مرضى القلب... مواجهة حرجة مع فيروس كورونا

26 ابريل 2020
المعركة ليست سهلة (سيرغي بوبيليف/ Getty)
+ الخط -

يهاجم فيروس كورونا الجديد الرئتَين، غير أنّ أطباء يشيرون إلى حالات يتضرّر فيها القلب، إمّا من خلال استهداف مباشر وإمّا نتيجة ثانوية للالتهاب الرئوي وإمّا على خلفيّة مرض قلب سابق.

في إطار محاولات التعرّف أكثر على فيروس كورونا الجديد الذي يشغل العالم منذ نحو أربعة أشهر، تتوضّح أكثر آثاره على جسم الإنسان. وفي دراسة نشرتها مجلة الجمعية الطبية الأميركية لأمراض القلب (جاما كارديولوجي) كشف باحثون أنّ ثمّة عواقب وخيمة محتملة للفيروس على صحة القلب، ليس فقط لدى من يعاني أمراضاً في القلب والأوعية الدموية إنّما بين أشخاص لم يسبق لهم ذلك. وأوضح الباحثون أنّ عدوى كورونا قد تتسبّب في التهاب الأوعية الدموية وعضلة القلب وعدم انتظام ضرباته. أضافوا أنّ أكثر من مصاب واحد من بين كلّ خمسة أصيبوا بأضرار في القلب نتيجة فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية، بعض هؤلاء كانت لديهم مشكلات سابقة في القلب وبعضهم لا. وثمّة فرضيات مختلفة، منها ما يعيد الأمر إلى نقص الأوكسيجين لعمليّة ضخّ الدم في الجسم، ومنها ما يشير إلى أنّ فيروس كورونا طاول القلب مباشرة أو أنّ الجسم في معركته مع الفيروس استنفر خلايا مناعية هاجمت القلب، ومنها أنّ الالتهاب الرئوي الشديد يؤدّي إلى فشل القلب.

ويمضي الخبراء في تساؤلاتهم حول العلاقة ما بين فيروس كورونا الجديد والقلب. وفي بحث نشرته مجلة "ساينس ديلي" العلمية أخيراً، يظهر أنّ إصابة عضلة القلب في أثناء الإصابة بفيروس كورونا قد تحدث لدى شخص يعاني أو آخر لا يعاني من أمراض القلب، لكنّ الخطر أكبر لدى هؤلاء الذين يعانون مسبقاً من أمراض القلب. ويشير البحث إلى أنّ إجراء اختبار على المرضى للكشف عن العلاقة بين تضرّر القلب والفيروس أمر صعب، والمستشفيات لا تملك الموارد ولا الوقت لإخضاع مصابي كورونا إلى تخطيط قلب، خصوصاً أنّ معظمهم إن لم يكن جميعهم يُعزلون، مع العلم أنّ اكتشاف الرابط قد يكون مفتاحاً لتفادي وفيات.

في السياق، وفي حديث إلى "العربي الجديد"، يحذّر الطبيب المتخصص في جراحة القلب، الأستاذ المحاضر في جامعتَي "بريستول" و"غلاسكو" البريطانيتَين، البروفسور سليم الحاج يحيى، من المخاطر التي تحدق بمرضى القلب في خلال جائحة كورونا تحديداً. ويقول إنّه "على الرغم من أنّ أمراض القلب تُعَدّ القاتل رقم واحد في العالم، فإنّه لم يُنشر سوى القليل عالمياً حول تأثير فيروس كورونا الجديد على المصابين بها". ويشير إلى أنّ "الوفيات على خلفيّة أمراض القلب تفوق بآلاف الأضعاف وفيات مرض كوفيد - 19 (الذي يتسبّب فيه فيروس كورونا الجديد) وتصل إلى 79 مليون وفاة سنوياً أي نحو سبعة ملايين شهرياً، فيما نرى العالم مشغولاً بتتبّع أخبار نحو 200 ألف وفاة سُجّلت في أكثر من ثلاثة أشهر". ولا يستغرب الحاج يحيى ذلك، موضحاً أنّ "الناس باتوا يتقبّلون وفاة مرضى القلب كأمر مسلّم به في سياق طبيعة الحياة". لكنّه يشدّد على أنّ "هذا لا يعني تجاهل هؤلاء، ومن المهمّ التطرّق وبشكل موسّع، وليس من خلال نظرة خاطفة، إلى التهديد الكبير لفيروس كورونا على حياتهم"، سائلاً "أين منظمة الصحة العالمية؟ أين وزارات الصحة؟ أين الاهتمام العالمي؟".

