهر مارس/ آذار 2015، انتشرت أصوات مرعبة في السماء، وهزات عنيفة في الأرض. بهذه الحوادث استهل المخلّص مشواره في رحلة تخليص اليمن من الانقلاب كما ادعى بذلك في بيانه الذي تلاه في تلك الليلة، والذي كان محجوبا خلف نوايا الغدر، والاستعمار، وظاهراً بمفردات العون والمحبة.

أطل علينا هذا المخلص على هيئة مسيح منقذ، ملوحاً بإشارات السلام، ومُظهراً في عينيه بريقا فيه علامات من الخوف علينا والحب لنا في آن واحد.

في ذلك الوقت، تلألأت أعين الكثيرين إشراقاً، وابتهجت نفوسهم فرحاً، بقدوم هذا المسيح المخلص، وبما يحمله من الخير، والسلام. إلا أنه ما إن بدأ هذا القادم يزأر بأزيز طائراته في سمائنا، ومجلجلاً بوقع صواريخه في أراضنا، حسبنا أنه جاء ليحسم حرباً وفق غاية أردناها نحن له، وبعد أن أنهى مهمته الأولى في تدمير الدفاعات العسكرية من طائرات حربية، وصواريخ، ومدرجات طيران بشرنا بإعادة الأمل، فما كان من هذا الأمل إلا مزيدا في إطالة مدة الحرب لعدم تلاقي الحل مع هواه ومطامعه، ومزيدا من تعقيد حل الأزمة اليمينة، ومزيدا في أعداد اللاجئين، ومزيداً في حالات الفقر والمرض والتشرد.


قام هذا المخلص بالربط على إحدى عينيه ليرى بعين واحدة وهي عين مصلحته، وعين رغبته وهواه، فأصبح بعينه الواحدة هذه مسيحاً أعور دجالاً.

مر الزمان وأصبحت عينه العوراء تقدح بالشرر المتطاير، فانكشف الغطاء عن مكنون صدره الدفين بالبغض وارتفع الستار عن نفسه الأمّارة بالسوء. أما أعين الناس المتلألئة إشراقاً فقد خبا بريقها، ونفوسهم المليئة بهجةً قد بهتت من هول ما رأت من هذا الأعور.

فما كان من هذا المخلص الأعور إلا تسليط عينه على موارد البلاد وثرواتها المدفونة، يريد امتصاصها تماماً كما يمتص البعوض دم الإنسان. وما كل هذا ليزداد غنى، ويأمن على مستقبله، ولا ضير من أن يظل هذا البلد يرتع في فقره، فهو من حين لآخر سيرمي له ببعض ما يسد رمقه، فسيعطيه من المال ما يشتري به طعامه وليس ما يبني به ذاته.

حتى جزيرتنا سقطرى لم تسلم من جشعه، فأظهرت تصرفاته فيها أنه كان طامعا بها منذ سنوات، فما إن سنحت له الفرصة، قام بإنزال جنوده فيها، يريد استعمارها، لما تختص به هذه الجزيرة من جواهر نباتية وحيوانية وجغرافية.

قدم إلينا هذا المخلص الأعور ليسيطر على قرارنا، وينهب ثرواتنا، ثم قام بإرسال أكياس من الدقيق نتسولها منه. أخذ ألوان الجمال من نفوسنا، فقام بطلاء بعض الجدران والمباني، وقام بخنق شريان حياتنا، فدمر اقتصادنا، ونكب عملتنا، ثم مدّنا بحفنة من الدولارات ليبيعنا الوهم ليس إلا.

أقبل إلينا صانعاً للسلام، فصنع عصابات القتل، وخلايا الاغتيالات، ومعتقلات التعذيب. بشّرنا بالحفاظ على الوحدة فزرع الفتنة، وأقام حواجز من الكراهية والضغينة، فوسَع الشرخ، وعمَق الهوة بينا.

أصبح هذا الدجال الأعور يصول ويجول دون رقيب أو حسيب، لا يأبه بالأنفس التي تزهق بمرور السنين، ولا البطون التي تدخل حيز المجاعة، ولا العوائل التي تدخل دائرة الفقر. عمل على إطالة مدى الحرب حتى يحقق ما يريد، وينهيها بالطريقة التي يرغب هو بها. يريد أن يخرج من بلادنا بعد أن يصنع جيشاً بمعاييره هو، ويحمل عقيدة هو يرضاها، تماماً كما فعل المستعمرون الأوائل من الإنكليز والفرنسيين والأميركيين.

لقد تشكل هذا الدجال الأعور في تحالف عمودي قُطباه مملكة وإمارة الشر، إلا أنه لا بد من عيسى يقف في وجه هذا الشر، وما هذا العيسى إلا وعي الشعب بألاعيبه البهلوانية، وخدعه البصرية.

إن وعي الشعب هو ما يعوّل عليه، حتى يمنع هذا الدجال من أن يعيث في أرضنا فسادا، ويتجذر أكثر فأكثر في ربوع بلادنا.