مخرجات الحوار اليمني: استحداثُ مشاكل

31 يناير 2014
+ الخط -
يسيطر نقاش حادّ في اليمن، حالياً، حول مخرجات الحوار الوطني، الذي انتهت أعماله قبل أيام. تنقسم الآراء في اتجاهين رئيسيين: أصحاب الاتجاه الأول يتحدثون عن نجاح الحوار الوطني، ويستندون إلى مخرجاته في القضايا التسع التي تولّى العمل عليها، وهي: القضية الجنوبية، قضية صعدة، قضايا ذات بعد وطني والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، بناء الدولة، الحكم الرشيد، أُسس بناء الجيش والأمن ودورهما، استقلالية الهيئات ذات الخصوصية، الحقوق والحريات، وأخيراً التنمية (الشاملة والمتكاملة والمستدامة).

لا يتوقف هؤلاء عن التأكيد أنّ نقلة نوعية ستحدثها مخرجات الحوار، مبشّرين بـ"يمن جديد". يعتقدون أن الدعم الدولي، بما في ذلك تهديد مجلس الأمن الدولي قبل أيام بفرض عقوبات على معرقلي التسوية السياسية والحوار، سيضمن تنفيذ المخرجات. ويطالب هؤلاء بعدم التسرّع في الحكم على فشله، على اعتبار أنه لم يكن بالامكان تحقيق أفضل من ذلك. ويشددون على أن تنفيذ المخرجات يحتاج إلى بعض الوقت، والدولة بمؤسساتها المختلفة لا تملك عصاً سحرية ستنهي المشاكل برمتها بين ليلة وضحاها.

في المقابل، هناك تيار آخر يرى أن في مخرجات الحوار الوطني، الذي امتدت أعماله لعشرة أشهر، أولى خطوات تدمير اليمن، وأن الأيام ستكون كفيلة بتأكيد ذلك. الأسباب التي تدفع هؤلاء لهذا الاعتقاد عديدة، يختصرها تساؤل عمّا قدّمه الحوار من نجاحات؟ هل مهّد الحوار - الذي أتى بعد ثورة شبابية قُيِّدت بمبادرة خليجية - لانتزاع الشعب لقراره من مراكز النفوذ والقوى التقليدية؟ الاجابة قطعاً لا.

على العكس من ذلك، ربما نجح الحوار في تعزيز مراكز هذه القوى، وتحديداً تلك التي كانت حليفة للرئيس السابق علي عبد الله صالح طوال سنوات، وتخلت عنه مع انطلاق الاحتجاجات الشعبية في ٢٠١١، لتنتقل إلى معسكر الثورة ومن ثم الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي. وضع دفع كثيرين للحديث عن إعادة إنتاج حلف العام ١٩٩٤ الذي قاد حرب فرض الوحدة بالقوة في الجنوب، على أنّ المتغيّر الوحيد في هذا الحلف هو استبدال صالح بهادي، في مقابل احتفاظ كل من حزب "التجمع اليمني للاصلاح" ومستشار الرئيس، الجنرال علي محسن الأحمر، بموقعيهما، إلى جانب مجموعة من مراكز القوى والفساد التي لطالما تحكّمت باليمن.

يبقى الأهم: هل فعلاً يهيئ الحوار وتوصياته لحلّ أبرز القضايا الشائكة في اليمن؟ مجدداً، النفي هو الجواب الأقرب إلى الصواب.

البداية، من الجدل حول شكل الدولة. اختيار تحويل الجمهورية اليمنية إلى دولة اتحادية عبر تقسيم البلاد إلى أقاليم، وتفويض المبعوث الأممي جمال بن عمر الاشراف على عمل اللجنة المكلفة بهذه المهمة، يصوَّر على أنه أهم قرار اتخذ في الحوار. لكن لا يوجد مسؤول يمني واحد اليوم، بمَن فيهم هادي، قادر على الاجابة عن سبب اختيار صيغة الأقاليم، وعن كيفية توزيع الصلاحيات بين الأقاليم والسلطة المركزية؟

والأهم أنه حتى اليوم، لا يُعرف بعد عدد الأقاليم المنوي استحداثها، وهل ستقتصر على إقليمين شمالي وجنوبي، كما تنادي بعض الاحزاب، وتحديداً الحزب الاشتراكي اليمني، أم أن اليمن سيتحوّل إلى دولة اتحادية من ٦ أقاليم، كما يفضل تحالف الحكم الجديد. هو تقسيم يُعتقد على نطاق واسع أنه لن يساعد سوى في تحفيز صراعات مستدامة بين اليمنيين، وليس الحفاظ على وحدة اليمن كما يحاجج الرئيس.

