مدارس ليلية في الصين

26 يوليو 2024
العمل لساعات طويلة قد لا يتيح للبعض تحقيق أحلام الطفولة (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **المدارس الليلية في الصين**: شائعة في المدن الكبرى، تقدم دورات متنوعة مثل الرسم والرقص وفن الخط، وتستهدف الشباب بين 18 و55 عاماً. تعتبر بديلاً منخفض التكلفة لمدارس التدريب التقليدية.

- **قصص النجاح الشخصية**: يانغ دان حققت حلمها في تعلم الرسم، وليو دونغ أعاد ابنه للدراسة في مدرسة ليلية لدراسة المحاسبة المالية.

- **دعم الدولة والفرص المهنية**: المدارس الليلية تتبع القطاع الخاص وتحصل على دعم جزئي من الدولة، تقدم دورات مهنية للفئات ذات الدخل المحدود، ويباشر 95% من طلاب الفصول المهنية أعمالهم الخاصة فور التخرج.

أصبحت المدارس الليلية شائعة في المدن الصينية الكبرى، ويسعى مئات الآلاف من الشباب الصينيين إلى إيجاد وسائل للاسترخاء واستكشاف هوايات جديدة والتعرف إلى أقران متشابهين في التفكير بعد ساعات العمل العادية. وتقدم هذه المدارس قائمة متنوعة من الدورات التي تُعقد مرة واحدة في الأسبوع مثل الرسم والرقص وفن الخط، وتشكل بديلاً منخفض التكلفة مقارنة بمدارس التدريب التقليدية. وتسمح للعديد من الشباب بإيجاد اهتمامات كان عليهم تنحيتها جانباً خلال طفولتهم التي ركزت على الدراسة فقط. وتخدم هذه المدارس الطلاب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و55 عاماً. واجتذبت مناهجها الأكثر تقليدية مئات آلاف الطلاب. وخلال الفترة الأخيرة، أضافت عروضاً أكثر عصرية مثل: التواصل مع الحيوانات الأليفة، وصنع الوجبات الخفيفة، وتعلم المكياج، والتدوين بالفيديو، وغيرها من المهارات التي تواكب حداثة المجتمع.

أحلام مؤجلة

يانغ دان (35 عاماً) واحدة من 24 طالبة صينية يتلقين دروساً في إحدى المدارس الليلية بمدينة شنغهاي. وتقول لـ "العربي الجديد": "عن طريق الصدفة قرأت إعلاناً عن المدرسة وما تقدمه لطلابها، ولفتني أنه من ضمن الأنشطة التدريبية دورة مكتملة لتعلم الفن التشكيلي. استهوتني الفكرة لأن الرسم هوايتي المفضلة، ولأن توقيت الدراسة هو بعد نهاية الدوام الرسمي في الشركة التي أعمل فيها، إذ إن معظم معاهد الرسم والفنون الجميلة تفتح أبوابها صباحاً وتغلقها ليلاً، وهو ما لا يناسب عملي الذي ينتهي تمام الساعة السادسة مساء. كما أن الكلفة بسيطة مقارنة بالرسوم الباهظة في المعاهد والمراكز الخاصة". وتوضح يانغ أنه في مرحلة الطفولة، لاحظ أهلها ميلها إلى الفنون الجميلة وقدرتها على الرسم، لكن والدها عارض آنذاك فكرة إرسالها إلى معهد خاص كي لا يؤثر ذلك على مسيرتها الدراسية وتحصيلها العلمي.

وتقول إنها حزنت كثيراً لكنها لم تكن صاحبة قرار في تلك السن، ومع مرور الوقت تضاءلت رغبتها في التعلم. وبعد تخرجها من الجامعة، بدأت العمل في شركة تأمين ولم يسعفها الوقت للالتفات إلى موهبتها. كانت تشعر أنها مجرد أحلام مؤجلة قد تندثر مع مرور الوقت، إلى أن وجدت ضالتها في المدرسة الليلية.
من جهته، يقول ليو دونغ (56 عاماً) وهو والد أحد الطلاب في مدرسة ليلية بمدينة كوانجو جنوب البلاد، إنه "نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي كنا نعاني منها، لم يكمل ابني دراسته الثانوية، وخرج للعمل في سن مبكرة لمساعدتي في إعالة الأسرة".

