مدنيو حلب رهائن النظام ومليشياته... وروسيا تستغل التهجير سياسياً

18 ديسمبر 2016
آلاف المدنيين لا يزالون ينتظرون الخروج من حلب(فرانس برس)
+ الخط -



لم يختلف يوم أمس السبت عن سابقه من الأيام القليلة الماضية في استمرار المحاولات لإخراج المدنيين من مدينة حلب السورية، مقابل تواصل العرقلة الواضحة من المليشيات الحليفة لإيران، وهو ما أدى إلى إدخال تعديلات لأكثر من مرة على اتفاق إخراج المدنيين. وكانت أحدث نسخ الاتفاق، المتداولة أمس السبت، نصّت على إخلاء الجرحى مع عائلاتهم من كفريا والفوعة المواليتين للنظام في ريف إدلب، ومن مدينتي مضايا والزبداني المعارضتين في ريف دمشق، بالتزامن مع عملية نقل المهجّرين من أحياء مدينة حلب، على أن تكون هناك مراقبة وتعهّدات وضمانات من أجل سلامة عمليات الإجلاء في كل المناطق. إلا أن هذه الصيغة أيضاً لاقت عراقيل من المليشيات الحليفة لإيران، وهو ما يهدد بإسقاط أي اتفاق. وكانت مليشيات إيرانية قد عطّلت الجمعة الاتفاق الروسي التركي، وهاجمت القافلة السادسة للمهجرين من حلب، وقتلت وجرحت عدداً من المدنيين، وسلبت ممتلكاتهم، وأسرت عدداً منهم.
في هذه الأجواء، تحاول روسيا استغلال الوضع بقدر الممكن، والترويج أن "إجلاء المسلحين وعائلاتهم من حلب، أعطى فرصاً جديدة لإعلان الهدنة في البلاد وسمح بفصل المعارضة المعتدلة عن المتشددين". وقالت وزارة الدفاع الروسية، في بيان أمس، إن "خصوصية العملية المنتهية بالإخراج الآمن للمسلحين وعائلاتهم من حلب، تكمن في فتح نافذة جديدة لفرص إعلان نظام وقف الأعمال القتالية، ليس فقط في محافظة حلب، وإنما في مناطق أخرى من سورية". وأضافت الوزارة أن "الحديث يدور، بالدرجة الأولى، عن فصل مسلحي ما يسمى بالمعارضة المعتدلة عن المتشددين المتطرفين".
وأشارت الوزارة إلى أن العملية المذكورة "أظهرت أن الأمر الضروري للاستمرار بالمضي قدماً في إطار مسائل المصالحة في سورية، هو الرغبة في التوصل لاتفاق مع جميع أطراف النزاع، باستثناء المجموعات الإرهابية، مباشرة على الأرض"، على حد وصفها. واعتبرت أن "جميع محاولات تبديل هذا العمل التفاوضي الصعب مع المعارضة السورية على الأرض بمؤتمرات في العواصم الغربية بمشاركة ممثلين عما يسمى بالهيئات العليا للمفاوضات، أو بإرسال مراقبين إلى حلب، هي طريق غير مجدٍ يقود إلى المأزق". وكان المندوب الروسي الدائم في مجلس الأمن الدولي، فيتالي تشوركين، قد اعتبر المقترح الفرنسي الداعي إلى نشر مراقبين دوليين "يثير تساؤلات"، مؤكداً أن نشر المراقبين يستغرق أسابيع.
جاء ذلك فيما كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، يبحث في اتصال هاتفي مع نظيريه التركي مولود جاويش أوغلو والإيراني محمد جواد ظريف الوضع في سورية وعمليات "إجلاء المدنيين من شرق حلب" والتحضير للاجتماع الثلاثي المقرر الثلاثاء المقبل. في موازاة ذلك، أفادت وزارة الدفاع الروسية بأن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو "بحث مع نظيريه السوري فهد جاسم الفريج، والإيراني حسين دهقان، ورئيس جهاز الاستخبارات التركي هاكان فيدان، سبل تطبيع الأوضاع الأمنية والإنسانية في حلب، وخطوات عملية لا بد من اتخاذها لضمان صمود وقف إطلاق النار في سورية".
