محو التأييد الأعمى

10 سبتمبر 2015
يبدو أن خطأ قد حدث (Getty)
+ الخط -
عادة سيئة، التأييدُ الأعمى لأي شخصٍ كان والتسليم به، فما بالكَ بتأييدٍ أعمى لنظام كامل، بخطاباته المطنِبة، بأحماله وأخطائه المحتملة وغير المحتملة. البهلول وحده هو من يستئمنُ نظام الويندوزعلى ملفاته، وبصراحة أعرفُ من ينسحبُ في الليل من فراشه بعد أنْ تقتله الوساوس، ويخطف نسخة احتياطية لصوره أو كتاباته الثمينة على قرص أو كرت للذاكرة ويخبئه في المحفظة؟!


ولكنني لستُ حاقدا على نظام الويندوز لدرجة الاسترسال بالكتابة عنه. الملفات التي ضاعت استرجعتها بمجهود بسيط، من الذاكرة، من الإنترنت، ومن صديق صادف أنه يحب الأشياء نفسها التي أحب. أنا حاقد عليَّ لأنني في كثير من اللحظات قلتُ فيها إن النظام لا يخطئ. النظام أكبر من أنْ يستهتر بملفاتي وصوري الشخصية. ولكنني وقعتُ في فخ التسليم الكامل.

حكى لي أحد الأصدقاء في يوم من الأيام أنّ مهمته الأولى والأخيرة في المجتمع تكمن في انتقاد كل شيء، وتعجبتُ وقتها، أنا الذي لم أعرف أن كل شيء يمكن نقده حتى الأنظمة، المفتوحة والمغلقة.

تعلمتُ وهذا هو المهم، وبدأتُ بنقد نظام الويندوز برسائله المفاجئة، بعد كل خطأ كنتُ أُجَن إذ يقول لي ببرود: "يبدو أن خطأ قد حدث، أغلقْ البرنامج وأعد المحاولة مرة أخرى". 
هل تؤيد نظاما لا يعرف؟ ويبرر الخطأ بكلمة مثل كلمة "يبدو" هذه!.

النظام الذي "لا يعرف" أو يُهيأ له بأنّ المحاولة الثانية ستكون أفضل من المحاولة الأولى يجب أنْ تقوم بتهيئته قسرا وترتب واحداته وأصفاره، وإلا فما الفائدة.
أيها النظام لقد راحت ضحيةَ خطئك الأول مليونُ صورة شخصية ومليونُ فرصة صداقة ومليونُ حبيب وحبيبة، فهل تضمن أنّ خطأك الثاني يمكن أن يكون أفضل، أو على الأقلّ لن تتبعه رسالة من نوع "يبدو" أو "حاول مرة أخرى لاحقا". ضاع العمر ولم يعد هناك متسعٌ لـ"لاحقا"

عادة سيئة، التأييد الأعمى لنظامٍ لا يسعه إلا ترتيب رسائل التبرير بدلاً من احترام نفسه، وترك رسالة فورمات، والانتحار بصمت وبدون نغمة إطفاء حزينة، تثنيك عن شعورك بالارتياح للحظة.

كنتُ قد سمعتُ عن قرية سورية احتفلتْ في قديم الزمان بمحو عادة التدخين من بين أهليها، ثم احتفلت بعدها بفترة وجيزة بمحو الأمية بين كبارها وصغارها، وأعرف أن القرية لم تمسك بيد المدخن أو برقبة الأمي وقطعتها في وسط القرية ثم راحت تهلل بالخلاص. محو التأييد الأعمى أيضا ليس سهلا، والنقد هو بداية الحصول على نسخة احتياطية للنجاة من هذا العالم المبرمج بواحداتٍ وأصفارٍ من حياة وموت.

(سورية)
دلالات
المساهمون