يرتقب أن يبت البرلمان المغربي في قرار تخصيص مبلغ مالي ضخم بهدف ترميم مسرح سرفانتس الكبير، وهو معلم ثقافي وفني ومعماري إسباني وهبته مدريد أخيراً للرباط، خاصة أن هذا المسرح التاريخي بات يقاسي الإهمال وغياب العناية، ما دفع عدداً من النشطاء إلى دق ناقوس الخطر بشأن مصير هذه البناية.
وهبت إسبانيا ملكية أرض ومبنى "مسرح سرفانتس الكبير" في طنجة للمغرب في شكل هبة لا رجعة فيها بموجب بروتوكول تم توقيعه مؤخراً بمناسبة زيارة العاهل الإسباني فيليبي السادس وعقيلته للرباط، حيث ينص الاتفاق على ترميم البناية برمتها، مع احترام الهندسة المعمارية الأصلية، سواء هندسة الواجهة أو داخل البناية، والحفاظ على التصميم الأصلي للمسرح.
وسيقدم المغرب إلى اللجنة المشتركة المنصوص عليها في المادة 5 من الاتفاق، مشروعا لإعادة تأهيل الصرح الثقافي، خلال فترة زمنية محددة. وستجري أعمال الترميم خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات، ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك، كما يتعهد المغرب بتحمل جميع تكاليف ترميم وتجديد وإدارة المبنى مع الحفاظ على اسم المسرح وصون رمزيته وتاريخه.
تاريخياً، انتهت الأشغال لتشييد مسرح سرفانتس عام 1913، أي سنة واحدة بعد معاهدة "الحماية" الاستعمارية للمغرب، وذلك في مدينة طنجة شمال البلاد، والتي كانت وقتها تخضع للسيادة الدولية، ووضع تصميمه المهندس الإسباني دييغو غومير، وكان يضم 1400 مقعد، ومدرجاً نصف دائري، كما كان مجهزاً بمختلف المعدات والتجهيزات التي تتوفر لدى أكبر المسارح الأوروبية.
أهدته إسبانيا أخيراً للمغرب(Getty)
وبعد مرور 15 عاماً على بنائه، قرر مالكا مسرح سرفانتس، وهما مانويل بينيا وزوجته أوليانا إسبرانسا، التنازل عن هذه الملكية لفائدة الحكومة الإسبانية التي عملت على رعايته باعتباره عنصراً ثقافياً داعماً للحضارة الإسبانية في شمال أفريقيا، وشهد طيلة سنوات العديد من العروض المسرحية الإسبانية والأوروبية.
وقررت الحكومة الإسبانية في عام 1962 إغلاق مسرح سرفانتس بعد أن خفت إشعاعه المحلي والدولي، وأيضا من أجل إجراء عمليات الترميم في عدد من جوانبه وفضاءاته التي تعرضت للإهمال والتآكل والتخريب، غير أن هذه التدابير لم تستطع إعادة الحيوية إلى هذا المسرح الكبير.
وتحول المسرح المذكور إلى "عبء ثقافي ومعماري" على كل من المغرب وإسبانيا، فمن ناحية الجانب الإسباني كان المسرح يتطلب ميزانية مالية كبيرة ليتحول إلى مصاف المسارح العالمية، وهو ما لم تتجرأ مدريد على القيام به بالنظر إلى ظروفها الاقتصادية، وأيضا غياب الاهتمام بجانب المعمار الثقافي لمعلم لا يوجد على أراضيها.
واعتبرت أحزاب إسبانية أن تحويل ملكية المسرح إلى المغرب ليس خسارة للتراث التاريخي للمملكة الإيبيرية، باعتبار أن تكليف المغرب بهذا المعلم من حيث ترميمه وإصلاح "أعطاب الدهر" التي طاولته أفضل بكثير من تركه مهملا تحت رحمة الظروف، وبالتالي تكون إسبانيا، وفق هذه الأحزاب، قد ربحت على واجهتين، الأولى إعادة الحياة إلى مسرح سرفانتس، والثانية تكثيف التعاون الثقافي والفني والعمراني مع الرباط.
يتطلب الترميم ميزانية ضخمة (Getty)
وأما من ناحية المغرب، فإنه لم يكن يستطيع القيام بأشياء كبيرة لإعادة الحياة إلى مسرح سرفانتس، لأن الترميم يتطلب ميزانية مالية كبيرة، طبعاً ولأن هذا المعلم المعماري التاريخي والفني تعود ملكيته إلى إسبانيا، ولا يمكن أن تتكبد المملكة مصاريف ترميم وإصلاح المسرح، وهو في عهدة الدولة الإسبانية.
