الأحد الماضي، وفي أوج الغضب الأردني، الرسمي والشعبي، على اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، فوّض مجلس النواب لجنته القانونية بإعادة دراسة معاهدة السلام، وجميع الاتفاقيات اللاحقة، وتقديم دراسة تضمن توصيات للشكل المستقبلي للعلاقة الأردنية – الإسرائيلية. وهي خطوة باتت موضع تشكيك شعبي مرده عجز المجالس النيابية المتعاقبة عن المساس بالمعاهدة، فيما تلمّس فيها معنيون ومراقبون بارقة أمل فرضتها "اللحظة التاريخية".
وكمؤشر على صدق النوايا، خاطبت اللجنة القانونية الحكومة عبر رئاسة مجلس النواب، لتزويدها بجميع المعاهدات والاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل، كما أبلغ رئيس اللجنة، النائب حسين القيسي، وسط تفاؤله بالاستجابة. فمنذ توقيع معاهدة وادي عربة، في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 1994، وقّع الأردن العديد من الاتفاقيات مع إسرائيل، كانت آخرها في سبتمبر/ أيلول 2016 حين وقّعت شركة الكهرباء الوطنية، المملوكة للحكومة الأردنية، مع شركة "نوبل إنيرجي" الأميركية، مشغّلة حقل ليفاتيان للغاز الطبيعي قبالة السواحل الفلسطينية المحتلة، اتفاقية لتزويد الأردن بالغاز لمدة 15 عاماً، مقابل 10 مليارات دولار.
واعتبر القيسي أن "ما نقوم فيه باللجنة القانونية مجهود وطني، نحن معنيون بجميع المقترحات وآراء الخبراء، والدراسات التي سبق وأعدتها نقابة المحامين". وردّ على المشككين ممن اتهموا المجلس بـ"السعي وراء الشعبوية"، بالتأكيد على أنه "سنتحمّل مسؤوليتنا كاملة، هذه فرصة ذهبية لمراجعة مجمل علاقتنا مع الكيان الصهيوني، من باب مراجعة المعاهدة والاتفاقيات، هذه الفرصة لن تتكرر في المدى المنظور على الأقل". ولفت إلى أن "المزاج بات مهيئاً لمراجعة مجمل العلاقة مع إسرائيل، منذ حادثة السفارة في يوليو/ تموز الماضي، عندما قتل ضابط إسرائيلي برتبة دبلوماسي أردنيين داخل شقة مستأجرة لصالح السفارة الإسرائيلية في عمّان، مشيراً إلى أن الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، عزز ذلك المزاج في الأوساط الرسمية".
وشدّد القيسي على أنه "سنعمل بعقلانية، منسجمين مع الثبات التشريعي، فإذا كان النظام القانوني يخوّلنا إلغاء المعاهدة والاتفاقيات لمَ لا، وإذا لم يكن كذلك سنبحث عن مسارات قانونية أخرى للتعامل"، معتقداً أن "قراراً بالتجميد سيكون الاقتراب للواقع القانوني".
في هذا السياق، رأى منسق الحملة الوطنية "لإسقاط اتفاقية الغاز مع العدو الصهيوني"، هشام البستاني، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "التعامل المنتظر لمجلس النواب مع اتفاقية الغاز، مؤشر على المصداقية. وأودعت الاتفاقية أدراج لجنة الطاقة النيابية، بعد تسلّمها من الحكومة في مارس/ آذار الماضي، من دون مناقشة، في تواطؤ واضح مع الحكومة". وأضاف أنه "لو كان المجلس جاداً في توجهه، أمامه فرصة لإثبات ذلك بإلغاء اتفاقية الغاز".
وفي غياب تحديد دقيق لعدد الاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل، كشف النائب صالح العرموطي خلال جلسة رقابية عقدت في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عن "توقيع 14 اتفاقية في أعقاب معاهدة وادي عربة. وهي اتفاقية ناقل البحرين، واتفاقية استيراد الغاز، واتفاقية التبادل العلمي، واتفاقية السياحة، واتفاقية حماية البيئة والمحافظة على الطبيعية، واتفاقية تسليم المجرمين، واتفاقية خاصة بمدينة إيلات، واتفاقية الحدود البرية، واتفاقية الخدمات، واتفاقية النقل، واتفاقية التعاون التجاري، واتفاقية المناطق الحرة، واتفاقية تأجير الباقورة والغمر، واتفاقية مكافحة الجريمة". لكن رئيس الوزراء هاني الملقي، أصرّ حينها أن "غالبية تلك الاتفاقيات جرى إقرارها في معاهدة السلام والملاحق الخاصة بالمعاهدة".
بدوره، اعتبر الفقيه الدستوري، محمد الحموري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "وقع قرار تجميد المعاهدة والاتفاقيات في حال تم اتخاذه، سيترك أثراً بالغاً". ولفت إلى أن "الإلغاء يحتاج إلى مسار تشريعي طويل وشائك، فيما التجميد أقل كلفة في الوقت والمخاطر"، مبيّناً أنه "يحق للأردن تجميد المعاهدة والاتفاقيات بالاستناد إلى المخالفات التي اقترفتها إسرائيل، وهو التجميد الذي إنْ حدث، سيضع إسرائيل في موقف صعب".
واعتبر أكثر المتفائلين أن "مجرّد تجميد المعاهدة هو نصر كبير"، ذلك لأن في الذاكرة النيابية سلسلة طويلة من فشل المجالس المتعاقبة منذ معاهدة وادي عربة في المساس بالمعاهدة أو التأثير على العلاقة مع إسرائيل، وآخرها فشل المجلس الحالي في إلزام الحكومة على قطع علاقاتها مع إسرائيل في أعقاب "جريمة السفارة" في يوليو/ تموز الماضي. كما فشل المجلس السابق في مناقشة أربع مذكرات نيابية دعت للسير في إجراءات مشروع قانون لإلغاء المعاهدة، ثلاث منها قُدّمت على خلفية اغتيال ضابط إسرائيلي للقاضي رائد زعيتر في 10 مارس/ آذار 2014، أثناء توجّهه إلى مدينة نابلس في الضفة الغربية، ورابعة قُدّمت احتجاجاً على إقرار الحكومة الإسرائيلية تغيير تعريف إسرائيل من دولة "يهودية وديمقراطية" إلى دولة "قومية للشعب اليهودي"، ما جعل المساعي الأخيرة للمجلس محاطة بكثير من التكهنات.