مسرحٌ في المدرسة.. ولكن

27 فبراير 2016
جان كلود فروبل/ فرنسا
+ الخط -

يبدو أن المسرح سيدخل المقرّرات الدراسية في الجزائر قريباً، تطبيقاً لاتفاقية أُبرمت بين وزارتي الثقافة والتربية في آذار/ مارس من العام الماضي، وتنصّ على "تطوير النشاطات الفنية والثقافية في الوسط المدرسي".

في ندوة صحافية عُقدت اليوم في الجزائر العاصمة، كشف مدير المسرح الوطني محمد يحياوي عن انطلاق عدد من الورشات التكوينية الخاصّة بإدماج المسرح في البرنامج الدراسي الخاص بالمراحل التعليمية الثلاث (الابتدائي والإكمالي والثانوي) ابتداءً من الـ 27 من الشهر المقبل، في خطوة تحضيرية لتدريس المسرح كمادّة قائمة بحدّ ذاتها.

ووفقاً ليحياوي، سيشارك في هذه الورشات مختصّون في المجالات التربوية والمسرحية، وسيستفيد منها الأساتذة والمعلمون في الأطوار الثلاث قبل اعتمادهم كـ "منشّطين مسرحيين" في المدرسة، وفق تعبيره.

أضاف يحياوي أنه، وإضافةً إلى الورشات التكوينية، ستُقام موائد مستديرة تجمع مختصّين في المجالات التربوية والفنون الدرامية بهدف "وضع الأسس الكفيلة بإدماج المسرح كمادة دراسية"، مشيراً في هذا السياق إلى أن لجنة مشتركة بين وزارتي الثقافة والتربية ستُشكّل لاحقاً لمتابعة المشروع "من أجل إعطاء نفَس جديد للنشاطات الفنية داخل المدرسة الجزائرية".

شارك في الندوة أيضاً عدد من الباحثين المشاركين في المشروع؛ من بينهم المتخصّص في الدراما التعليمية العربي عطّاوي الذي أشار إلى ضرورة توظيف المسرح والدراما في المناهج المدرسية، وجمع الأستاذ بين الجانب البيداغوجي والمسرحي الذي "يُعتبر أداةً هامّة لاكتشاف قدرات التلاميذ التعبيرية".

من جهته، اعتبر الأكاديمي إسماعيل بوزيدي أن إدراج المسرح في المقرّرات الدراسية من شأنه "تحقيق مبادئ التربية والتعليم المعمول بها عالمياً"، مضيفاً أن "المسرح التربوي يُعدّ استراتيجية للتنمية اللغوية، لاعتماده على النصوص الحوارية بالدرجة الأولى".

أمّا المختصّ في علم النفس، مصطفى بوختالة، فربط بين ظاهرة انتشار العنف المدرسي بغياب ما أسماه المسرح التربوي، مضيفاً أن "المدرسة خزّان للطاقات الإبداعية التي تحتاج إلى احتوائها في ميادين مختلفة، من بينها المسرح".

ما من شكّ في أن إدراج المسرح في المقرّرات الدراسة يمثل خطوة إيجابية طالما دعا إليها المسرحيون والأكاديميون على حدّ سواء، ولم تكد توصيات مختلف المهرجانات والملتقيات الصحفية تخلو من المطالبة بها. لكن، وبعيداً عن الجانب التنظيري الذي طغا على الندوة الصحافية، فإن تطبيق المشروع على أرض الواقع لن يكون سهلاً، وأهدافه لن تكون مضمونةً، إذا ما جرى تطبيقها بنفس الأساليب البيداغوجية التي تعتمدها المدرسة الجزائرية (والعربية عموماً).

قبل المسرح، كان الجزائريون يدرسون مادتي الرسم والموسيقى أيضاً، ويعرف الجميعُ أن التعامل مع هاتين المادتين لم يكن يخرج عن إحدى طريقتين: إمّا التعامل معها كوسيلة لتزجية أوقات الفراغ خارج أوقات دراسة المواد الأساسية (كثيراً ما تُمارس من دون توفير أدواتها)، أو كمواد يُتعامل معها بصرامة مبالغ فيها ولا تأخذ بعين الاعتبار ميولات التلاميذ ورغبتهم في ممارستها. وهكذا، تتحوّل من مجالات إبداعية يُفترض أن يمارسها التلميذ بنوع من الرغبة والحب إلى عبء إضافي؛ حيث يُطالب بتعلّمها واستيعابها وربما التفوّق فيها من أجل تحصيل علامة دراسية.

وبسبب هذه الرؤية في تدريس تلك المواد، لم ينتج تعليمهما مبدعين في الرسم أو الموسيقى، فمن يبدعون في هذين المجالين هم أولئك الذين تتوفّر لديهم الرغبة والموهبة فيهما، من دون أن يشعروا أن المدرسة أضافت إليهم شيئاً، وبعضهم يقرّر إكمال دراستهما أكاديمياً لاحقاً، أو الاكتفاء بممارستهما بعيداً عن الجانب الأكاديمي.

بالطبع، قد لن يبتعد تدريس المسرح عن حالتي الرسم والموسيقى، إذا ما استمرّت تلك الرؤية التي ترتكز على التلقين وعلى كونها مجرّد مادة يُطالب التلميذ باستيعابها لتقديم أجوبة صحيحة يوم الامتحان، من دون أخذ هوامش الخيال والإبداع بعين الاعتبار.



اقرأ أيضاً: "ألف كتاب وكتاب": سنوات التكديس

المساهمون