*أعلنتم، في حزب التقدم والاشتراكية، تحالفاً انتخابياً مع حزب العدالة والتنمية، الذي قاد الحكومة مدة خمس سنوات. كيف يمكن تفسير إقامة تحالف سياسي بين إيديولوجيتي الحزبين المتنافرتين والمتناقضتين أحياناً؟
هذا التحالف سياسي وليس إيديولوجي، وهو تحالف قائم على أساس برنامج حكومي محدد وميثاق بين مكونات الأغلبية تولينا نحن صياغته. وكما تعلمون، فإن حزب التقدم والاشتراكية حرص دائماً، ومنذ نشأته قبل أكثر من 73 سنة، على التمييز، في كل مرحلة، بين التناقض الرئيس والتناقض الثانوي. ومن هذا المنطلق اعتبرنا أن التناقض الرئيس اليوم ليس بين قوى محافظة وأخرى حداثية بل بين القوى المدافعة عن الديمقراطية والراغبة في الإصلاح، والقوى الساعية إلى بسط هيمنتها على المشهد السياسي والحزبي، وبالتالي إعادة عقارب ساعة المسار الديمقراطي إلى زمن ولى.
وفي هذا الإطار، وجدنا أنفسنا، موضوعياً، في صف واحد مع حزب العدالة والتنمية، ما يفسر تحالفنا السياسي معه في أعقاب الانتخابات التشريعية في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، التي تصدر نتائجها، ليؤدي ذلك إلى توليه رئاسة الحكومة. وهنا لا بد من توضيح مسألة على قدر كبير من الأهمية، بالنسبة لنا، وهي أن تحليلنا للتطورات التي عرفتها الساحة السياسية في المغرب، خلال وغداة الحراك الاجتماعي في 2011، لا يعني إطلاقاً أن القضايا المتعلقة بالحريات الفردية والجماعية، وبالمقومات الأساسية قد أدرجت في خانة الأمور الثانوية، ذلك أننا ربطنا بين عقد التحالف الحكومي بضرورة عدم المساس، بأي شكل من الأشكال، بهذه القضايا والمقومات. وقد بينت التجربة أن الحكومة لم يصدر عنها قط ما يخالف هذا التوجه، وأننا، في حزب التقدم والاشتراكية، كنا حريصين وساهرين على ذلك، وبمثابة صمام أمان يقظ وأمين.
*هل يمكن الحديث عن كون الواقعية والبراغماتية غلبت الإيديولوجية السياسية في مثل هذا التحالف بين الحزبين؟
تماماً. علماً بأننا وفقنا معاً، من خلال إعمال الذكاء الجماعي وتوخي التعامل المرن، في تجاوز ما كان يظهر، أحياناً، من اختلافات وخلافات حتى.
*ماذا وجدتم في حزب العدالة والتنمية تحديداً وجعلكم مقتنعين بجدوى التحالف معه في الحكومة، كما في الانتخابات؟
وجدنا فيهم ما وجدوه فينا: الجدية، التي يعبر عنها شعارنا "المعقول من أجل مواصلة الإصلاح"، والوضوح مقروناً بالوفاء للعهود، إذ لسنا من طينة من يلعب على حبلين، فيضع، مثلاً، رجلاً في الحكومة وأخرى في معارضتها. بالنسبة لموضوع التحالف خلال الانتخابات الحالية، يجب بداية التنبيه إلى أن نمط الاقتراع في دورة واحدة ووحيدة لا يسمح بعقد تحالفات انتخابية مسبقة، لأنه يتعين على كل حزب بذل جهود لتحقيق ما يصبو إليه من نتائج، ولو كان لدينا نمط اقتراع من دورتين لكان بالإمكان خوض الدورة الأولى على نحو يفرز الخريطة السياسية والحزبية كما هي في الواقع، ثم خوض الدورة الثانية في إطار تحالف ما، مع التصويت على الأوفر حظاً من بين مرشحات ومرشحي هذا التحالف، وهو أمر كفيل بأن يساعد أكثر على عقلنة المشهدين السياسي والحزبي وإفراز الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة. وإلى ذلك، فإن ما تردد من تصريحات حول تحالفات ما بعد اقتراع 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016، ليس قراراً جاهزاً، وإنما هو وليد استنتاج من تحليل ملموس لواقع محسوس، مفاده أن الأسباب والاعتبارات التي أفضت، في أعقاب انتخابات نوفمبر 2011 التشريعية، إلى عقد تحالف حكومي مع حزب العدالة والتنمية، وهو قرار كان صعباً للغاية في ظل ظرف دقيق جداً، لا تزال قائمة حتى الآن، وبالتالي ليس هناك ما من شأنه أن يدفع إلى التراجع عن هذا التحالف، اللهم إلا إن طرأ أمر يغير من طبيعة المرحلة الراهنة ومميزاتها، وهو ما يبدو مستبعداً في المدى المنظور.
