أجبرت الظروف القاهرة عدداً من الأسر النازحة من ريفي حماة وإدلب، على السكن في أرض خصصت لتكون مكباّ للنفايات بالقرب من بلدة كفر لوسين، باسم مخيم البشير، شمالي محافظة إدلب، في شمال سورية. وتواجه الأسر صعوبات حياتية كبيرة بسبب الحشرات الضارة والروائح الكريهة التي تنبعث من المكبّ، في غياب بديل مناسب لهم، لسوء أحوالهم المعيشية التي تمنعهم من مغادرة المكان.
أبو عدنان (52 عاماً) أحد نازحي مخيم البشير، يتحدث إلى "العربي الجديد" عن مدى سوء أحوال النازحين في المخيم قائلاً: "الرائحة لا تحتمل وسط أكوام القمامة هنا، لكنّنا مجبرون على البقاء فليست لدينا القدرة على الانتقال. أكياس البلاستيك تتطاير في كلّ مكان عند هبوب الرياح ومعها الأوساخ. وفي الخيمة نعاني من الذباب الذي ينتشر في شكل أسراب. نترقب حلاً من الأطراف المسؤولة، ونطالب بأن يجدوا لنا أرضاً بديلة نقيم فيها ونشيّد عليها خيامنا".
أما الناشط الإعلامي خضر العبيد، وبعد اطلاعه على أوضاع بعض النازحين المقيمين في المنطقة التي تعتبر تجمعاً لعدد من المخيمات من ضمنها مخيم البشير الذي تنتشر خيام النازحين فيه وسط أكوام النفايات، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ وضع النازحين المقيمين في المنطقة مأساوي، وهم يعيشون وسط رائحة لا تحتمل مع انتشار الحشرات ومنها البعوض والذباب بشكل كبير. ويقدّر عدد الأسر المقيمة في المخيم بنحو 800. ويؤكد العبيد أنّ أقرب نقطة طبية للمخيم تبعد نحو 5 كيلومترات، وهو ما يزيد صعوبة المعيشة في المخيم، كما أنّ الأرض التي أقيم عليها هي أرض صخرية تنتشر فيها العقارب والأفاعي ما يزيد من معاناة السكان فيه، مؤكداً أنّ حال النازحين في بقية المخيمات القريبة من المكب والتي يصل عددها إلى عشرين مخيماً، سيئة كذلك، وإن كانت حال مخيم البشير هي الأسوأ بينها لوقوعه في المكبّ تماماً.
يوضح محمد حلاج، مدير فريق "منسقو استجابة سورية" لـ"العربي الجديد" أنّ "هذه الحال ليست موجودة فقط في منطقة كفر لوسين، بل في عدة مناطق؛ منها بلدات الشيخ بحر، وسلقين، وحارم. ومن الأسباب التي تدفع النازحين لتشييد المخيمات العشوائية، غياب الرقابة على هذه الأراضي، بالإضافة إلى أنّه لا أحد يفرض عليهم أجوراً لقاء الإقامة على هذه الأراضي، ففي كثير من المخيمات يضطر النازحون لدفع أجور الأراضي لمدة ستة أشهر وحتى عام كامل، لذلك فإنّ الحلّ لدى من لا يتمكنون من سداد هذه الأجور إقامة مخيماتهم في تلك الأراضي المجانية".
يضيف حلاج: "نلاحظ أنّ النازحين يحاولون دائماً الاتجاه نحو الريف الشمالي في محافظة إدلب، كونها المنطقة التي يعتبرونها أكثر أمناً من غيرها، فهم يحاولون الابتعاد قدر الإمكان عن المناطق القريبة من خطوط التماس (وهي المناطق التي تشهد غارات متكررة لقوات النظام السوري وحلفائه، غالباً ما توقع خسائر في صفوف المدنيين ومن بينهم النازحون)". يتابع: "قلنا في كثير من الأحيان إنّ هذا الوضع يتسبب بكثير من المشاكل للنازحين وفي مقدمتها ارتفاع معدل الإصابات بمرض اللشمانيا، نتيجة المياه الآسنة المكشوفة، وغياب الصرف الصحي، وبسبب النفايات. والحلّ اليوم هو إنهاء سكن النازحين في الخيام، واستبدالها ببديل أفضل، علماً أنّ هناك اليوم نحو مليون وأربعين ألف نازح في المخيمات". يتابع أنّ حلّ المشكلة هو مشروع الكرفانات كبديل عن الخيام. ويشير إلى أنّه يمكن نشر الكرفانات في محيط المدن والبلدات، وهكذا يحظى النازحون المقيمون فيها بالخدمات، مثل شبكات المياه والكهرباء والطبابة وغيرها، وبدلاً من قطع الطفل النازح عدة كيلومترات للوصول إلى المدرسة يكون الأمر أسهل.
يصل عدد مخيمات النازحين في منطقة شمالي غرب سورية إلى 1277 مخيماً، يعاني سكانها في الوقت الحالي من تراجع في مستوى المساعدات الإنسانية المقدمة لهم من برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، بالإضافة إلى مشاكل ناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة منها الحرائق، كما الافتقار إلى البنى التحتية والخدمات الأساسية.