مريم الفرجاني... عن السينما وخطوطها الحمر والضرورة الدرامية

25 ابريل 2018
تشارك الفرجاني في مهرجان كانّ بفيلم "قانون الصمت" (Getty)
+ الخط -
يروي "على كفّ عفريت" (2017) للتونسية كوثر بن هنيّة، المستوحى من قصّة حقيقية، حكاية اغتصاب تعرّضت له فتاة تونسية على أيدي رجال شرطة، ومحاربتها كلّ محاولات قمعها وإذلالها، وذلك في ليلةٍ واحدة قضتها بين المستشفى ومراكز الشرطة، حيث تعرّضت لاغتصابٍ معنوي، ومحاولات إسكات متواصلة، شكّلت كلّها امتدادًا لعملية اغتصابها الجسدي.

بداية تحقيق المشروع السينمائي هذا ـ وهو ثالث الأفلام الطويلة لمخرجته بعد "شلّاط تونس" (2014) و"زينب تكره الثلج" (2016)، والمعروض في افتتاح الدورة الـتاسعة (11 ـ 18 إبريل/ نيسان 2018) لـ"مهرجان الفيلم العربي برلين" ـ كامنةٌ في تواصل كوثر بن هنيّة مع مريم الفرجاني، مقترحة عليها دور مريم، الشابّة المغتصبة. أرسلت لها السيناريو، الذي أحبته مريم: "الشخصيات مكتوبة بأسلوب غير نمطي. هناك حبكة دراميّة جميلة. شخصية مريم مؤثّرة. لهذا، قرّرت خوض التجربة"، كما قالت الفرجاني في حديث مع "العربي الجديد".

أكثر المشاهد صعوبةً بالنسبة إلى الممثلة الشابّة مشهدٌ بسيط، عُرض ضمن مشهد أكبر: "إنه مشهد الاغتصاب القصير المُصوَّر بجهاز الهاتف. كانت أصعب لحظة في الفيلم. لحسن الحظ، كان قصيرًا. لم نصوِّر كثيرًا منه، لأنه مشهد مُتعب جدًا". تُضيف الفرجاني ـ في اللقاء الحاصل بعد عرض الفيلم في الافتتاح ـ أنه لو ضمّ "على كفّ عفريت" مشهد اغتصاب، لرفضت تأدية الدور: "أقول دائمًا إنّ لديّ مسؤولية أخلاقية تجاه الشخص الذي عاش الحكاية. هي لحظة بشعة. منها، بدأت القصّة كلّها، والفيلم أيضًا. رغم أن البشاعة لم تتوقّف عند الاغتصاب فقط، بل في تداعيات الاغتصاب، وفي إلقاء لوم متواصل على الضحية. كان مستحيلاً توثيق اللحظة مُجدّدًا، تلك التي بدأ كلّ شيء منها، ثم تشاهدها الشخصية مرة أخرى. مشهد الاغتصاب بحدّ ذاته ليس ضروريًا في الفيلم".

امتدادًا لهذا، تعتبر مريم الفرجاني أن "خطوطها الحمر" في صناعة السينما هي "الابتذال". تُكمل كلامها، قائلةً إنّ "لا مكان له في هذا الفيلم. ربما يكون ضروريًا في فيلم آخر. ربما يكون له تبرير دراميّ".



أما بخصوص المدّة التي احتاجها الفيلم لإنجازه، فتقول الفرجاني إنها أربعة أشهر. غير أنّ المدّة التي تطلّبها عمل مريم على الشخصية كانت أطول. فهي اعتمدت على قراءة السيناريو، واستعانت بالأرشيف، واشتغلت على بناء الشخصية. وبقرارٍ منها، لم تلتقِ مريم الحقيقية: "كان لديّ فضول دائم لمعرفة ماهية الشخصية. كنتُ أتخيّل شكلها، وشكل وجهها. لم أرغب في لقائها، لأني ـ قبل الفيلم ـ بدأت أبني الشخصية، فشعرت بأن لقاء الشخصية الحقيقية سيدمّر ما بنيته. هذا من جهة. من جهة أخرى، كان لديّ قلق من الانزلاق في الطريق السهلة، والعمل على تقليد الشخصية الحقيقية. لكن، بالطبع، كانت لديّ أسئلة، ما جعل كوثر بن هنية تؤدي دور الوسيط بيني وبين مريم الحقيقية".

