لطالما اشتكى التونسيون من الدروس الخصوصية التي تستنزف مدخراتهم المالية طوال السنة الدراسية. تفرض هذه الدروس فرضاً في بعض الأحيان على تلاميذ المدارس الرسمية المجانية. كذلك يشير مراقبون وجمعيات إلى أنّ الدروس الخصوصية أثّرت بشكل كبير على المنظومة التربوية، خصوصاً لجهة العدالة في حق التعليم للجميع.
التقرير الوطني حول التربية الذي صدر عام 2014 عن وزارة التربية أشار إلى ارتفاع ظاهرة الدروس الخصوصية خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي انعكس سلباً على مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع التلاميذ. كذلك أشار تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2013 إلى أنّ تونس تحتلّ المرتبة التاسعة عالمياً في الدروس الخصوصية، إذ يتلقاها أكثر من 70 في المائة من التلاميذ. ويتلقّى 54 في المائة من التلاميذ الدروس الخصوصية من المدرّسين أنفسهم الذين يدرّسونهم في المدارس.
بالإضافة إلى ذلك، أشار تقرير البنك الدولي إلى أنّ الدروس الخصوصية تكلّف التونسيين نحو 700 مليار دينار تونسي (نحو 342 مليون دولار أميركي) سنوياً.
على هذا الأساس، ونظراً لازدياد الشكاوى، بادرت وزارة التربية إلى اتخاذ جملة من الإجراءات الجديدة والإصلاحات في المنظومة التربوية منذ بداية الموسم الدراسي الحالي. من ذلك منع الدروس الخصوصية. وأكدت الوزارة أنّ كلّ من يخالف الأمر يتعرّض إلى عقوبات جزائية وإدارية ومالية تتمثل أساساً في الإيقاف عن العمل لمدّة ستة أشهر أو سنة، أو الطرد من المؤسسة التعليمية. ولا تعدّ الدروس الخصوصية قانونية وفق الوزارة إلا إذا كانت داخل المؤسسات التعليمية الحكومية، وتحت إشراف وزارة التربية، أو التي تحصل على ترخيص بموجب القانون.
يؤكد وزير التربية ناجي جلول على "ضرورة إنهاء حالة الفوضى التي وصلت إليها الدروس الخصوصية في السنوات الأخيرة، ما جعلها في بعض الأحيان شكلاً من أشكال التعليم الموازي الذي أضر بمجانية التعليم الرسمي وتكافؤ الفرص بين التلاميذ".
لكن، على الرغم من العقوبات التي نصّ عليها القرار، لم يلتزم عدد كبير من المدرّسين، وما زالوا يقدمون دروسهم، ولو بحذر وبشكل سري.
اقرأ أيضاً: تهريب الأدوية نحو ليبيا يهدّد المخزون التونسي
محمد، تلميذ في السنة الابتدائية السادسة، يأخذ دروساً خصوصية في الرياضيات واللغة الفرنسية لدى أحد المدرّسين من مدرسته بالذات. يتقاضى المدرّس 17 دولاراً. يقول محمد إنّه اعتاد على الدراسة لدى هذا المدرّس بالذات كلّ عام. في السابق كان المدرّس يقدّم دروسه لنحو 20 تلميذاً، لكنّه اليوم يكتفي بثمانية تلاميذ فقط ممن يعرفهم ويعرف أهاليهم، فلا يشكل الأمر خطراً عليه.
من جهتها، تقول تلميذة الثانوية العامة رحمة إنّ المدرسين بمعظمهم يضغطون على التلميذ في الصف ليوهموا أهله أنّه ضعيف ويحتاج إلى بعض الدروس الخصوصية. وهو ما يدفع الأهل إلى التعاقد مع المدرسين أنفسهم ليقدموا لابنهم دروساً خصوصية. تضيف أنّ أكثر التلاميذ إقبالاً على الدروس الخصوصية هم تلاميذ الثانوية العامة، نظراً لصعوبة الدروس والمواد وكثرتها. تتابع: "ما زلنا نتلقى الدروس الخصوصية لدى مدرسينا خارج المدرسة، لكن من دون أن نخبر أحداً بذلك، بتوصية منهم بالذات مخافة تعرّضهم إلى عقوبات".
بالفعل، بات المدرسون الذين يقدمون تلك الدروس يختارون تلامذتهم بدقة حتى لا يقعوا في المشاكل. ولم تعد تنتشر ملصقات إعلانية في محطات النقل العمومي أو في الشوارع عن تلك الدروس.
في المقابل، يرحب عدد كبير من خريجي التعليم العالي العاطلين من العمل بقرار منع الدروس الخصوصية. هم يجدون فيه فرصة لهم دون سواهم لتقديم الدروس الخصوصية وتوفير مدخول شهري لا بأس به قد يعادل مدخول المدرّس نظراً للإقبال الكبير على تلك الدروس، ونظراً إلى عدم انتسابهم إلى أيّ مؤسسة تعليمية قد يخشون الطرد منها.
يشير أمين عام "اتحاد العاطلين عن العمل" سالم العياري، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ قرار إلغاء الدروس الخصوصية سيمكّن العاطلين من العمل من خريجي التعليم العالي من تدريسها وتوفير أجور بسيطة لهم. كذلك يؤكد على ضرورة منح العاطلين من العمل الأولوية في تقديم الدروس داخل المؤسسات والبرامج التربوية.
لكنّ النقابة العامة للتعليم الثانوي تنتقد القرار المنظم للدروس الخصوصية. يشير الكاتب العام المساعد للنقابة مرشد إدريس، لـ"العربي الجديد"، إلى استياء المدرسين من العقوبات التي تضمنها القرار. ويؤكد مطالبة النقابة بأن تكون الدروس داخل المؤسسات التربوية، لا في مؤسسات خاصة كما تتجه إليه وزارة التربية.
اقرأ أيضاً: خريجو معاهد الطفولة في تونس بلا عمل