مدينة نقادة المصرية... أرض الذهب البعيدة

02 سبتمبر 2019
كانت نقادة مركزاً لعبادة الإله ست (Getty)
+ الخط -
بالرغم من عراقتها التي لا يُختلف عليها؛ فإن الإهمال الذي يضرب مدينة نقادة على ما هي عليه من ثراء تاريخي وأثري يثير الأسى والإحباط عند أولئك الذين لا يزالون يجهدون في إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي

يزعم أهلها أنها الموطن الأول للمصري القديم ومبتدأ تاريخه حين هبط إلى وادي النيل قادماً من الصحراء، مستقراً على ضفة النهر ليمارس الزراعة وينعم بالاستقرار. تغريهم في ذلك الزعم آثارُها التي تنتمي إلى ما قبل التاريخ، وحضاراتها الثلاث المتعاقبة التي مهدت لتوحيد القطرين القبلي والبحري في عهد الملك مينا.

تقع نقادة على الضفة الغربية من نهر النيل في محافظة قنا، على بعد 25 كم شمال مدينة الأقصر، مبتعدة عن القاهرة بحوالي 650 كم. كان اسمها في الماضي السحيق "نوبت"؛ بمعنى أرض الذهب، وفي العصر القبطي أطلقوا عليها "ني كادي" وتعني مدينة المعرفة والذكاء، فكأنها كانت مركزاً ثقافياً وعلمياً مميزاً. في العصر العربي، تحوّل نطق حرف الكاف إلى الجيم، فصارت "نجادة" وأوّلوها أنها من النجدة والإنقاذ، واستدعوا من أجل ذلك أسطورة تقول إن الفراعنة كانوا يلجأون إليها في موسم فيضان النيل، فيدفنون فيها أمتعتهم كي يحافظوا عليها من الهلاك.

وكانت نقادة مركزا لعبادة الإله ست، كما ضمت جبانة قديمة كبيرة وإلى جوارها مقابر رومانية اكتشفت سنة 1897م. ووجد في داخل تلك المقابر ألواح من العاج ومزهريات وأختام طينية تحمل اسم الملك مينا وزوجته نيت حوتب. إضافة إلى أطلال "معبد أمبوس" وهرم "جرن الشعير المسخوط"، وهو مقبرة ذات قاعدة هرمية يعود لأحد ملوك الأسرة الثانية؛ ويعد من المحاولات الأولى لفكرة بناء أهرامات في مصر. والكثير من آثار نقادة يوجد في متاحف أوروبا مثل متحف اللوفر بباريس، إضافة إلى ما نقل منها إلى المتحف المصري ومتحف النوبة.
وفي العصور الإسلامية زاد الاهتمام بنقادة، باعتبارها مركزاً تجارياً في طريق الحجاج القادمين من شمال أفريقيا إلى الحجاز، كما أن المنتجات الفخارية والمنسوجات التي امتازت بها نقادة فتحت طرق التجارة إلى الداخل الأفريقي عبر السودان، حتى بلغت إثيوبيا وكينيا وأوغندا وغيرها. وتوجد دلائل أثرية على اتصالها بالعمق الآسيوي مروراً بفلسطين والشام.

بعد حضارة البداري؛ جاءت حضارات نقادة الثلاث، الأولى تسمى حضارة العَمرة (3900 -3650 قبل الميلاد)، وشهدت هذه الحضارة تحسّن صناعة الأدوات الحجرية وتطور تقنيات حرق الفخار. والثانية أشهرها وأغناها (3650 -3300 قبل الميلاد)، وفيها استقر النشاط الزراعي، وتطورت الصناعات الحجرية والمعدنية، وحدث تواصل وتأثير كبير بين نقادة وما حولها من المدن والأقاليم القريبة والبعيدة، والثالثة في عصر ما قبل الأسرات المتأخر (3300 -3050 قبل الميلاد) التي مهدت الطريق لعصر الأسرات وتوحيد القطرين.

كان لعالم الآثار الإنكليزي فليندرز بيتري دور كبير في تأسيس علم المصريات، وتعد بحوثه حول فخار نقادة من أهم إسهاماته العلمية. ومن سمات فخار حضارة نقادة الأولى أنه مصقول ولونه أحمر وذو حافة سوداء، وهو مزين برسوم بيضاء اللون، بعضها زخارف هندسية، ومنها رسوم بشرية وحيوانية وطبيعية، وأنشطة بشرية مثل الرقص والصيد. بينما يمثل فخار نقاده الثانية مرحلة أكثر نضجاً، وهو في العادة ذو زخارف ورسوم حمراء اللون، وفي حين تندر الأشكال الهندسية، تكثر الصور الآدمية والحيوانية والطيور المائية وصور مراكب الصيد والنباتات، ومنها فخاريات ذات مقابض متموجة.

من الأنشطة التقليدية التي توارثتها الأجيال في نقادة عبر التاريخ، صناعات الفخار ونسيج الفركة والسجاد اليدوي ومنتجات الجريد. فأما الفخار فيعد نجع الشيخ علي أبرز مراكز تلك الصناعة، حيث تصنع منه التحف وأواني الطهي والقلل والأباريق والأزيار والزهريات وغيرها.

أما نسيج الفركة، فهو عبارة عن شال من الحرير المصنع يدوياً، وللفركة أهمية تراثية ودينية في السودان وبعض الدول الأفريقية، وتشتهر المدينة أيضاً بصناعات جريد النخيل، سواء المستخدمة منها للزينة أو للاستعمال المنزلي. في حين تعد صناعة السجاد اليدوي التي أصبحت تشتهر بها نساء نقادة من أحدث الحرف اليدوية في المدينة العريقة.
دلالات
المساهمون