لا ندري كيف انزلق كتبةٌ ومفكرون من مختلف الجنسيات في العقدين الأخيرين إلى إثارة ما أثاروا من ضجيج حول أفكار مستهلكة من قبيل "نهاية التاريخ" و"صدام الحضارات"؟ فهذا فصلٌ لم يكتب حتى الآن من فصول الدجل الرأسمالي الجديد.
لكننا نعرف أنه تم تعليق مصائر ومخاوف الحضارة المعاصرة بنزوة ياباني طريف هو أقرب ما يكون إلى رجل الأعمال لا المفكر، وهو يحاول قلب منطق هيغل ليعود إلى السير على رأسه ماحياً بذلك جهود أكثر من قرن ونصف القرن في الفلسفة والتاريخ والاقتصاد أقامته على قدميه؛ تعليق تاريخ الصراع البشري المعقد بميكانيكية ساذجة لرجل ظن أن خريطته هي الأرض ذاتها لا مجرد تقريب ذهني لواقع أعمق تمازجت فيه الحضارات وتلاقحت منذ بدء الخليقة، وإنْ ظنَّها الميكانيكيون، خدمة لتجار الأسلحة، كتلاً متصادمة ومجتمعات متنافرة.
كلتا "الفكرتين": نهاية التاريخ وحتمية صدام الحضارات ما دامت كتلاً جيولوجية، تنتمي إلى القرون الغابرة. فالأولى مستلّة من أساطير حلول العصر الألفي السعيد في آخر الزمان، أما الثانية فمستلّة من ميكانيك نيوتن الذي لم يكتمل القرن التاسع عشر إلاّ وتم تحجيمه وإنزاله عن عرشه، الذي تبوأه طيلة ثلاثة قرون ارتُكب فيها ما ارتكب على صعيد الأخلاق والمجتمع والسياسة والاقتصاد، على يد النسبية وفيزياء الكوانتم.