مستقبل العلاقات العربية الفلسطينية

30 يونيو 2019
+ الخط -
كثيرة هي التوصيفات وكثيفة هي التبعات التي سيتركها مؤتمر البحرين لا على مستوى القضية الفلسطينية؛ أو التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل فقط، لكن على مصير ومستقبل العلاقة بين الأنظمة العربية وكافة مكونات القضية الفلسطينية الرسمية والشعبية، وبين الأنظمة العربية ذاتها المشاركة والرافضة للمشاركة؛ وبين هذه الأنظمة وشعوبها؛ حتى الوصول لنتيجة مفادها بأن القضية الفلسطينية لم تعد أولوية أو مدخلاً للشرعية لدى الدول العربية عموماً ودول الخليج على وجه التحديد.

سيفضي مؤتمر البحرين لعملية تحول في القناعات والثوابت والمسلمات في مقدمتها أن تصفية القضية الفلسطينية تحدث على يد الأنظمة العربية. الأمر الذي سينتج كثيراً من التبعات أهمها أن الفلسطينيين لم يعد يراهنون على الدور العربي بالمطلق سواء في التسوية أو في الحرب. ولا يُستبعد هنا تولد قناعة فلسطينية شعبية وربما رسمية بأن الدول العربية باتت تقف في صف إسرائيل ضد إرادتهم وحريتهم واستقلالهم بمعنى وضع الأنظمة العربية فلسطينياً في سلة واحدة مع الاحتلال.

أول مظاهر وتبعات انعقاد مؤتمر البحرين فلسطينياً وجود اتفاق بين كافة مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية بأن انعقاد المؤتمر يعد طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني وهو ما عبر عنه واتفق عليه قادة الفصائل الفلسطينية بأن مؤتمر المنامة يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وبمثابة "طعنة" في ظهر الشعب الفلسطيني، ويهدف لمقايضة حقوق الشعب الفلسطيني بالمال، وتعزيز التطبيع العربي مع إسرائيل.

أفضى مؤتمر البحرين فلسطينياً إلى نتيجة مفادها أنه لم تعد القضية الفلسطينية أولوية في عُرف الأنظمة العربية التي تبنت طوال سنوات مسيرة التسوية السلمية أنها لن تقبل بالسلام والتطبيع وإقامة علاقات مع إسرائيل حتى يتم حل القضية الفلسطينية وينال الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 وهو ما ترجمته وأقرته مبادرة السلام السعودية في القمة العربية ببيروت عام 2002.

لم يُفض مؤتمر البحرين لتآكل الرهان الفلسطيني على دور عربي مزعوم أو متوقع لكنه سيُفضي إلى فك الارتباط بين فلسطين ومحيطها العربي، وإلى تولد قناعة فلسطينية عامة بأن الدول العربية لم تعد مهيأة لتحمل استحقاقات أية مواجهة جادة مع إسرائيل وواشنطن حتى ولو كانت مفاوضات، وأن هذه الدول يرتد واقعها وتحركها وتطبيعها سلباً على واقع القضية الفلسطينية ومستقبلها، وبالتالي فإنه فلسطينياً لم يعد ممكناً الرهان على أية وساطة عربية، وأن الدول العربية مستعدة للتضحية بالقضية الفلسطينية بكل مكوناتها من أجل الحفاظ على كيانها ومصالحها وبقائها وكسب ود واشنطن وتل أبيب والاقتراب منهما.

هذه المعطيات والتبعات والحقائق التي أفضى إليها مؤتمر البحرين تعني بأن مستقبل العلاقات الفلسطينية العربية لن يعود كما كان وأنه مرشح لمزيد من التوتر والتردي خاصة إذا استمر الاقتراب العربي الرسمي من إسرائيل وواشنطن على حساب القضية الفلسطينية، وأن ردة الفعل الفلسطينية الشعبية قد لا تتوقف عند حدود حرق صور ملك البحرين فقط، وقد يتطور الأمر لحرق صور كل من يتآمر مع تل أبيب وواشنطن وتكون حالة افتراق بين الشعب الفلسطيني والأنظمة العربية، وهو موقف يلتقي ويتقاطع مع مواقف عربية شعبية عديدة بدأت تتشكل وترفض وتلفظ زعماء عرباً تعتبرهم غالبية الشعوب العربية عرابي التطبيع (ما حدث في الجزائر والمغرب من هتافات جماهيرية ضد السيسي).

ما يعني تشكل حالة شعبية فلسطينية وعربية رافضة للأنظمة العربية التي تمر بواقع وظروف داخلية لا تحسد عليها لا سيما عقب ثورات الربيع العربي. ويعني اقتراب دول إقليمية وإسلامية من نبض الشارع الفلسطيني والعربي على حساب الحضور العربي الرسمي. وهو أمر لا تريده ولا ترغب به الدول العربية لأن تبعات توظيفه ستكون غاية في التعقيد، وبالتالي ستستدير الفصائل والقوى الفلسطينية للرهان ولتمكين العلاقة مع تلك الدول غير العربية- إيران وتركيا- على حساب علاقاتها مع الأنظمة العربية الرسمية لتنفك من الوصاية العربية على القضية الفلسطينية.

من ملامح هذا التوظيف وذاك الانفكاك بين فلسطين وعمقها العربي أن هناك 25 رابطة ومنظمة لعلماء الأمة الإسلامية التقت في اسطنبول قبيل انعقاد مؤتمر البحرين بأيام وعقدت مؤتمراً قالت فيه بأن "ورشة البحرين تمثل خطوة بالغة الخطورة في التآمر على القضية ‏الفلسطينيّة، بهدف تصفية قضية الأمة الأولى".

وعليه لم يعد للدول العربية تحديداً الحاضرة والمشاركة في مؤتمر البحرين القدرة على ترويض الحالة الفلسطينية التي كانت مدخلاً لهذه الدول من أجل الاقتراب من واشنطن وتل أبيب.
المساهمون