صون الوحدة وحل القضية الجنوبية، تحديداً، تحوّل إلى حجة يبرّر باسمها النظام جميع ما يتخذه من قرارات، سواء داخل جدول أعمال الحوار أو خارجه. لكن ما تم في الحوار يمكن وصفه بأنه من أسوأ عمليات تزوير إرادة الجنوبيين في اليمن.
البداية كانت مع لجوء هادي إلى القيادي الجنوبي، محمد علي أحمد، ومجموعة أخرى من الشخصيات لتمثيل "الحراك الجنوبي" في الحوار الوطني. كان هادي يدرك تماماً أن هؤلاء ليسوا ممثلين حقيقيين، وخصوصاً أن التيار الرئيسي في "الحراك" المُطالِب بفك الارتباط بين الشمال والجنوب، رفض المشاركة بشكل مطلق. وهو موقف اتخذته أيضاً أبرز الوجوه المحسوبة على التيار المنادي بالفيدرالية كحل للقضية الجنوبية، لأنها كانت تعتقد أن التهيئة غير السليمة التي رافقت الإعداد للحوار، ستنسحب على أعماله ومخرجاته.

اعتقاد ثبتت صحته لاحقاً، إذ اضطر محمد علي أحمد ومجموعته إلى الانسحاب، ليلجأ هادي إلى شق صفّهم للإبقاء على وجوه جنوبية، وللقول إنها تمثل "الحراك"، مع التشديد على أن مخرجات القضية الجنوبية ووثيقة الضمانات كفيلة بمعالجة القضية الجنوبية.

لكن ما يتجاهله النظام اليمني، هو أنّ الوسيلة الوحيدة لحل للقضية الجنوبية تبدأ من إجراءات ميدانية، وهي تكاد تكون معدومة حتى اللحظة. ويثبت مرور الأيام أنّ النظام يمعن في القضاء على أي فرص لحل عادل للقضية الجنوبية. ما يجري في منطقة الضالع من مجازر وقصف شبه يومي لمنازل المدنيين أحدث دليل، بعدما فشل هادي على مدى عامين من تنفيذ أي من المطالب الجنوبية، وتحديداً الحقوقية العادلة منها على غرار إعادة الموظفين المسرَّحين إلى وظائفهم، أو إعادة الأراضي المنهوبة إلى أصحابها.

أما ما يجري على صعيد قضية صعدة، التي تُعتبر جماعة "أنصار الله" أو ما يعرف بالحوثيين، أبرز القوى الفاعلة فيها، فيمكن وصفه بـ"الفشل الثالث للحوار".

عندما بدأ الحوار في آذار/ مارس الماضي، كانت هناك ستة حروب قد خاضتها الدولة ضد "الحوثيين"، انتهت بمجملها إلى فرض "أنصار الله" سيطرتها على المحافظة، والتمدد باتجاه مناطق أخرى.

وقبل أسابيع من انتهاء الحوار، اندلعت حرب جديدة بين الجماعة التي شاركت في الحوار، وبين السلفيين المتواجدين في دار الحديث في دماج، واتّسعت لتشمل معارك مع آل الأحمر، انتهت بدورها إلى تمدد اضافي لـ"أنصار الله"، وخروج السلفيين من دماج، من دون أن يكون الرئيس او مؤسسة الحوار الوطني قادرين على ايقاف هذه الحرب المستمرة حتى اللحظة.

في موازة ذلك، شهدت الأيام الأخيرة انسحاب "أنصار الله" من الحوار، بعد تعرُّض أبرز ممثلي الجماعة فيه، أحمد شرف الدين، للاغتيال، وأيضاً إثر الاختلاف حول وثيقة الضمانات، ليبدو أن الحوار لم ينجح سوى في تعقيد مشاكل اليمن عوضاً عن حلّها.

المساهمون