*بالمقابل، هل تقبلون بالتحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة إن اقتضت الظروف السياسية ذلك، أم أنه بات خطاً أحمر؟
في السياسة، كما علمتنا التجربة، ليس هناك خط أحمر، لكن هذا لا يعني أن حزب التقدم والاشتراكية مستعد للتحالف كيفما اتفق ومع أي كان. أما في ما يخص الحالة التي طرحتها، فإن الأمور واضحة للغاية: من غير الوارد، بل من غير المعقول، التحالف مع حزب تواجهنا معه قبل الحراك الاجتماعي في 2011، وخلال وعلى امتداد الولاية الحكومية التي توشك على الانتهاء، خاصة في ظل بقائه على الحال نفسه من حيث اعتماده على غير قدراته الذاتية ولجوئه إلى "منشطات" لا يستقيم استعمالها مع متطلبات إرساء ممارسة سياسية سوية وسليمة، قائمة على التنافس الحر والنزيه بين أحزاب جادة ومستقلة.
*مرت خمس سنوات على مشاركتكم في الحكومة. كيف تقيمون القطاعات التي تولاها حزبكم خلال هذه الفترة، إيجابيات ونواقص؟
تقييمنا إيجابي، على العموم، لأداء وزراء حزب التقدم والاشتراكية في القطاعات التي أشرفوا على تسلمها، وهي قطاعات اجتماعية أساسية. ويعترف كل صاحب مقاربة موضوعية، اليوم، بما حققه حزب التقدم والاشتراكية من إنجازات في قطاعات الصحة والثقافة والماء والسكن والتشغيل. وعلى سبيل المثال لا الحصر، تم تخفيض ثمن 2740 دواء، وهي عملية غير مسبوقة تحدث للمرة الأولى في المغرب، وتم تقريب الثقافة من المواطنين من خلال إحداث وانطلاق أعمال 54 مؤسسة ثقافية جديدة، واتخذت تدابير ملموسة في مجال ضمان الأمن المائي وحماية المواطنين من الفيضانات، خاصة من خلال الشروع في إنجاز خمسة سدود كبرى وإنجاز العديد من السدود الصغرى، وأكثر من 100 حفرة استكشافية في عدة أقاليم، كما تم تقليص العجز السكني بنسبة 50 في المائة (من 800 ألف وحدة سكنية سنة 2012 إلى 400 ألف وحدة في 2016)، وتفعيل نظام التعويض عن فقدان العمل لفائدة أجراء القطاع الخاص بمساهمة للدولة قدرها 500 مليون درهم…الخ. أما بخصوص ما أسميتموه نواقص فيتعلق الأمر، في الواقع، ليس بتقصير ما أو سوء تدبير، وإنما بالحاجة إلى مزيد من الوقت لبلورة كل المشاريع والإصلاحات. ولذلك نخوض غمار الانتخابات التشريعية الحالية بشعار "المعقول، لمواصلة الإصلاح"، لأنه لا يزال لدى حزبنا ما يقوله ويفعله في هذا المضمار.
*حزبكم اختار شعار "المعقول" في خوضه لغمار الانتخابات. أين يتجلى هذا "المعقول" في تعاطي حزبكم مع الملفات التي تهم المواطن المغربي؟
يتجلى "المعقول" في الثبات على المبادئ، وفي اتخاذ المواقف الجريئة، والتحلي بالقدرة على العطاء والإنجاز، والحرص على التعاطي مع ملفات المواطنة المغربية والمواطن المغربي بما يلزم من الجدية والمسؤولية والوفاء بالتعهدات والالتزامات. باختصار، فإن مصدر ما يحظى به حزب التقدم والاشتراكية من ثقة ومصداقية يكمن في كونه يقول ما يفعل، ويفعل ما يقول.
