مع تفاقم أزمة النفط الروسي الملوث بخط أنابيب "دروجبا" ("الصداقة") الذي يمر عبر الأراضي البيلاروسية، واعتراض الشركات الأوروبية على جودته، تبحث روسيا عن كيفية تجاوز ذلك المنعطف بأقل خسائر مالية ممكنة والحفاظ على صورتها مصدّراً وشريكاً يمكن الاعتماد عليه.
وبدأت أزمة النفط هذه قبل أكثر من شهر، منذ أن شكت شركة "بيلنفطخيم" الحكومية البيلاروسية من سوء جودة نفط "أورالز" الروسي بسبب تجاوز النسبة المسموح بها من مركبات الكلور العضوي بعشرات الأضعاف، مما تسبب في تراجع الإنتاج بمصفاتين بيلاروسيتين وتكبدهما خسائر فادحة.
أما شركتا "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية، فترفضان سداد قيمة النفط الروسي المورد عبر "الصداقة" بسبب سوء جودته، مطالبتين بصرف تعويضات لهما.
وقدرت بيلاروسيا كمية النفط الملوث بنحو 9 ملايين برميل وبقيمة أكثر من 500 مليون دولار، وفق الأسعار السائدة حاليا.
وفي هذا الإطار، يشير رئيس قسم التحليل بصندوق أمن الطاقة الوطني في موسكو، ألكسندر باسيتشنيك، إلى أن روسيا أمامها طريقان لتسوية الأزمة الراهنة، وهما صرف تعويضات وإعادة تصدير جزء من النفط الملوث إلى الصين بأسعار مخفضة بواسطة ناقلات.
ويقول باسيتشنيك في حديث لـ"العربي الجديد": "تجري محادثات مع الشركاء بشأن مسألة التعويضات التي ستدفعها شركة "ترانس نفط" الروسية المشغلة للقسم الروسي من خط الأنابيب، ثم سيتم تحديد المسؤولين المباشرين عن هذا الوضع داخل روسيا".
وحول مصير النفط الذي تم توريده بالفعل وقيمة التعويضات المتوقعة، يضيف أن ذلك "يرجع إلى كيفية معالجة النفط عن طريق خلطه بالخام السليم. التخفيضات بواقع ما بين 10 و20 دولارا لكل برميل التي تحدثت عنها تسريبات إعلامية، قابلة للنقاش. كما أن هناك محادثات بشأن توجيه 700 ألف برميل من النفط الملوث إلى الصين بواسطة شاحنات بأسعار مخفضة أيضا".
وفي ما يتعلق بتأثير الأزمة الراهنة على صورة روسيا كمصدّر للنفط، يتابع: "أثرت الواقعة سلبا على صورة روسيا، إذ استغلت شركات النفط المحلية ضعف منظومة مراقبة جودة الخام لضخه في خطوط الأنابيب المركزية".
وسبق للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن أقر بأن أزمة النفط الحالية ألحقت ضررا جسيما بصورة روسيا، مطالبا بتعديل منظومة مراقبة جودة الخام.
وأكد الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، هو الآخر، أمس الجمعة، أن الجانب الروسي يبذل قصارى جهده للحد من تداعيات الأزمة على جميع الأطراف.
ولن تتكبد روسيا وحدها الخسائر الناجمة عن أزمة النفط، وإنما أيضا جارتها وحليفتها بيلاروسيا، إذ تشير التقديرات إلى أن مينسك خسرت نحو 150 مليون دولار جراء تعطل المعدات بالمصافي بعد ضخ النفط الملوث والاضطرابات في عملها، بالإضافة إلى توقف ترانزيت النفط الروسي إلى أوروبا لمدة أسبوعين.
ولما كان الاقتصاد البيلاروسي يعتمد بدرجة كبيرة على شراء النفط الروسي بأسعار مخفضة وتصدير منتجات النفط إلى أوروبا بأسعار عالمية، فباتت أزمة خط "الصداقة" تلقي بظلالها الصداقة بين موسكو ومينسك والتي تتخللها أصلا خلافات بسبب "المناورة الضريبية" الروسية الهادفة إلى رفع أسعار الخام للجانب البيلاروسي.
وعلى الرغم من عدم وجود علاقة مباشرة بين قضيتي النفط الملوث و"المناورة الضريبية"، إلا أن باسيتشنيك يتوقع أن تستغل مينسك الوضع الحالي ليس للحصول على تعويضات فحسب، وإنما أيضا للمطالبة بمزيد من التنازلات فيما يتعلق بأسعار الخام.
وكانت وكالة "رويترز" قد ذكرت في 20 مايو/أيار الجاري، أن شركتي "توتال" و"إيني" علقتا سداد دفعات قيمة ملايين البراميل من النفط الروسي المورد عبر خط "الصداقة" لحين البت في مسألة التعويضات.
ووصف أحد مصادر الوكالة هذا الاضطراب في إمدادات النفط الروسي بأنه الأكبر تاريخيا، إذ استمر ضخ الخام في خط "الصداقة" حتى أثناء أحداث "ربيع براغ" في عام 1968 وتفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991.