بعد إنجاز "على كفّ عفريت" وعرضه، التقت الفرجاني مريم الحقيقية، عندما جاءت الأخيرة، ذات مرة، لمشاهدته: "كان اللقاء مؤثرًا جدًا. بالإضافة إلى لحظة الانفعال قبل رؤية الشخصية التي بنيتها وتخيّلتها وعشت معها. تساءلتُ: هل الشخصية التي اشتغلتُ عليها تشبه مريم الحقيقية، أم أنها مختلفة عنها؟".

إلى جانب التمثيل، درست مريم الفرجاني الإخراج السينمائي في ميلانو، المدينة التي تقيم فيها حاليًا. فالإخراج يحتلّ حيزًا من حياتها أيضًا. بحسب تعبيرها، فإن أكثر ما يشكّل لها هاجسًا في عالمها لصناعة السينما هو المرأة: "أكثر ما أبحث فيه وأعود إليه هو موضوع المرأة، ليس كقضية أو كمكانة في المجتمع، بل كتركيبة نفسية، وكشخص لديه علاقة معقّدة مع الوقت/ الزمن. إنها حاضرة دائمًا في أفكاري الفنية والسينمائية". 

قبل السينما، درست الطّب أربعة أعوام فقط، ثم تخلّت عنه: "لم يستهوني بصفة خاصة". لذا، اختارت التوجّه إلى دراسة السينما: "أحبّ سيرورة خلق الصورة. أحبّ أن أترجم أفكارًا تُشغل بالي، من تفاصيل لا علاقة مباشرة لها بالصورة، كالموسيقى والأصوات". تقول إن تأثير الفيلم في الجمهور غير مرتبط بكونه فيلمًا روائيًا أو وثائقيًا، بل بـ"الطريقة التي تُروى بها الحكاية".

تضيف أن "التفاعل مع الشخصيات، في الأفلام الروائية أو الوثائقية، والضحك والبكاء، هي تفاصيل تنسيك هيكل الفيلم. لحظة الجلوس على المقعد داخل صالة السينما، يكون التركيز الوحيد على كيفية تقديم الحكاية: هل التقديم حقيقي وصادق، أم لا؟".

ردًا على سؤال عن علاقة الفنّ بعامة، والسينما بخاصة، بالتغيير، تقول مريم الفرجاني: "من وجهة نظر "يوتوبية"، على الفنّ أن يغيّر شيئًا ما. لكن، لا يمكننا الادّعاء بإمكانيته التغييرَ، أو بما إذا غيّر شيئًا في الماضي. هناك تفاصيل قابلة للتغيير. إذا تناولنا "على كفّ عفريت"، نلاحظ أنه تطرّق إلى مسألة تعامل الناس مع ضحايا الاغتصاب، وأساسًا مع العنف المعنوي. الأسئلة المطروحة على الضحية ولومها المتواصل. أعتقد أنها إزاء هذا النوع من العنف، يمكن أن يؤدّي الفيلم دورًا إيجابيًا في مسألة التغيير".

في إطار عملها الإخراجي، أنهت مريم الفرجاني، مؤخّرًا، تصوير فيلمها الروائي القصير، الذي كتبته أيضًا بعنوان "قانون الصمت"، والذي يُعرض في الدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/ أيّار 2018) لمهرجان "كانّ"، إلى جانب ثلاثة أفلام تونسية أخرى، في إطار Tunisia Factory، إضافة إلى أنها تكتب حاليًا فيلمًا روائيًا طويلاً.


دلالات
المساهمون