محمود صدقة صانع ضحكات المعذبين

31 ديسمبر 2015
من حقّهم أن يفرحوا (العربي الجديد)
+ الخط -

"أنا مع الإنسانية"، يكرّر الناشط الأردني في إغاثة اللاجئين السوريين محمود صدقة، كلما سأله أحدهم منذ بدء الاضطرابات في سورية في مارس/ آذار 2011 "هل أنت مع النظام السوري أم مع الثورة؟". هو مع الإنسانية التي تكفل العلاج للمرضى والمصابين والتعليم واللعب للأطفال، ومع الإنسانية القادرة على رسم ابتسامة على وجوه المعذبين. يقول: "الناس المتفرغون للمناكفات السياسية وتقييم وحشية النظام أو أخطاء الثورة، لا يملكون الوقت لمساعدة الضحايا. أما أنا، فلا أملك أي وقت للمناكفات السياسية. ثمّة ضحايا كثر أريد مساعدتهم".

خلال الأشهر الأولى التي أعقبت وصول اللاجئين السوريين إلى الأردن، انخرط صدقة (50 عاماً) في جهود إغاثة اللاجئين التي كانت تأتي على شكل مبادرات فردية أحياناً أو من قبل منظمات إغاثة أهلية. في ذلك الحين، كانت الأعداد قليلة وكانت الجهود تقوم على جمع كل ما يمكن من أغذية وملابس وأغطية لتوزّع على اللاجئين. يوضح لـ"العربي الجديد": "لم يكن العمل منهجياً. كان الهدف تأمين مساعدة فورية للاجئين. من جهة، نحن نؤمّن لهم ما يحتاجونه، ومن أخرى هم يشعرون بأن ثمّة من يتضامن معهم في مصابهم".

مع ارتفاع أعداد اللاجئين، وعجز المبادرات الفردية والمنظمات الأهلية عن تأمين احتياجاتهم، وانقسام المجتمع الأردني تجاه الثورة السورية ما بين مؤيد ومعارض وانعكاساته السلبية على إغاثة اللاجئين، ومع الشروع ببناء المخيمات لاستقبالهم، اختار صدقة لنفسه طريقاً مختلفاً عن الجميع. حمل حقيبته المليئة بالبالونات والسكاكر على كتفيه وتوجّه إلى صغار اللاجئين.
راح يتجوّل بين تجمعات اللاجئين، وينشر على صفحته على موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي قصصهم وعذاباتهم واحتياجاتهم. يخبر: "في البداية كان حجم التفاعل على الصفحة ضعيفاً، ليتزايد مع الوقت. وأصبح عدد المتبرعين أكبر". ونشاط صدقة السابق في إغاثة الشعب الفلسطيني، ساعده في مهمّته الأخيرة. هو كان قد شارك في أكثر من قافلة لكسر الحصار على قطاع غزة، وركب أسطول الحرية في عام 2010 الذي استهدفته البحرية الإسرائيلية وقرصنته.

توثيقه اليومي عبر "فيسبوك" لواقع اللاجئين ونشره للقصص الأكثر إيلاماً والأكثر حاجة، جعلاه مرجعاً للمتبرعين الراغبين بتقديم المساعدة. ومع الوقت، أصبح أيضاً مرجعاً للمنظمات الأهلية والأجنبية العاملة في مجال إغاثة اللاجئين السوريين. إلى ذلك، تأتي معايشته اليومية للاجئين لتمكّنه من معرفة احتياجاتهم الأكثر إلحاحاً والفئات الأكثر حاجة. يقول: "في البداية كنت أعمل في الإغاثة بشكل عشوائي، المهم أن نقدم المساعدة بغض النظر عن نوعها والفئة المستفيدة منها. لكن مع الوقت ومع كثرة المنظمات العاملة مع اللاجئين، كان لا بدّ من البحث عن أكثر الفئات حاجة للدعم والمساعدة". وحدّد صدقة الفئة المستهدفة بالأطفال، خصوصاً المرضى والمصابين منهم والمتسربين من التعليم.

يشدّد الناشط على أن "الصعوبة ليست في عثور اللاجئ على طعامه، لكن المصيبة هي في أنه لا يجد العلاج، والمأساة هي في عجز الأطفال عن التعلّم". لذا ركّز صدقة جهوده على توفير العلاج للصغار. ولا يمرّ يوم من دون أن ينشر على صفحته قصة طفل يحتاج إلى علاج عاجل، فأصبح اللاجئون يطلقون عليه لقب "دكتور". هو لا يكتفي بنشر الحالة وتأمين نفقات العلاج لها من خلال المتبرعين أو المنظمات الأهلية والدولية، بل يرافق الطفل المعني في رحلة علاجه. وقربه من الأطفال جعله يكتشف حقيقة الصدمة التي عانوها في بلادهم والتي ولّدت فيهم الخوف، لا سيما من أصوات الطائرات. وشارك في دورة تدريبية للعلاج من الصدمات. يقول: "كان صوت انفجار البالون يسبّب هلعاً للأطفال وأحياناً تبوّلاً لاإرادياً. وكان علاجهم نفخ البالونات وتشجيع الطفل على تفجيرها. مع التكرار، كان ينتهي الخوف". وبأسى يتحدّث صدقة عن عشرات الأطفال الذين ماتوا من دون أن يتمكن من تأمين العلاج لهم، "حاولت قدر الإمكان. بعضهم كانت حالاتهم متأخرة جداً، لكنني كنت حريصاً على زرع الأمل في نفوسهم وأن يفارقوا الحياة مع ابتسامة".

إلى جانب جهوده في علاج الأطفال، يعمل أيضاً في سبيل تشجيعهم على الالتحاق بالدراسة، من خلال عروض للدمى والمهرّج الذي يقتبسه سواء داخل مخيّم الزعتري أو خارجه. كذلك يحرص على تنظيم رحلات دوريّة لهم إلى الحدائق وفسحات الملاهي، "من حقهم أن يفرحوا".

اقرأ أيضاً: الهواتف الذكية تؤمّن وجبات للاجئين السوريين
المساهمون