طلاب في زيارة لأحد المعارض الفنية (Getty)
طلاب في زيارة لأحد المعارض الفنية (Getty)

يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أنه "بعد ثلاثة أعوام من العمل، تمكنا من فتح مشروع تجاري صغير ساهم في رفع مستوانا المعيشي. ورغم سعادتي، شعرت بغصة لأن ذلك جاء على حساب مستقبل ابني الدراسي. لذلك، قررت إعادته للدراسة من جديد في مدرسة ليلية لا تؤثر على عمله، وهو يدرس الآن المحاسبة المالية، ومن المفترض أن ينهي دورته نهاية العام الحالي، ليتمكن بعد ذلك من إدارة المسائل المالية المتعلقة بشركتنا الخاصة".

فرصة ثانية للتعلم

وعن طبيعة هذه المدارس وجهات التمويل والخدمات التي تقدمها، يوضح نائب مدير مدرسة ليلية في شنغهاي جانغ شانغ، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن جميع المدارس الليلية تتبع القطاع الخاص، لكنها تحصل من الدولة على تغطية جزئية لتكاليف التشغيل من باب التحفيز والتشجيع. ويقول إن فكرة المدارس الليلية جاءت استجابة لتذمر الموظفين والعمال على مواقع التواصل الاجتماعي من عدد ساعات العمل الطويلة وعدم قدرتهم على متابعة اهتماماتهم الخاصة. ويلفت إلى أن أول مدرسة من هذا النوع في شنغهاي افتتحت أبوابها مطلع العام الماضي، واستقطبت العديد من الشباب ما حفّز آخرين للإقدام على الخطوة نفسها، وقد لاقت رواجاً كبيراً بين فئة الموظفين.

يضيف أن المدرسة تقدم دروساً تعليمية تشبه إلى حد كبير ما يتم تعلمه في المدارس النظامية لكنها تأخذ بعين الاعتبار ظروف الطلاب وانشغالاتهم ومستواهم التعليمي، وتقدم دورات مهنية لتعلم بعض الحرف اليدوية، مثل الحياكة، وحلاقة الشعر، وتستهدف هذه الدورات على وجه التحديد من يعانون من البطالة، ومن تقدم بهم العمر ولم يحظُ بوظائف تعينهم في تدبير أمورهم الحياتية. ويقول إن النسبة الكبرى من طلاب المدرسة هم من هذه الشريحة التي تبحث عن فرصة ثانية للتعلم على أمل الحصول على وظيفة ولو في وقت متأخر. ويلفت إلى أن ارتفاع معدلات البطالة في البلاد ساهم في رواج هذا النوع من المدارس بسبب رسومها المتدنية المناسبة لهذه الفئة (تصل كلفة الفصل الواحد إلى 1500 يوان صيني أي ما يعادل 200 دولار). في المقابل، يستطيع الطالب بعد التخرج مزاولة مهن يدوية توفر له دخلاً جيداً. يضيف أن حوالي 95% من طلاب الفصول المهنية يباشرون أعمالهم الخاصة فور التخرج، بينما تهدف الفصول التعليمية الأخرى إلى تنشيط الذاكرة وتفعيل المهارات الكامنة.
يشار إلى أن العديد من الشباب الصيني لا يزال يواجه صعوبة في العثور على وظائف بسبب التباطؤ في عجلة الاقتصاد خلال العام الحالي مقارنة بالأعوام السابقة. كما أن الحكومة الصينية اتخذت إجراءات صارمة قبل نحو عامين ضد الصناعات التي كانت نابضة بالحياة، بما في ذلك التعليم عبر الإنترنت والعقارات وغيرها، والتي كانت توفر فرص عمل لأعداد كبيرة من الشباب

المساهمون