مسرحية الانتخابات السورية: اقتراع بـ"الواتس آب" والمساجد للدعاية

04 يونيو 2014
انتخاب في سورية عبر الواتس اب (العربي الجديد)
+ الخط -

فاقت التجاوزات التي شابت مسرحية الانتخابات الرئاسية السورية، التوقعات، وصلت إلى اقتراع الناخب أكثر من مرة، وممارسة كافة أشكال التهديد والوعيد، والانتخاب عبر "الواتس آب".

تجاوزات حلب

عمّ الركود شوارع مدينة حلب خلال يوم الانتخابات، واقتصرت أعداد المارين فيها على العشرات، وخلافاً لما تناقلته وسائل الأعلام السورية الرسمية عن الإقبال الكثيف منذ ساعات الصباح، يؤكد ناشطون بأن أعداد الوافدين على هذه المراكز خيبت بشدة آمال النظام.

يتحدث أحمد، وهو سائق أجرة، عن تراجع حركة المواصلات العامة والأعمال التجارية في يوم الانتخابات، ويجزم بأنه "لم يرَ أكثر من ثلاثة باصات وسيارات (للشبيحة) في الشارع طوال النهار، وأرصفة الشوارع التي تفترشها البسطات كانت خالية أيضاً".

ويوضح أحمد أن "تضارب الأنباء والإشاعات التي سبقت اليوم الانتخابي جعل الناس يلتزمون منازلهم، ولم يخرج الا المجبرون على الانتخاب وهم غالباً من الطلاب الجامعيين والموظفين".

زخم المراكز الانتخابية وشح في الناخبين

بلغت أعداد المراكز الانتخابية في حلب 800 مركز، بحسب وكالة "سانا" السورية. لكن عدد هذه المراكز كان مفاجأة للأهالي مقارنة بالعدد القليل للأحياء التي لا تزال تحت سيطرة النظام.

ويقول ضياء إن "المراكز الانتخابية توزعت في جميع المؤسسات والمراكز الحكومية وبعض المنشآت غير الحكومية التي يمتلكها الشبيحة، إذ تواجد في الحي الواحد عشرات المراكز، وهذه الأعداد المبالغ بها كانت محاولة من النظام لتشجيع الناس على الخروج من بيوتهم للانتخاب".

ووفق أحمد، قامت بعض مآذن المساجد بإعلام الناس بأماكن تواجد هذه المراكز الانتخابية. ويوضح أن "استخدام المآذن كانت طريقة مستفزة للناس، وخصوصاً بعدما منع النظام نعي أسماء الأموات والشهداء عبر هذه المآذن منذ أشهر، ليأتي اليوم وتعلن عن مراكز الانتخاب، كل هذا لم ينجح، فقد مرت معظم ساعات النهار ومعظم المراكز خالية من الناخبين".

الانتخاب عبر "الواتس آب"

أما عن الطريقة الانتخابية التي تم اعتمادها في هذه المراكز الانتخابية فتقول هالة، وهي طالبة جامعية، "اضطررتُ إلى دخول المركز الانتخابي بسبب مروري به قبل قاعة الامتحان، حيث توجد لجنة في القرب من كل صندوق. وفي كل لجنة، يوجد واحد من الطلاب من أعضاء الفرقة الحزبية مهمتها مراقبة الطلاب أثناء الانتخاب". وتشرح أن هناك غرفة سرية، لكن "لم يتجرأ أحد على الدخول إليها، لأنه سيكون متهماً أمام أعين اللجنة. رقمي في سجل الناخبين هو رقم الظرف ذاته الذي وضعت فيه صوتي، بالتالي يسهل الوصول إلى اسم أي شخص لم ينتخب الأسد".

وتؤكد الطالبة الجامعية أن "الأمر كان فكاهياً أكثر منه جدياً وكأننا جميعاً في مسرحية، لكن دموية".

من جهته، يتحدث عصام عن التجاوزات التي شهدها خلال الانتخابات فيقول إن "بعض زملائي المؤيدين انتخبوا (الرئيس بشار) الأسد، عشرات المرات، ولم يمنعهم أحد حتى إنهم لا يخفون الأمر ويتباهون به. تم الانتخاب بواسطة الهوية الشخصية، وقد رأيت شخصاً يرتدي زياً عسكرياً، يستقبل عبر تطبيق الواتس آب، صوراً لهويات شخصية ليقوم بالتصويت بالنياية عنها، وتسجيل الأسماء في السجلات الانتخابية، ومصدر هذه الصور كان مجهولاً لنا".

