مرويات أجيال مجهضة الأحلام

08 ديسمبر 2014
+ الخط -
في إصداره الروائي السادس: "بعيدًا من الضوضاء، قريبًا من السُكات" الصادر عن دار الفنك ودار الآداب، يواصل محمّد برّادة صاحب "الضوء الهارب"، و"مثل صيف لن يتكرر" و"حيوات متجاورة" حفريات مشروعه الروائي في الذاكرة والوجدان والجسد، عبر سردٍ يعرّي انتكاسات ثلاثة أجيال مغربية مأزومة. 

متوسّلا بذلك التاريخ الذي لن يكتبه المؤرخ الرسمي، كما جاء على لسان أحد شخوص "لعبة النسيان"، عبر محطات تاريخية دالة، تشكل تاريخ الميلاد المدوّن في الأوراق الرسمية لأبطال عمله الروائي الجديد؛ فمثلًا "الراجي" الشاب المجاز العاطِل عن العمل، المولود سنة 1975م، وهو عام المسيرة الخضراء التي حرّر فيها المغرب صحراءه عبر مسيرة سلمية، والمحامي فالح الحمزاوي والطبيبة النفسانية نبيهة سمعان من مواليد 1956، هو زمن استقلال المغرب.

وشكل عام 1931م -تاريخ ميلاد المحامي توفيق الصادقي- تقديم الحركة الوطنية في شمال المغرب لـ "وثيقة مطالب الأمة المغربية "، وإن لم يرفض موقعوها نظام الحماية، لذا تعايش جيل الصادقي مع الاستعمار، وحقق وجاهته الاجتماعية! 

عبر لعبة تواطؤ برّادة الأثيرة مع شخوصه، ومع القارئ، ترصد محكيات الشخصيات الأربع أكثر من نصف قرن من تاريخ المغرب المعاصر، من خلال جمع الشاب الراجي، أثناء عمله كـ "مساعد مؤرخ" لدى الرحماني، المهتم بتاريخ المغرب الحديث، آراء بعض الناس حول مستقبل البلاد، فاستثمر الراجي هذه المادّة ليقدّم نفسه كمشروع روائي. 

ومن خلال فالح ونبيهة، المنتميين إلى جيل ثوري، يعبّر صاحب "امرأة النسيان" عن اغتراب النخبة المغربية، مستثمرًا تاريخه النضالي في صفوف حزب يساري جماهيري، انتهى به المطاف أن ينخرط في لعبة تتابع السلطة بعد تراجع شعبيته، أمام سطوة أحزاب اليمين؛ فنبيهة التي درست الفلسفة في باريس، وعاشت حياتها كبوهيمية، عادت إلى المغرب محبطة، وأسست صالونًا ثقافيًا، لتكسر جدار الوحدة. أما فالح، الذي كان يدافع عن المعتقلين السياسيين، فدفع ابنه إلى تأسيس مشروع مزرعة لتربية الأبقار والأغنام.
المساهمون