الحاج يحيي: الناس يتقبّلون وفاة مرضى القلب كأمر مسلّم به (العربي الجديد)
توجيهات خاصة

ويرى الحاج يحيى أنّ ثمّة "أهميّة لتسليط الضوء على هذا الموضوع من خلال النشر، إذ من شأن ذلك تقديم توجيهات خاصة لمرضى القلب مع تصنيفهم من ضمن الفئات التي تحتاج إلى رعاية أكبر". ويقول إنّ "ما يقارب 85 في المائة من الناس يتعافون من الإصابة بفيروس كورونا من دون الحاجة إلى دخول المستشفيات. لكن من بين الحالات التي تتفاقم وتستدعي دخول المستشفى، ثمّة نسبة كبيرة من مرضى القلب". ويعيد ذلك إلى عاملَين: "الأوّل ليس لأنّ مرضى القلب هم أكثر عرضة للإصابة بالفيروس إنّما لأنّهم معرّضون للخطر أكثر من غيرهم في حال إصابتهم. فقلبهم لا يحتمل مزيداً من نقص الأوكسيجين في الدم الذي ينتج عن إصابة الرئتَين. مثلاً، في حال وصول مصابين إلى قسم الطوارئ، من الضروري إعطاء الأولوية لمرضى القلب، لأنّهم يواجهون خطراً أكبر، حتى لو تشابهت الأعراض بينهم وبين سواهم في البداية. فالمضاعفات الناجمة عن مشاكل القلب تبدأ بالظهور لاحقاً، حين يزداد الالتهاب ويحتاج القلب إلى بذل جهد أكبر". ويتطرّق الحاج يحيى إلى دراسة حديثة أعدّها باحثون صينيون تبيّن أنّ ما يصل إلى واحد من كلّ خمسة مصابين بكورونا يعانون من تلف وفشل في القلب ويتوفون في بعض الحالات. وإذ يقول إنّ هذه الدراسة شملت فئة محدّدة من المرضى، يؤكد أنّها "تستحق التوقّف عندها لأنّها تحفّز الانتباه إلى هذا الموضوع بشكل أكبر. وأنا من موقعي أدعو وزارات الصحة وأطباء العالم إلى الالتفات إلى ملايين المرضى الذي يعانون من مشاكل القلب وإلى مخاطر إصابتهم بكورونا، وتقديم توجيهات صحيحة حول كيفية توعيتهم للوقاية من الإصابة".

أمّا العامل الثاني، فيعود بحسب ما يوضح الحاج يحيى إلى أنّ "الذين يعانون مشاكل في القلب هم بمعظمهم متقدّمون في السنّ". يضيف أنّ "مناعة مرضى السرطان تضعف كذلك عند خضوعهم إلى العلاج الكيميائي وهم في خطر كذلك، ليس فقط من جرّاء كورونا إنّما من أيّ التهاب آخر. لكنّ أعداد هؤلاء قليلة جداً مقارنة بمرضى القلب، ومن هنا تبرز أهمية التوعية للاهتمام بهم. والأمر مشابه بالنسبة إلى آخرين مصابين بأمراض مزمنة".



مخاطر الالتزام بالحجر

من جهة أخرى، يشدّد الحاج يحيى على مخاطر التزام مرضى القلب كغيرهم باستراتيجيات الحجر المنزلي التي تتّبعها دول عدّة حول العالم. ويدعو إلى "ضرورة توعيتهم وإصدار تعليمات خاصة بهم، مع التشديد على ضرورة توجّههم مباشرة إلى المستشفى في حال شعروا فجأة بضيق في التنفّس أو أعراض أو أوجاع قلب غير طبيعية". يضيف أنّ "بقاء هؤلاء في منازلهم كما طُلب من الجميع، من شأنه أن يزيد من الخطر على صحتهم"، مشدداً على "أهمية توفير أدويتهم في خلال فترة الحجر لأنّهم لا يستطيعون الانقطاع عنها". ويحذّر الحاج يحيى كذلك من "حرمان مرضى القلب في خلال هذه الفترة من القيام بأيّ تمارين رياضية مع تناول كميات أكبر من الطعام. فثمّة مخاطر للوزن الزائد عليهم، خصوصاً أنّ 30 في المائة من مرضى القلب مصابون بالسكري في الوقت نفسه، مع العلم أنّ النسبة في الخليج ترتفع لتصل إلى 50 في المائة".

