في المستشفيات وداخل مراكز رعاية المسنين بالجزائر، حالات وقصص لمرضى رمت بهم الأقدار إلى تلك الأمكنة الباردة، "لا روح ولا مشاعر"، بحسب السيدة نورية (51 سنة) من ولاية غيليزان غرب العاصمة التي "خانتها الصحة وأهملها المقربون".
تقول لـ"العربي الجديد": "الصحة غالية لا تقدر بثمن وإن ذهبت فانتظر أن ينقلب عنك المقربون، أما حينما تكتشف إصابتك بمرض مزمن أو خطير، فسيكون أول من يرميك هو شريك الحياة إلا من رحم ربك"، تردد هذه العبارة بحزن وعيناها على الباب متمنية أن يزورها أحد في الغرفة التي تتقاسمها مع السيدة حكيمة من ولاية بومرداس، داخل مستشفى مصطفى باشا الجامعي بقلب العاصمة.
السرطان .. وجع العلاج ونكران العشير
نورية أمّ لـ 3 أبناء، ما هي إلا صورة عن حالات كثيرة في هذا المستشفى، لم تجد مكاناً بمستشفى غيليزان لتواصل فيه العلاج، فقدت كثيراً من وزنها، تغيرت ملامحها، صارت عاجزة عن إعالة أبنائها وزوجها.
عن مرضها تحكي لـ "العربي الجديد"، "بدأ المرض ينخر جسدي، يتعبني ويشعرني بأنني أموت كل يوم أكثر من مرة، وجدت بعضاً من الدعم والتشجيع العائلي في المرحلة الأولى، لكن سرعان ما انقلبت الأمور، وساء وضعي الصحي أكثر، وكانت أكثر العبارات التي آلمتني "بيتك وزوجك وأولادك يحتاجون للرعاية اللازمة، وأنت لا تستطعين القيام بهذه المهمة".
الإحساس بالعجز وثقل المرض عمق معاناة نورية وتضاعف همّها بعد أن خضعت للعلاج في مركز يبعد عن مسقط رأسها بأكثر من 400 كيلومتر، "في البداية كان الابن الأكبر يزورني مرة في الأسبوع، لكن اليوم انقطعوا عني فلكل واحد مشاغله، أما الزوج فإنه يفكر في الزواج من امرأة ثانية ترعى شؤونه" على حد تعبير والدته وشقيقته الكبرى".
بعد أن غالبت نورية الدموع، أمسكت خيط الكلام حكيمة التي تقاسمها نفس الغرفة، وتؤنس وحشتها، قائلة: "كثيرون لا يصبرون على زوجاتهم في حالات المرض، وخاصة إذا تعلق الأمر بمرض مزمن يحتاج إلى علاج طويل، فإن الصبر ينفد وتبدأ الإشارات بأن الزوج يحتاج امرأة قوية تقوم على شؤونه وشؤون البيت، القليلون من يصبرون ويحتملون ويكابدون مع زوجاتهم المشقة".
"ينظر كثيرون للمرأة المصابة بالسرطان على أنها ميتة، يفقدون كل الأمل في شفائها ولا يقدمون لها الدعم الذي تحتاجه"، تقول السيدة منية لـ "العربي الجديد"، موضحة أن هذا المرض على قدر خطورته وصعوبته وآلامه ومشقته، إلا أنه يزرع الصبر في قلب المريض، خصوصاً إن رأى من هم مثله ويتقاسمون نفس معاناته، لكن القليلون من يصبرون مع زوجاتهم في مرحلة المرض عكس المرأة الجزائرية المعروفة بتفانيها وصبرها على مرض زوجها والبقاء معه إلى النهاية".
وعلى عكس ما واجهته السيدة نورية في محنة مرضها من تخلي الأهل عنها، فإن عبد الباقي من ولاية (البيض) جنوب غرب العاصمة الجزائرية، الذي يعالج من سرطان الرئتين، يؤكد أنه وجد السند والدعم من زوجته: "زوجتي ساعدتني كثيراً، وصبرت وتحملت كل المشقة لأجلي"، ولا ينكر وجود عدد من الحالات تخلى عنهم أهاليهم لمجرد حادثة غيرت مجرى حياتهم.
حوادث غيرت حياتهم
وتعد قصة سليم من ولاية سعيدة، غرب العاصمة الجزائرية، نموذجاً لهذا الخذلان الصعب بعد تعرضه لحادث مروري فقد إثرها قدميه، فتخلت عنه زوجته منذ ستة أشهر، يقول لـ"العربي الجديد"، "هكذا قدر الله، بقي لي أخ واحد يزورني في المستشفى عندما يتسنى له ذلك، أما زوجتي فهي الآن في بيت أهلها تنتظر قرار الانفصال"، لافتاً إلى أنه كان قبل الحادث يشتغل في مؤسسة عمومية سائقاً ينقل البضائع، لكن انقلبت حياته رأساً على عقب وينتظر مغادرة المستشفى على كرسي متحرك.
عشرات القصص التي تُروى أيضاً في دور العجزة والمرضى العقليين، تذوقوا طعم الخذلان من الأهل بمجرد تعرضهم لحوادث أو إصابتهم بأمراض مزمنة، قلبت حياتهم نهائياً وغيرت مجرى مسارهم اليومي المجتمعي والمهني والعائلي ليبتعد عنهم الأقربون.
وتقول الأخصائية النفسانية نورة بوجريو لـ"العربي الجديد"، إن لكل حالة قصتها الخاصة بها وأسبابها وخباياها، أحياناً نسمع من المتضرر وأحياناً عندما نسمع من أقاربه نقول، إن هناك أسباباً لهذا "التخلي"، "مشددة على أنه من غير المعقول أن يتخلى الابن عن والده أو والدته بسبب ظروف المعيشة، ومن الصعب جداً أن تتخلى المرأة عن زوجها بمجرد تعرضه لحادث سير، ففي النهاية الأمور تظل متعلقة بحجم العلاقة بين مختلف أفراد الأسر".