أما على الأرض، فلا يزال آلاف المدنيين ينتظرون الخروج من حلب. وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي في بيان أمس، إنه يجب السماح لكل المدنيين بمغادرة شرق حلب، مشدداً على أن الحرب السورية يجب أن تتوقف على الفور لمنع تكرار مأساة حلب في مناطق أخرى. وحذر من أن "هناك خطراً كبيراً من استمرار مثل هذا النزوح والمعاناة وتكراره في مناطق أخرى في معارك أخرى"، مضيفاً: "من أجل حماية المدنيين في كل مكان يجب إنهاء الصراع السوري، الآن ودون تأخير، ويجب ألا يكون المدنيون رهائن للمفاوضات".
في السياق، تحدثت مصادر تابعة للمعارضة تواكب عمليات خروج المدنيين من أحياء حلب المحاصرة، عن إحصائية قالت إنها تقريبية لأعداد المهجرين من حلب، تشير إلى خروج خمس دفعات حتى فجر الجمعة عبر الحافلات وسيارات الإسعاف، أجلت أكثر من خمسة آلاف مدني بينهم أطفال ومصابون، قبل أن تعرقل المليشيات الحليفة لإيران عمليات الخروج.
ويؤكد ناشطون أن آلاف المدنيين ينتظرون مواصلة تنفيذ الاتفاق في الأحياء المحاصرة من بينهم مصابون، ومن يحتاجون إلى رعاية صحية فورية، ومئات الأطفال، مشيرين إلى أن الأوضاع الإنسانية "كارثية"، خصوصاً أن أغلب الكوادر الطبية خرجت في الدفعات الأولى ولم يتبقَ سوى ثلاثة أطباء وعدد من العاملين في الحقل الطبي، وفق الناشط الإعلامي أحمد بريمو.


في غضون ذلك، تبادلت روسيا وإيران رسائل تشير إلى اتساع الهوّة بينهما حيال راهن ومستقبل سورية، إذ يحاول الطرفان استثمار ما يريانه "نصراً عسكرياً" في حلب. ولا يمكن عزل الزيارة المعلنة لقاسم سليماني قائد "فيلق القدس" المشرف على المليشيات الحليفة لإيران، إلى حلب الجمعة، عن الخلاف الروسي الإيراني المتصاعد على خلفية الاتفاق الذي أبرمته موسكو مع أنقرة حول حلب من دون استشارة طهران، وهو ما جعل الأخيرة تضع العصي في عجلات هذا الاتفاق، وفرضت عليه شروطاً عديدة.
كذلك تأتي زيارة سليماني في إطار محاولات إيرانية لاستعراض القوة، للتأكيد على أنها باتت من أهم اللاعبين في سورية، وأنها قادرة على عرقلة أي اتفاق لا يراعي مصلحتها، وتثبيت رئيس النظام بشار الأسد في السلطة كونه الضامن لهذه المصلحة. في المقابل، حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استثمار ما جرى في حلب لفرض تسوية تحافظ على بقاء النظام، مستغلاً تراجع المعارضة عن معاقلها في أكبر مدن الشمال السوري، من خلال الدعوة إلى جولة مفاوضات جديدة بين المعارضة والنظام بعيداً عن مظلة الأمم المتحدة، محاولاً تحييد الغرب عما يجري في سورية. وقال بوتين، الجمعة، إنه اتفق مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إجراء محادثات سلام بشأن سورية في عاصمة كازاخستان أستانة.