وبعد أن تقرر خلال لقاء العاهل الإسباني فيليبي السادس بالملك المغربي محمد السادس في فبراير/شباط الماضي، نقل ملكية المسرح نهائيا وبدون رجعة إلى الحكومة المغربية، بطلب من هذه الأخيرة، بات متاحا قانونيا أن تقوم الرباط بهذه الترميمات لعدد من فضاءات المسرح المهملة، وذلك باتفاق مع الجانب الإسباني، وأيضا شرط "المحافظة على طابع الثقافة والهوية الإسبانية للبناية".
وتوزعت المواقف حيال حصول المغرب على ملكية مسرح سرفانتس بين مؤيد ومتحفظ، فالطرف المؤيد يرى أن حيازة ملكية أقدم مسرح في المغرب بعد سنوات من "الموت البطيء"، نتيجة الإهمال العمراني والثقافي، تتيح له إنعاش هذه الذاكرة الفنية العريقة، وتصالح سكان طنجة مع مثل هذه المعالم التراثية والتاريخية الثقافية.
وفي هذا الصدد أفاد محمد أمحجور نائب عمدة مدينة طنجة في تصريحات للعربي الجديد، بأن قرار نقل ملكية المسرح الكبير إلى المغرب، وقرار ترميمه وإصلاح ما فسد منه، يعد نوعا من إعادة الاعتبار لهذا المعلم التراثي، مبرزا أن المغرب هو الرابح في هذه التدابير، ربحا معنويا وحضاريا وثقافيا قبل كل شيء".
وأشار المتحدث إلى أن هبة إسبانيا بشكل نهائي لا رجعة فيه لملكية مسرح سرفانتس للمغرب، هي نتيجة إيجابية توجت العديد من الاتصالات والاجتماعات والمجهودات التي بذلها الطرف المغربي ممثلا خصوصا في "الجماعة الحضرية" لمدينة طنجة ووزارة الثقافة، مع وزارة الثقافة في الجانب الإسباني.
وبالمقابل رأى آخرون في طلب المغرب حيازة ملكية مسرح سرفانتس الكبير بمدينة طنجة، بشرط ترميمه وإصلاحه والتكفل بمصاريفه المالية، وأيضا صون هويته الإسبانية التي انطلق منها، نوعا من "الترف الحضاري والثقافي".
يقول حميد صبور الناشط في الشأن الثقافي المحلي، للعربي الجديد، إن الغلاف المالي الضخم الذي سيخصص قريبا من أجل ترميم المسرح كان من الممكن أن يذهب إلى قطاعات أكثر أهمية، أو إقامة مشاريع للشباب العاطل، وغيرها من المبادرات الاجتماعية الملحة" وفق تعبيره.
وهبت إسبانيا ملكية أرض ومبنى "مسرح سرفانتس الكبير" في طنجة للمغرب في شكل هبة لا رجعة فيها بموجب بروتوكول تم توقيعه مؤخراً بمناسبة زيارة العاهل الإسباني فيليبي السادس وعقيلته للرباط، حيث ينص الاتفاق على ترميم البناية برمتها، مع احترام الهندسة المعمارية الأصلية، سواء هندسة الواجهة أو داخل البناية، والحفاظ على التصميم الأصلي للمسرح.
وسيقدم المغرب إلى اللجنة المشتركة المنصوص عليها في المادة 5 من الاتفاق، مشروعا لإعادة تأهيل الصرح الثقافي، خلال فترة زمنية محددة. وستجري أعمال الترميم خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات، ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك، كما يتعهد المغرب بتحمل جميع تكاليف ترميم وتجديد وإدارة المبنى مع الحفاظ على اسم المسرح وصون رمزيته وتاريخه.
تاريخياً، انتهت الأشغال لتشييد مسرح سرفانتس عام 1913، أي سنة واحدة بعد معاهدة "الحماية" الاستعمارية للمغرب، وذلك في مدينة طنجة شمال البلاد، والتي كانت وقتها تخضع للسيادة الدولية، ووضع تصميمه المهندس الإسباني دييغو غومير، وكان يضم 1400 مقعد، ومدرجاً نصف دائري، كما كان مجهزاً بمختلف المعدات والتجهيزات التي تتوفر لدى أكبر المسارح الأوروبية.
أهدته إسبانيا أخيراً للمغرب(Getty)
وبعد مرور 15 عاماً على بنائه، قرر مالكا مسرح سرفانتس، وهما مانويل بينيا وزوجته أوليانا إسبرانسا، التنازل عن هذه الملكية لفائدة الحكومة الإسبانية التي عملت على رعايته باعتباره عنصراً ثقافياً داعماً للحضارة الإسبانية في شمال أفريقيا، وشهد طيلة سنوات العديد من العروض المسرحية الإسبانية والأوروبية.
