يشكو أولياء أمور التلاميذ في مصر، من الفساد في المدارس الذي يفرض عليهم دفع رشاوى وتدبّر وساطات، لقبول أبنائهم فيها، وهو فساد يشمل المدارس الحكومية والخاصة، فيما تتخذ الرشاوى مسميات متنوعة.
أمام واحدة من المدارس المصرية التي تكتظ بها منطقة الظاهر، وهي من أقدم أحياء القاهرة، يجلس أحمد مصطفى (65 عاماً) داخل سيارته، وعيناه تراقبان البوابة، في انتظار خروج ابنته التي تتقدم بأوراق حفيدته للالتحاق بالمدرسة. يروي أحمد معاناته مع رحلة البحث عن مدرسة ذات سمعة طيبة لحفيدته منذ إبريل/ نيسان الماضي، حتى بداية موسم التقديمات، ويقول بأسى: "كلّ يوم، أتأكد أنّنا عشنا في السابق أحوالاً أكثر إنسانية، ولا أظن أنّ والدتي أو والدي عانيا عند إلحاقي بالمدرسة كما الآن". يتابع: "كان الأمر أكثر بساطة، وكانت الدولة تؤمن حقاً بأهمية التعليم وتوفيره كحق أصيل، وكلّ ما قام به والدي أنّه اختار المدرسة الأقرب إلى مسكننا، وتقدم بشهادة الميلاد وغيرها من المستندات الرسمية المطلوبة".
يضحك أحمد، مواصلاً حديثه إلى "العربي الجديد": "جميعنا كتلاميذ مدارس كنا نرتدي زياً موحداً، ولا أنسى أبداً تلك المريلة البيج المصنوعة من قماش يطلق عليه الدبلان، وأحياناً كانت الأمهات يحكن حقائب مدرسية لنا من بقايا قماش المريلة. وما أذكره أنّني لم أعانِ أنا أيضاً عندما ألحقت أبنائي بمدارس حكومية وتجريبية. الحقيقة أنّ حال ابنتي أتعبتني فهي تعاني من القلق من احتمال عدم توفر مكان مناسب لحفيدتي، إذ وضعت قائمة بعدد من المدارس ذات السمعة الجيدة، بعيداً عن المدارس الحكومية، ومنذ شهرين وأكثر وهي تحاول التواصل مع كلّ مدرسة لمعرفة الشروط، كما جهزت أكثر من ملف يضم صوراً من شهادات ميلاد طفلتها، والبطاقة الشخصية لها ولزوجها، وشهادات صحية وغيرها من الأوراق، وبدأنا رحلة المرور على هذه المدارس وترك الملفات، ودفع رسوم استمارات الالتحاق والتي تبدأ من 400 جنيه (25 دولاراً أميركياً) وتصل إلى 800 جنيه (50 دولاراً) في المدارس مرتفعة التكاليف. بعد ذلك، يجري تحديد مواعيد المقابلات المدرسية، للطفل والأب والأم، وبالطبع تكون الأولوية لأصحاب الوساطات القوية، وهناك كوتا أخرى لأبناء ضباط الجيش والشرطة، وكوتا للأطفال الذين لهم أشقاء في المدرسة، وهذه المعلومات نقلتها لي ابنتي عن أولياء الأمور الذين تصادفهم في المدارس المختلفة التي مررنا بها، وبناء عليها يتقرر قبول طفلك أو عدمه. وحتى هذه اللحظة، أجرت ابنتي وحفيدتي ما لا يقل عن أربع مقابلات". ويتساءل أحمد: "ما دام الأمر محسوماً بالوساطات والكوتا فلماذا يفتحون الباب على مصراعيه لقبول طلبات الالتحاق؟".
ويختم أحمد: "لم أكن أتخيل حجم المعاناة التي يعيش فيها أولياء الأمور الراغبون في إلحاق أولادهم بالمدارس إلا بعد الرحلة التي خضتها برفقة ابنتي، نظراً لظروف سفر زوجها، والغريب أنّ مدارس كثيرة ترفض التلميذ، لكنّها لا تعيد رسوم الاستمارات. المسألة لم تعد لها علاقة بالتعليم من قريب أو بعيد، بل أصبحت مشروعاً تجارياً مضمون الربح، وأخيراً وبعد القبول تطلب المدرسة 10 آلاف جنيه (627 دولاراً) كتبرع، وإلا فإنها ترفض الطلب، وذلك على الرغم من تحذير وزارة التربية والتعليم من فرض التبرعات على أولياء الأمور".
حالة أحمد مصطفى ليست الوحيدة، وللمعاناة أوجه مختلفة، سواء عند الباحثين عن فرص لأبنائهم في المدارس الخاصة أو التجريبية أو حتى الحكومية. التقت "العربي الجديد" عدداً من أولياء الأمور، من بينهم عامر نصير الذي يقول إنّه شهد الويل والعذاب في تحويل ابنته من مدرسة خاصة إلى حكومية، وقد قرر ذلك بسبب الكلفة المرتفعة في المدارس الخاصة. يشير إلى أنّه دفع مبلغ ألف جنيه (62 دولاراً) إلى إدارة المدرسة الحكومية كنوع من التبرع، بعدما رفض مدير المدرسة القبول في البداية، كما دفع مبلغ 500 جنيه (31 دولاراً) لأحد الإداريين بالمدرسة.
بدورها، تلفت مروة رمضان، وهي موظفة، وولية أمر أحد التلاميذ، إلى أنّ قبول التلاميذ الجدد بالمدارس الخاصة يدار بالوساطة والمحسوبية وبدفع الرشاوى، مؤكدة أنّ تلك المدارس تدار من دون رقابة من قبل وزارة التربية والتعليم، بل تخضع أكثر لسلطة الإدارات التعليمية التي "يعشش فيها الفساد". وتشدد على أنّ المدرسة "مشروع تجاري يستهدف جني الأموال" مضيفة أنّها دفعت مبلغ 5 آلاف جنيه (313 دولاراً)، من بينها ألفان- رشوة- والباقي مقدم محجوز، إلى حين معرفة المبلغ المتبقي مع بداية العام الدراسي.
كذلك، يقول محمود الدرديري، وهو موظف، إنّه انتقل من مكان سكنه إلى مكان آخر أقرب إلى مكان عمله، ولديه ثلاثة تلاميذ في المراحل التعليمية الثلاث، جميعهم في مدارس حكومية، وجرى إنهاء إجراءات إخلاء طرفهم من مدارسهم في سهولة ويسر، لكن "دخت ما بين المدرسة والإدارة التعليمية التابعة لها، بالرغم من أنّ أولادي من المتفوقين. دلّني أحد الأشخاص على مسؤول في المدرسة التقيت به خارج العمل ودفعت مبلغ 1500 جنيه (94 دولاراً) عن أولادي ثم ألف جنيه (63 دولاراً) كتبرع للمدرسة، واكتشفت أنّ أكثر من ولي أمر يتفاوض مع ذلك المسؤول خارج المدرسة للغرض عينه".
أما محمدي (49 عاماً) فهو موظف بسيط في إحدى الشركات، في القاهرة الجديدة، لذلك اضطر أن ينقل محل سكنه إلى التجمع الأول. عام كامل مضى وهو يحاول نقل ابنته من مدرستها التي كانت تجاور محل سكنه القديم، متنقلاً ما بين إدارتين تعليميتين، إلى أن طالبه أحد الموظفين بدفع مبلغ خمسة آلاف جنيه باعتباره تبرعاً لصالح المدرسة الجديدة، لكنّه لم يكن يملك هذا المبلغ. يقول: "الوضع كان صعباً جداً، لكن ولله الحمد، بعدما دخت سبع دوخات، تحدثت إلى مديري ليبحث لي عن وساطة، وبالفعل تمكنت من نقل ابنتي، بعد معاناة عام كامل في المواصلات وخوف متواصل عليها".
مع اقتراب العام الدراسي الجديد، فتحت وزارة التربية والتعليم في مصر، باب تحويل التلاميذ من مدرسة إلى أخرى بداية من أول يوليو/ تموز الجاري حتى منتصف أغسطس/ آب المقبل، سواء للمدارس الحكومية أو الخاصة. وفرض عدد من المدارس على أولياء الأمور دفع مبالغ مالية كبيرة تفوق طاقتهم، على سبيل الرشوة بصورة مستترة، لإنهاء الأوراق والمستندات المطلوبة لهم من دون أيّ تعقيدات وفي أقرب وقت ممكن، كما أنّ بعض الأشخاص داخل المدارس الذين يطلق عليهم لقب "المخلصاتية" يطلبون المال من ولي الأمر لإنجاز ما هو مطلوب أيضاً.
يكشف مسؤول في وزارة التربية والتعليم، أنّ فرض الإتاوات والرشاوى بعدد من المدارس المصرية قائم منذ عدة سنوات وليس وليد اليوم، لكنّه في تزايد عاماً تلو آخر، نتيجة ضعف الرقابة. يشدد على أنّ إجبار ولي الأمر على دفع التبرعات تحت مسميات مختلفة، من بينها المشاركة بترميم المدرسة، وطلاء الجدران، وشراء مقاعد جديدة، وترميم الأبواب والنوافذ والأسوار، وشراء مراوح للسقف، وأجهزة كومبيوتر، وغيرها من مسميات أشكال التبرعات، مبيناً أنّ 80 في المائة من تلك الأموال تذهب إلى جيوب المسؤولين، مشيراً إلى أنّ مجمل تلك التبرعات يعدّ مخالفة قانونية، لأنّ كلّ ما يخص المدارس من ترميمات وغيرها شأن يخص وزارة التربية والتعليم وليس أولياء الأمور. ويعتبر أنّ فتح باب التحويلات وقبول تلاميذ جدد خلال العام الدراسي المنتظر، يراه المستغلون موسماً لجمع المال الحرام.
إلى ذلك، تشهد مدارس خاصة عدة في المحافظات المصرية، إقبالاً متزايداً من الأهالي بعد فتح القبول بالعام الدراسي الجديد، بحثاً عن فرصة لتقديم أوراق أبنائهم بمرحلة رياض الأطفال أو الصف الأول الابتدائي، نتيجة تكدس المدارس الحكومية وتزايد أعداد التلاميذ فيها. كذلك، يعتبر بعض المواطنين أنّ عدم وصول أطفالهم إلى السنّ القانونية، وهي 6 سنوات كاملة، بفارق شهرين أو ثلاثة أشهر، يحرمهم من الالتحاق بالمدارس الحكومية، ما يدفعهم لاختيار المدارس الخاصة التي تقبل الأطفال من سنّ خمس سنوات ونصف. مع ذلك، فإنّ القبول في المدارس الخاصة ليس سهلاً، فبعض المدارس فتحت باب قبول أوراق التقدم ليوم واحد ولمدة ساعتين نظراً للإقبال المتزايد، وفضّل بعض المدارس القبول بأطفال جدد لديهم أشقاء فيها، وهناك أطفال جرى وضعهم في قائمة الانتظار، ما جعل أولياء الأمور في قلق خوفاً على مستقبل أبنائهم، وهو ما يدفعهم للبحث في سبل الوساطات والرشاوى أيضاً.