مساعٍ ألمانية لإبرام اتفاق أوروبي ليبي للحدّ من المهاجرين

19 ابريل 2016
يصعب ضبط الحدود الليبية من طرف واحد (فرانس برس)
+ الخط -
تخطط برلين لعقد اتفاق مع حكومة الوفاق الليبية برئاسة فائز السراج، والتي توسّطت ألمانيا لتأليفها، أخيراً، عبر المبعوث الأممي الألماني إلى ليبيا، مارتن كوبلر، واعتماد نموذج الاتفاق مع أنقرة لإسقاطه على العاصمة الليبية طرابلس، بشأن أزمة اللاجئين، في ظلّ توقعات بزيادة تدفق اللاجئين من شمال أفريقيا إلى أوروبا بعد إغلاق طريق البلقان. ونُقل عن المستشار العسكري للأمم المتحدة الجنرال باولو سيرا، أمام لجنة في البرلمان الإيطالي، الأربعاء الماضي، قوله إنّ عدد اللاجئين قد يصل إلى المليون، في وقت تتحضّر فيه برلين، بحسب ما أعلن وزير الداخلية الألماني، توماس دي ميزيير، إلى إنهاء عملية التدقيق على الحدود، خلال الشهر المقبل، إذا ما استمرت أعداد اللاجئين بالتراجع، وهو ما لاقى اعتراضاً لدى الحزب المسيحي الاجتماعي، الشريك في الائتلاف الحاكم.

واستبقت برلين حصول الأزمة وطالبت الاتحاد الأوروبي بإبرام مقايضة مع دول شمال أفريقيا للحدّ من واقع مستجد، بعدما تم إغلاق طريق البلقان بوجه المهاجرين، ولجوء المهربين لاعتماد طريق بديلة عبر البحر المتوسط من ليبيا إلى إيطاليا. وهو ما أشار اليه وزير الداخلية الألماني، بشكل واضح، خلال اجتماع وزراء داخلية الدول الناطقة بالألمانية في العاصمة النمساوية فيينا، مطلع الشهر الحالي، مطالباً بضرورة إجراء مناقشات بشأن الاتفاق، باعتبار أنّ الهدف الأساسي هو الحد من الهجرة غير الشرعية.

وفي هذا الاطار، اعتبر رئيس حكومة بافاريا، رئيس الحزب المسيحي الاجتماعي الشريك في الائتلاف الحاكم هورست زيهوفر، أنّ قرار رفع إنهاء التفتيش لا يجب أن يعتمد على النواحي الاقتصادية والسياسية فقط، داعياً للتنبه إلى اعتبارات الأمن الداخلي في البلاد. وكانت عمليات التفتيش محل استياء بعض الصناعيين والمؤسسات التجارية لما تسببت به من تأخير في الدورة الاقتصادية مع الازدحام المروري على الحدود الداخلية.

في غضون ذلك، تعتزم النمسا بناء سياج مع إيطاليا وتشديد الرقابة على معبر برينر الحدودي الرئيسي بين البلدَين بهدف السيطرة على حدودها، وتشديد الرقابة، وإجراءات اللجوء في المستقبل، والتي من المتوقع العمل بها بدءا من يونيو/ حزيران المقبل. وهو ما سبق أن أعلنه المستشار النمساوي فيرنر فايمان قائلاً إنّ "النمسا تستعد لأن يكون الطريق الممر عبر معبر برينر نقطة محورية لأزمة اللاجئين مستقبلاً". وأضاف أنّه "على الرغم من الحماية المعززة الآن على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، نعمل لاتخاذ تدابير إضافية"، مؤكداً على "ضرورة العمل لإيجاد حلول مستدامة ومنتشرة في أوروبا". إلا أن تصرف فيينا كان محل قلق من قبل المفوضية الأوروبية واعتبرت أنّ ممر برينر لا غنى عنه لحرية السفر في الاتحاد الأوروبي.


في المقابل، استبعد المبعوث الأممي إلى ليبيا، الألماني مارتن كوبلر، الأسبوع الماضي، من برلين، إمكانية التوصل إلى اتفاق مع ليبيا مماثل للاتفاق الأوروبي ـ التركي. وعزا ذلك لأسباب عدة، منها أنّه من السابق لأوانه التوقع بتحقيق اتفاق هذا الصيف مثل الاتفاق المبرم، أخيراً، بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، لافتاً إلى أنّه "تفاؤل مبالغ به"، مؤكداً أنّ "الوضع في ليبيا غير مستقر على الرغم من تذليل بعض العقبات".

في هذا الصدد، يشير عدد من الخبراء الأوروبيين إلى أن هناك الكثير من الصعوبات ستواجه السلطات في ليبيا، خصوصاً أن المليشيات الموجودة هناك قد تشكل عبئاً على السلطة نفسها. كما أن الخوف يبقى من محاولة الجماعات المتشددة استغلال المهاجرين الآتين من جنوب أفريقيا وتجنيدهم لصالحها، لأن غالبيتهم من المهاجرين الاقتصاديين، أي أن عنصر المال يغري هؤلاء، وهذا ما سيرتد سلباً على طريقة تعامل السلطات الأمنية لمكافحة الجماعات المسلحة، ومنها تنظيم "داعش" الذي يسعى لبناء سلطة مركزية له في ليبيا، وفقاً للخبراء.

ولا يغفل العديد من المراقبين الإشارة إلى الخطأ الذي وقعت فيه أوروبا عندما رفضت إجراء محادثات مع السلطات المحلية في عدد من المدن الليبية، منها مصراتة وزوارة لتأمين الحدود. ويلفت هؤلاء إلى أن فكرة إعادة اللاجئين غير الشرعيين إلى ليبيا غير قابلة للتطبيق في ظلّ التفكك الحاصل في هيكلية الدولة، وأن الاهتمامات الحالية تنصب على إعادة التمسك بمفاصل الدولة وتكوين أجهزة الأمن.

وليس من السهل ضبط 4000 كيلومتر، المساحة التي تشكّلها الحدود بين ليبيا ودول الجوار، من طرف واحد، فضلاً عن أن عدداً من الدول الأصلية للمهاجرين ترفض إعادة استقبال مواطنيها، لا بل إن عدداً من المسؤولين فيها ضالعين مع الشبكات في عمليات تهريب البشر، وفقاً لبعض المراقبين. وتبقى الأهمية في المطالبة بالتعاون مع الدول الغنية لتعزيز الاستثمارات والتخفيف من نسبة البطالة والفقر للحد من نسبة الهجرة. وفي حين لا تعير تلك الدول الاهتمام لهذا الشأن لأن مغادرة مواطنيها للعمل في الخارج، ولو بطرق غير شرعية، وتحويلهم للعملات إلى بلدانهم، يدر أموالاً طائلة على الخزينة العامة. ويبقى الخوف من أن تعمل هذه الدول على إخضاع أوروبا لعملية ابتزاز في هذا الملف.