ولا ينسى الحاج يحيى مريض القلب الفاشل (يعاني ضعفاً في عضلة القلب إمّا بسبب انسداد الشرايين وإمّا بسبب تضخّم العضلة)، الذي يُعَدّ أكثر الناس عرضة للإصابة بالامراض عموماً، شارحاً أنّه "يعيش في ضيق نفس مستمرّ. تخيّلوا أن يضع كمّامة كذلك فيما هو مخنوق في الأساس وأشبه بغريق يعاني باستمرار. لذا ينبغي على الحكومات ووزارات الصحة توفير كمّامات خاصة لهؤلاء المرضى". ويشير كذلك إلى "الضغط النفسي المتزايد الذي يعيشه مريض القلب عموماً من جرّاء القلق والخوف، بالتالي ثمّة ضرورة لتقديم الدعم النفسي له عبر تشجيعه وتهدئته ورعايته في خلال فترة الحجر".

هي من الفئات التي تحتاج إلى رعاية أكبر (فابريزيو فيلا/ Getty)

ويستهجن الحاج يحيى "فرض نظام الحجر ذاته الذي يُطبّق على دول متطوّرة مثل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا على كلّ بلدان العالم، فمعدّلات الشباب مرتفعة في بلادنا العربية. بالتالي لو أصاب كورونا تلك الفئة فهي لن تكون في خطر، لأنّ نسبة الوفيات فيها قليلة جداً". ويتابع أنّه "بينما الحكومات في الدول المتطوّرة تخصّص مبالغ مالية للموظفين الذين التزموا منازلهم، فإنّ 50 في المائة تقريباً من أهل غزة والضفة الغربية المحتلة (على سبيل المثال) يعيشون تحت خط الفقر. قد يموت هؤلاء من الجوع ولا من يسأل عنهم. لذلك يجب وضع استراتيجيات مختلفة تتناسب مع المجتمعات والاحتياجات وأعمار الناس والمرضى والتأمين الصحي المتوفر". ويعبّر الحاج يحيى كذلك عن قلق إزاء فئات مختلفة منها "اللاجئون في المخيمات حيث يزيد الحجر من المخاطر، لا سيّما أنّ نحو عشرة أشخاص مثلاً يسكنون في بيت واحد تفصله مسافة متر عن بيت آخر". ويعود ليشدّد على أنّ "الاستراتيجية يجب أن تناسب المجتمع الذي تُفرض عليه وأن تكون منطقية وعلمية وألا تعمل بمبدأ قياس واحد يناسب الجميع".

في سياق متصل، يتوقّع الحاج يحيى أنّ "تكون الأبعاد الاقتصادية للحجر خطيرة، وأنّ تتأثر ميزانيات الصحة بها خصوصاً، إذ إنّها ستحظى بمبالغ أقلّ بسبب الركود الاقتصادي". يضيف أنّ "المحللين الاقتصاديين يقولون إنّ الحكومات ستستثمر أكثر في الصحة وهذا صحيح، غير أنّ مجموع مبالغ الموازنة ستكون أقلّ، وهو ما سيتسبّب في تداعيات على حياة المرضى في ما بعد". ويطالب بوضع استراتيجيات تفرض تقديم مبالغ محدّدة إضافية لميزانيات الصحة لا تعتمد على النسبة".



الأولوية لشركات الأدوية

بالنسبة إلى الحاج يحيى، فإنّ "الاستثمار في معالجة أمراض القلب ما زال ناقصاً"، لافتاً إلى أنّ "الأولوية هي للترويج لشركات الأدوية قبل حياة الناس". وكمثال على ذلك، يشير إلى "تحقيق نشره موقع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) قبل مدّة يكشف الانحياز الواضح لمصلحة عمليات تركيب شبكيات (دعامات القلب)، الأمر الذي تستفيد منه الشركات نظراً إلى أسعارها الباهظة. ويُشجَّع مرضى القلب على الخضوع إلى تلك العمليات". ويشرح الحاج يحيى أنّ "ثمّة معايير تختلف ما بين المرضى الذين يحتاجون إلى عمليات قلب مفتوح والمرضى الذين يحتاجون إلى القسطرة، وذلك بناءً على التاريخ الصحي للمريض وعدد شرايين القلب المسدودة. لكنّ هناك شركات موّلت بحوثاً عمدت إلى التشجيع على إجراء عمليات القسطرة وتركيب الشبكيات. تجدر الإشارة إلى أنّ المرضى الذين لديهم ثلاثة شرايين مسدودة أو اثنَان أحياناً ويعانون من مرض السكري وضعف في عضلة القلب أو لديهم الشريان التاجي الأيسر الرئيسي مسدود، من الأفضل أن يخضعوا إلى عملية قلب مفتوح. أمّا المرضى الذين لديهم شريان واحد مسدود فقط أو اثنَان مع عضلة قلب جيّدة ولا يعانون من مرض السكري، فمن الأفضل وفي حالات معيّنة خضوعهم لعملية القسطرة".