تعكف القيادة الفلسطينية على إجراء اتصالات حثيثة مع الإدارة الأميركية بهدف إقناع حكومة الاحتلال بالإفراج عن عائدات الضرائب الفلسطينية، لكن من دون جدوى، إذ كشفت مصادر فلسطينية لـ "العربي الجديد" أن الاتصال مع الإدارة الأميركية لم يتوقف بهدف الضغط على الحكومة الإسرائيلية للإفراج عن عائدات الضرائب التي تمت قرصنتها، فيما نفت المصادر أن يكون هناك أي اتصالات بين القيادة الفلسطينية وحكومة الاحتلال لهذا الهدف.
ويؤكد عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، محمد اشتية، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، "عدم وجود أي اتصالات بين قيادات فلسطينية وأخرى إسرائيلية بهدف إفراج إسرائيل عن عائدات الضرائب".
وكانت مصادر فلسطينية قد أكدت أن هناك شخصيات مقربة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قامت باجتماعات مع مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، بهدف فتح حوار غير رسمي لإقناع حكومة الاحتلال بالإفراج عن عائدات الضرائب لإنقاذ السلطة الفلسطينية من أزمتها المالية.
وحول التواصل مع الإدارة الأميركية، يوضح اشتية أن "الولايات المتحدة لديها قلق حقيقي حول وضع السلطة الفلسطينية، وهذا ما عبّر عنه وزير خارجيتها جون كيري أخيراً، وهذا القلق أيضاً يعيشه المجتمع الدولي الذي استثمر في السلطة ويرى فيها ضرورة كبيرة".
ويضيف: "كنا قد طلبنا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الضغط على إسرائيل لتفرج عن أموالنا، وهناك جهد دولي في هذا الاتجاه، لكن (رئيس الحكومة الإسرائيلية) بنيامين نتنياهو لن يسمع لهذه الضغوط، لأنه يريد عبر هذه العقوبة الجماعية أي قرصنة أموال الضرائب الفلسطينية، أن يقايض المال بالسياسة، ولكن القيادة لا يمكن أن تقايض المال بالسياسة".
ويشدد على أن "ذهابنا إلى المحكمة الجنائية الدولية لا رجعة فيه، وكل الذي تسعى له إسرائيل هو هدم هذا الإنجاز عبر هدم السلطة ومؤسساتها"، معتبراً أن "الإدارة الأميركية عاجزة عن الضغط على إسرائيل، وهي في أزمة مع نتنياهو، بسبب عدة قضايا، منها الملف الإيراني وخطاب نتنياهو في الكونغرس الأميركي، لذلك فنتنياهو لن يسمع من واشنطن أي شيء، لأنه متطرف ويريد أن ينفذ أجندته".
ويلفت اشتية "إلى أن الحصار المالي المفروض على السلطة الفلسطينية يخلق حالة من القلق الدولي، وخوفاً متزايداً من انهيار السلطة، إذا ما استمر الحصار المالي المفروض عليها"، مشيراً إلى أن "السلطة الفلسطينية تواجه اليوم، أزمتين كبيرتين، الأولى تتمثل بالرواتب، والثانية هي أزمة إعادة إعمار قطاع غزة، ولا توجد أموال لتدارك الأزمتين، لذلك فالسلطة تعاني من وضع لا تُحسد عليه".
ويحذر من أن "استمرار الوضع الراهن كما هو عليه سيؤدي إلى انهيار السلطة التي استثمر فيها المجتمع الدولي وهو غير معني بانهيارها، لكن علينا أن نقول إن السلطة على حافة الانهيار بالفعل"، متوقّعاً "أن تستمر حكومة الاحتلال في حجز عائدات الضرائب إلى ما بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية وتشكيل حكومة جديدة، لأن قرصنة أموال الفلسطينيين باتت جزءاً من الدعاية الانتخابية لنتنياهو".
اقرأ أيضاً: القيادة الفلسطينية تتجه لمراجعة التنسيق الأمني مع إسرائيل
من جهته، يؤكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد المجدلاني، لـ "العربي الجديد"، أن "الاتصال مع الإدارة الأميركية لم يتوقف بهدف الإفراج عن عائدات الضرائب التي قرصنتها إسرائيل".
ويوضح المجدلاني أن "هناك تواصلاً مع الإدارة الأميركية وأطراف دولية على رأسها الاتحاد الأوروبي، لكن هذا التواصل قائم على أساس إصرار القيادة الفلسطينية على استرجاع عائدات الضرائب من دون التنازل عن أي من الحقوق الفلسطينية، ومن دون التنازل عن الذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية".
وتعقيباً على تصريحات كيري الذي عبّر عن قلقه من استمرار احتجاز إسرائيل لعائدات الضرائب، يرى المجدلاني أن "هناك مخاوف أميركية من خطوات سوف تُقدم عليها القيادة الفلسطينية خلال اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني مطلع الشهر المقبل، إذ أدرج المجلس على أجندته وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، ومراجعة العلاقة مع الحكومة الإسرائيلية".
وكان كيري قد حذر في تصريحات لوسائل الإعلام الدولية عقب اجتماعه مع وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند في لندن، من أزمة في المنطقة إذا لم تتسلم السلطة الأموال من الحكومة الإسرائيلية.
ونقلت وسائل الإعلام عن كيري قوله "إذا أوقفت السلطة أو كانت ستوقف التعاون الأمني أو حتى قررت التوقف عن العمل نتيجة المأزق الاقتصادي، وهذا ما قد يحدث في المستقبل إذا لم يحصلوا على عائدات إضافية، فسوف نواجه حينئذ أزمة أخرى".
وكان رئيس شؤون المفاوضات صائب عريقات قد اعتبر في تصريحات إعلامية، أن نتنياهو "يريد احتجاز هذه الأموال سعياً لتدمير السلطة الفلسطينية وإبقاء الانقسام بين غزة والضفة الغربية"، مشدداً على أن "هناك حاجة ماسة لأن تتخذ دول العالم الإجراءات التي من شأنها إلزام الحكومة الإسرائيلية بوقف ما تقوم به بشكل فوري".
وتحتجز الحكومة الإسرائيلية منذ شهرين عائدات الضرائب الفلسطينية والتي تجبيها بموجب الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، والبالغة قيمتها نحو 120 مليون دولار، وتُشكّل نحو 60 في المائة من قيمة رواتب موظفي السلطة الوطنية الفلسطينية، وذلك عقاباً للسلطة الفلسطينية على انضمامها إلى المحكمة الجنائية الدولية، ما أدى إلى أزمة مالية خانقة لدى السلطة التي لم تستطع صرف رواتب موظفيها على مدار الشهرين الماضيين.