ولم ترفض المعارضة السورية صراحة المشاركة في مفاوضات قد تُعقد في كازاخستان برعاية روسية تركية، ولكنها اشترطت أن تتم تحت مظلة الأمم المتحدة. وأكد المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية رياض نعسان آغا، استعداد الهيئة لمتابعة التفاوض مع النظام "تحت مظلة الأمم المتحدة، وفق بيان جنيف 1 والقرارات الدولية ذات الصلة، وتنفيذ ما نصّت عليه من خلال تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية". وأكد نعسان آغا في بيان مقتضب وُزع على الصحافيين، مساء الجمعة، أن بعض وكالات الأنباء نسبت إلى المنسق العام للهيئة رياض حجاب، تصريحاً وصفه بـ "غير الدقيق" حيال هذا الأمر. وكانت وسائل إعلام قد نقلت عن حجاب تأكيده استعداد المعارضة للمشاركة في المفاوضات التي أعلن عنها بوتين. وعلّقت المعارضة مشاركتها في مفاوضات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة في أبريل/نيسان الماضي بسبب عدم تقيّد النظام بالقرار الدولي 2254 الذي دعا إلى فك الحصار عن مناطق محاصرة، وإدخال مساعدات، وإطلاق سراح معتقلين، وبسبب عدم تقيّده بجوهر العملية السياسية، وهو الانتقال السياسي المبني على هيئة حكم تشرف على مرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات وفق دستور جديد.
ورأى سفير الائتلاف السوري في العاصمة الإيطالية روما، بسام العمادي، أن الدعوة الروسية لإجراء مفاوضات سلام بين المعارضة والنظام تؤكد اتساع الهوة بين الأهداف الروسية والإيرانية في سورية، ودليل على أن موسكو تريد إنهاء تدخّلها بعدما لمست أن "جيش" النظام بلغ مرحلة متقدّمة من الترهل والانهزامية لدرجة أنه لم يستطع الحفاظ على تدمر، ووجدت أن المليشيات الإيرانية لها أهداف مختلفة عن الأهداف الروسية، وتقوم بأعمال انتقامية، ولا تهتم الا بالغنائم.
وأشار العمادي في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن دعوة بوتين "دليل على عزوف الروس عن الاستمرار في حربهم على الشعب السوري"، مضيفاً أن "ما حدث في حلب يعطيهم المبرر، وهو إعادة الكثير من المدن والمناطق لسيطرة النظام"، معرباً عن اعتقاده بأن الروس "أرهقوا"، مضيفاً: "مضى أكثر من عام على تدخّلهم في سورية، ولا تزال الثورة ماضية، ولم يستطيعوا إنهاءها كما كانوا يريدون". ولفت إلى أن الروس أمّنوا الساحل السوري المهم لهم الذي يحوي القاعدة البحرية والغاز، وكبّلوا النظام باتفاقيات تعطيهم ما لم يعطه نظام لدولة أخرى في بلده، مضيفاً: "لذلك لم يعد هناك مبرر للاستمرار، فكل ما سيأتي سيكون فيه خسارة لهم. وصلوا إلى قمة مكاسبهم وما سيأتي بعد ذلك هو نزول من القمة".
ورأى الدبلوماسي السوري الذي كان سفيراً لسورية في السويد، أن الروس وجدوا أن الإيرانيين لهم أجندة أخرى ولا يمكن الاعتماد عليهم في إنهاء الحرب، لذلك توجّهوا إلى الأتراك الذين لهم أهداف مشابهة لأهداف روسيا في ما يتعلق بعدم تسليم سورية إلى إيران.
واعتبر العمادي أن ذهاب المعارضة إلى مفاوضات في أستانة يحمل الكثير من المخاطر، مضيفاً: "إذا لم يكن الوفد المفاوض لديه الاستقلالية والقوة المستمدة من الشعب والأرض فسوف يقدم التنازلات، ومن ثم لن يكون مقبولاً ما يتفق عليه هناك". ورأى أن موسكو ستفرض ما يُسمّى بـ"منصة موسكو"، ومعارضة حميميم على المعارضة وبذلك تصبح المفاوضات "مهزلة".