وقررت الحكومة الإسبانية في عام 1962 إغلاق مسرح سرفانتس بعد أن خفت إشعاعه المحلي والدولي، وأيضا من أجل إجراء عمليات الترميم في عدد من جوانبه وفضاءاته التي تعرضت للإهمال والتآكل والتخريب، غير أن هذه التدابير لم تستطع إعادة الحيوية إلى هذا المسرح الكبير.
وتحول المسرح المذكور إلى "عبء ثقافي ومعماري" على كل من المغرب وإسبانيا، فمن ناحية الجانب الإسباني كان المسرح يتطلب ميزانية مالية كبيرة ليتحول إلى مصاف المسارح العالمية، وهو ما لم تتجرأ مدريد على القيام به بالنظر إلى ظروفها الاقتصادية، وأيضا غياب الاهتمام بجانب المعمار الثقافي لمعلم لا يوجد على أراضيها.
واعتبرت أحزاب إسبانية أن تحويل ملكية المسرح إلى المغرب ليس خسارة للتراث التاريخي للمملكة الإيبيرية، باعتبار أن تكليف المغرب بهذا المعلم من حيث ترميمه وإصلاح "أعطاب الدهر" التي طاولته أفضل بكثير من تركه مهملا تحت رحمة الظروف، وبالتالي تكون إسبانيا، وفق هذه الأحزاب، قد ربحت على واجهتين، الأولى إعادة الحياة إلى مسرح سرفانتس، والثانية تكثيف التعاون الثقافي والفني والعمراني مع الرباط.
يتطلب الترميم ميزانية ضخمة (Getty)
وأما من ناحية المغرب، فإنه لم يكن يستطيع القيام بأشياء كبيرة لإعادة الحياة إلى مسرح سرفانتس، لأن الترميم يتطلب ميزانية مالية كبيرة، طبعاً ولأن هذا المعلم المعماري التاريخي والفني تعود ملكيته إلى إسبانيا، ولا يمكن أن تتكبد المملكة مصاريف ترميم وإصلاح المسرح، وهو في عهدة الدولة الإسبانية.
وبعد أن تقرر خلال لقاء العاهل الإسباني فيليبي السادس بالملك المغربي محمد السادس في فبراير/شباط الماضي، نقل ملكية المسرح نهائيا وبدون رجعة إلى الحكومة المغربية، بطلب من هذه الأخيرة، بات متاحا قانونيا أن تقوم الرباط بهذه الترميمات لعدد من فضاءات المسرح المهملة، وذلك باتفاق مع الجانب الإسباني، وأيضا شرط "المحافظة على طابع الثقافة والهوية الإسبانية للبناية".
وتوزعت المواقف حيال حصول المغرب على ملكية مسرح سرفانتس بين مؤيد ومتحفظ، فالطرف المؤيد يرى أن حيازة ملكية أقدم مسرح في المغرب بعد سنوات من "الموت البطيء"، نتيجة الإهمال العمراني والثقافي، تتيح له إنعاش هذه الذاكرة الفنية العريقة، وتصالح سكان طنجة مع مثل هذه المعالم التراثية والتاريخية الثقافية.
وفي هذا الصدد أفاد محمد أمحجور نائب عمدة مدينة طنجة في تصريحات للعربي الجديد، بأن قرار نقل ملكية المسرح الكبير إلى المغرب، وقرار ترميمه وإصلاح ما فسد منه، يعد نوعا من إعادة الاعتبار لهذا المعلم التراثي، مبرزا أن المغرب هو الرابح في هذه التدابير، ربحا معنويا وحضاريا وثقافيا قبل كل شيء".
وأشار المتحدث إلى أن هبة إسبانيا بشكل نهائي لا رجعة فيه لملكية مسرح سرفانتس للمغرب، هي نتيجة إيجابية توجت العديد من الاتصالات والاجتماعات والمجهودات التي بذلها الطرف المغربي ممثلا خصوصا في "الجماعة الحضرية" لمدينة طنجة ووزارة الثقافة، مع وزارة الثقافة في الجانب الإسباني.
وبالمقابل رأى آخرون في طلب المغرب حيازة ملكية مسرح سرفانتس الكبير بمدينة طنجة، بشرط ترميمه وإصلاحه والتكفل بمصاريفه المالية، وأيضا صون هويته الإسبانية التي انطلق منها، نوعا من "الترف الحضاري والثقافي".
يقول حميد صبور الناشط في الشأن الثقافي المحلي، للعربي الجديد، إن الغلاف المالي الضخم الذي سيخصص قريبا من أجل ترميم المسرح كان من الممكن أن يذهب إلى قطاعات أكثر أهمية، أو إقامة مشاريع للشباب العاطل، وغيرها من المبادرات الاجتماعية الملحة" وفق تعبيره.