*قدم حزبكم برنامجاً انتخابياً يراه البعض غير قابل للتطبيق. مثلا نسبة النمو 6 في المائة، وتخفيض نسبة البطالة إلى أقل من 8 في المائة. ألم يكن ممكناً تجنب تحديد نسبة النمو الاقتصادي كما فعلت أحزاب أخرى، حتى لا يحاسبكم الناخبون عندما لا يتم تحقيق هذه النسب؟
كان لا بد من وضع هذا البرنامج الانتخابي الذي نعتبره قابلاً للتطبيق في حال توفر مجموعة من الشروط التي حددناها بوضوح. لكن نمط الاقتراع المعمول به لا يسمح لأي حزب سياسي، مع الأسف، بإحراز الأغلبية اللازمة لتطبيق برنامجه. وفي حالة مشاركتنا في الحكومة المقبلة، على أساس الشروط التي يحددها الحزب باستقلالية تامة، سيكون هذا البرنامج الانتخابي قاعدة للتفاوض، كما حصل في 2011 حيث توافقنا على بيان حكومي تضمن العديد من الإجراءات والالتزامات التي اقترحناها، فتم اتخاذها وإنجازها. طبعاً كان بالإمكان صياغة برنامج فضفاض، يتجنب، مثلاً، تحديد نسبة النمو الاقتصادي، التي يمكن أن ننشدها. لكننا لسنا من أنصار "كم من أمور قضيناها بتركها"، ولذلك فضلنا أن نبين ما هو ممكن إن توفرت شروط معينة وتضافرت الجهود وتوافقت الإرادات، حتى يتحمل كل طرف مسؤولياته.
*مرجعيتكم في الحزب مبنية على الحداثة والحوار. ما الذي يمكن أن يقدمه الحزب إذا ما تصدر أو شارك في الحكومة المقبلة في ملفات المناصفة بين الرجال والنساء، وأيضاً ما هي وعودكم للفئات الفقيرة؟
تعرفون أن مرجعيتنا الفكرية، كقوة يسارية تقدمية اشتراكية، باعتبارنا أول من رفع لواء هذه المرجعية في المغرب ودافع عنها وكان وراء انتشارها، تعتبر أن تحقيق التقدم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع المغربي يبقى مشروطاً بتحرير المرأة المغربية وإقرار مبدأ المساواة بين الجنسين. ومن هنا، يعتزم حزب التقدم والاشتراكية، إن شارك في الحكومة المقبلة، العمل على تفعيل مبدأ المساواة والمناصفة، ومهام هيئة المناصفة ومحاربة كل أشكال التمييز، وذلك من أجل تعزيز التمثيل النسائي في مختلف المجالس المنتخبة من أجل البلوغ الفعلي لنسبة الثلث ثم المناصفة، وتقوية الإدماج الاقتصادي للنساء، وتعميم إدخال الفتيات الصغيرات إلى المدارس مع تشجيعهن للحصول على تكوين مؤهل. يعتزم الحزب أيضاً توفير الشروط الكفيلة بالتفعيل الناجع لمقتضيات مدونة الأسرة وقانون الجنسية وقانون محاربة العنف ضد النساء، ومحاربة كل الصور النمطية للمرأة وكل ما ينتقص من قيمتها داخل المجتمع، والتكريس الفعلي لمقاربة النوع على جميع المستويات، وتثمين عمل النساء اقتصادياً واجتماعياً، وخاصة بالنسبة إلى المرأة القروية، وضمان حد أدنى من الدخل للنساء ذوات الوضع الهش اقتصادياً واجتماعياً عبر صندوق التماسك الاجتماعي ورفع قيمة معاش الأرامل. أما بالنسبة للشق الأخير من سؤالكم، فإن البرنامج الانتخابي لحزب التقدم والاشتراكية، الذي لا يقدم وعوداً وإنما يتقدم بالتزامات، يتضمن فصلاً خاصاً يتعلق بالحفاظ على القدرة الشرائية للفئات الفقيرة، وينص خاصة على الاحتفاظ بدعم ثمن غاز البوتان من خلال الدعم المباشر للفئات المعوزة. وإلى ذلك، يهدف البرنامج إلى توسيع الدعم المباشر، ليشمل الأشخاص الذين لا يستطيعون العيش من دون التضامن الوطني، وكذا السعي إلى إقرار دخل أدنى للإدماج بمعدل ألف درهم في الشهر، وذلك مع نظام المساعدة الطبية "راميد"، و"المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" الرامية إلى محاربة الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي.