مدارس العالم تقتل الإبداع

16 يونيو 2015
حصص الفنون لا تحظى بالأولوية (Getty)
+ الخط -
لا تحفز معظم مدارس العالم تلاميذها على الإبداع. فإذا كان لدى أحدهم مثل هذه البذرة عمدوا إلى قمعها من خلال المناهج التعليمية المعتمدة. وعن ذلك، يقول الخبير البريطاني في الإبداع، السير كين روبنسون، إنّ "طاقات بشرية كثيرة تهدر في العملية التعليمية".

ويعطي روبنسون مثالاً عن الأطفال الذين يصنفون بالخطأ مرضى فقط، لأنّهم لم يتأقلموا مع النظم التعليمية التي يفرضها عليهم المجتمع. ومن هؤلاء فتاة صغيرة لطالما بدت شاردة خلال الحصص، بيد أنّها ذات يوم لفتت انتباه مدرّسة الرسم، فاقتربت منها وسألتها: "ماذا ترسمين؟".. أجابت الفتاة: "أرسم صورة الله".. ردّت المدرّسة: "لكن لا أحد يعلم كيف يبدو الله".. فما كان من الطفلة إلاّ أن أجابت بثقة: "سيعلمون بعد دقيقة".

يقول روبنسون إنّ الجهات التعليمية تعمل على توجيه الطلاّب بما يتناسب مع نظرتها للأمور. كما تعاقب الطفل على فعل ما باعتباره خاطئاً، فلا يجرؤ بمرور الوقت على الإقدام على أي فعل بعيد عن الخط المرسوم له، خوفاً من ارتكاب خطأ يعاقب عليه. ويؤكّد روبنسون، أنّه "إذا لم يكن الإنسان مستعداً للخطأ فإنّه لن يتمكن من الابتكار والإبداع. وبالتالي يفقد معظم الأطفال القدرة على الإبداع في مرحلة البلوغ لأنّهم يخشون من الوقوع في الخطأ".

ويتهم روبنسون المناهج التعليمية حول العالم بافتقارها إلى المقوّمات الأساسية لدعم مهارات الطفل وتشجيعه. ويلفت إلى أنّ "النظام التعليمي يعتمد على ركيزتين هما الوصول إلى وظيفة مستقبلية، والتخرج من الجامعة بعد أن باتت القدرات الأكاديمية بديلاً عن الذكاء". ويضيف أنّ "جميع الأنظمة التعليمية حول العالم تتّمتع بالهرمية نفسها في ترتيب أولوية المواد. وتحتل مادتا الرياضيات واللغة القمّة، ثمّ الإنسانيات، وفي قاع الهرم الفنون".

وعن هذه الأولويات، يقول روبنسون: "يركّز معظمنا على تعليم الأطفال استخدام الجزء الأعلى من الجسد، وخصوصاً الرأس.. وإن زرت أي جهة تعليمية وسألت عن الهدف من التعليم العام، ستكون الإجابة تخريج وإنتاج أساتذة جامعيين.. والغريب أنّ هؤلاء يعيشون برؤوسهم، كأنّهم بلا جسد، وينظر معظمهم إلى جسدهم كوسيلة للتنقّل لإيصال رؤوسهم إلى الاجتماعات".

ويعطي روبنسون مثالاً عن تلك المواهب التي قمعت في المدرسة، من خلال راقصة الباليه الشهيرة جيليان لين (89 عاماً). فعندما كانت في السابعة، اتصلت المدرسة بأهلها لعدم قدرتها على التحصيل العلمي. اصطحبتها والدتها إلى طبيب متخصّص، وبعد حديث دام نحو 20 دقيقة حول مشكلتها، طلب منها الطبيب أن تبقى في الغرفة ليتحدّث إلى والدتها على انفراد. وقبل خروجه أدار الراديو، وطلب من والدتها أن تراقبها من خلال نافذة خارج الغرفة. عند ذلك بدأت جيليان بتحريك قدميها. وبعد دقائق قال الطبيب لوالدتها: "ابنتك ليست مريضة، بل راقصة، فقط خذيها إلى مدرسة رقص". وبالفعل، فقد تخرّجت من المدرسة الملكية للباليه، وأسّست شركتها الخاصة لتعليم الباليه، وساهمت في نجاح أهم المسارح الغنائية في التاريخ، عدا عن تحقيقها ثروة مالية كبيرة.

وفي السياق نفسه، تقول رئيسة الاتحاد الوطني للمدرسين (أكبر اتحاد للمدرسين في أوروبا) روزاماند ماكنيل لـ"العربي الجديد" إنّ هناك عدداً متزايداً من المدرسين والأهالي الذين يعتبرون النظام التعليمي المدرسي جامداً ولا يتناسب مع تطوير مهارات الأطفال، بل يعمل على تثبيط وتنفير الكثير من التلاميذ. وتضيف أنّ هذا الأمر يزيد الضغط على المدرسين للتعامل مع الأطفال كأفراد. وتتابع أنّ الحكومة البريطانية تفرض على اتحاد المدرسين معايير تهدف إلى تحقيق أهداف خارجية، وهو ما أنتج بيئة تعليمية أضيق مساحة على التلاميذ. وتختم: "كلّما ازدادت الأهداف المتوقّعة من المدارس كلّما تقلّص الإبداع داخل الصفوف".

إقرأ أيضاً: تجربة تعليمية رائدة في فنلندا
المساهمون