وتضيف إحدى أعضاء اللجان الانتخابية، التي رفضت الكشف عن اسمها، أنّ "العدد الحقيقي للناخبين في المركز الذي عملت فيه لم يتجاوز الثلاثين ناخباً. وعند إبلاغنا أحد أعضاء فرع الحزب (البعث) بهذا العدد، جاءنا توجيه بقبول التصويت عبر الهاتف في المركز، بحجة أهمية التعاون مع الناس بسبب خوفهم من القذائف، وهذا ما حدث، إذ أغلقنا باب المركز وبدأنا بنقل بيانات المصوتين المجهولين عبر الهاتف خلال آخر ساعتين، وكنتُ مجبرة على فعل كل هذا".

تشير هالة إلى أن المشهد الانتخابي لم يخلُ من بعض المواقف الطريفة، فقد أغلق المؤيدون جميع أبواب الكلية في حلب، وكتبوا على الباب الوحيد الذي بقي مفتوحاً عبارة "لا تخرج قبل أن تنتخب". ويؤكد عصام، بدوره، أن بعض التصرفات الجنونية قام بها "شبيحة حلب" بالفعل في الساعات الاخيرة قبيل إغلاق صناديق الاقتراع، إذ توجه بعضهم إلى مراكز إيواء النازحين والفقراء، وبدأوا يعدونهم بتوزيع وجبات عشاء عند إغلاق الصناديق إن هم أدلوا بأصواتهم، ثم جيء بالعشرات منهم إلى المركز الانتخابي. كما هددوا بملاحقة كل من لا يقوم بأداء واجبه في الانتخاب".

أمنياً، حلقت طائرات النظام تكراراً في سماء المدينة على علوٍ منخفض ما سبب حالة من الهلع بين الناس. كما شهدت مناطق الجميلية وساحة سعد الله والرازي وحلب الجديدة والأشرفية سقوطاً لقذائف الهاون. وقامت قوات النظام صباحاً بقطع عدد من الطرق بالسيارات والدواليب، وأقامت العديد من الحواجز الطيارة التي قامت بدورها بعمليات تفتيش دقيق للسيارات والهويات. ويقول صادق، إنه "عند دخولي للحي، أوقفني الحاجز مع عدد من الشبان وسألنا فيما إذا انتخبنا الرئيس، مررت بسلام عندما رأى الحبر على إصبعي، واحتجز شاباً لأنه لم ينتخب".

تجاوزات في دمشق

وفي دمشق، تصدّرت التجاوزات التي ارتكبت في مراكز الاقتراع، الانتخاب غير الشخصي، فكان يأتي شخص ببطاقة شخصية أو بطاقات عدة، ويقوم بتسجيلها في سجل المقترعين والاقتراع، في حين ينص قانون الانتخابات السورية على أن الاقتراع يتم فقط بشكل شخصي، ويمنع أي نوع من أنواع الوكالات، الأمر الذي لم يطبق في العديد من المراكز الانتخابية.

وتمت حالات اقتراع عدة موثقة عبر البطاقة الشخصية، أو صور ورقية عنها أو الكترونية، لمواطنين في داخل البلاد أو خارجها.

كما قام أشخاص كثُر بالإدلاء بأصواتهم مرات عدة، في مراكز انتخابية، في وقت لم يتم الالتزام بوضع الحبر السري على إصبع المقترع.

وقال ناشطون لـ"العربي الجديد"، إن "الآليات التي يتبعها النظام في مراقبة الانتخابات، آليات مشلولة، بسبب تخلفها، ولأن القائمين عليها موالون للأسد، وهم يعتبرون هذه المخالفات "بطولة وتعبير عن ولائهم".

وأضافوا أن "جميع السوريين الموالين والمعارضين، وخصوصاً المشاركين في هذه الانتخابات، يعلمون أنها مسرحية محسومة النتيجة لصالح الأسد، وبناءً على ذلك، لم تنزع صوره من شوارع دمشق، على الرغم من أن هناك فترة صمت تسبق يوم الانتخابات بـ24 ساعة، يتم خلالها إزالة جميع مظاهر حملات الدعاية الانتخابية، الأمر الذي طبق على المرشحَين حسان النوري، وماهر حجار، ولم يطبق على الأسد، تحت حجة أنها "مبادرات شعبية وأهلية ونقابية".

ورصد "العربي الجديد" أجواء الانتخابات الرئاسية السورية في دمشق، حيث كان الإقبال على مراكز الانتخابات منخفضاً بشكل لافت، في ظل شبه انعدام لحركة السيارات والمارة، وانتشار أمني كثيف.